خطاب العرش 2023..خطاب التفاؤل والاعتزاز

30 يوليو 2023آخر تحديث : الأحد 30 يوليو 2023 - 10:20 صباحًا
admintest
كتاب وآراء
خطاب العرش 2023..خطاب التفاؤل والاعتزاز

بقلم: يونس شهيم

إن أهم ما يستخلص من خطاب العرش لهذا العام توظيف جلالة الملك لمصطلح الدولة-الأمة، فهذا التوظيف ليس توظيفا اعتباطيا وإنما يحمل دلالات ورسائل، فالدولة- الأمة تتجاوز ما هو سياسي وجيو سياسي إلى ما هو ثقافي وإثني، إذ المغرب يمتاز بخاصية التقاء السياسي والجيو سياسي وتوافقه مع المكون الثقافي و الإثني. وبالرجوع إلى دستور 2011 نجد في التصدير أن المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحم وتنوع مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها ، العربية – الإسلامية، والأمازيغية والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية. كما جاء في ذات التصدير أن الهوية المغربية تتميز بتبوأ الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها ، وذلك في ظل تشبث الشعب المغربي بقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار، والتفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية جمعاء.هذه التركيبة التي تشكل في مجموعها كلا موحدا وبناء مرصوصا يصعب اختراقه من أي كان وتحت أي ظرف كان، فالحديث هنا عن دولة-امة تضرب جذورها في أعماق التاريخ.
تقوم الدولة- الأمة في المغرب نتيجة التلاحم الدائم والتجاوب التلقائي بين العرش والشعب، ولعل ما يميز المغرب عن باقي البلدان اعتماده نظام البيعة التي ترتكز على مبدأ توثيق الحقوق والواجبات المتبادلة بين الراعي والرعية مستنيرة بمبادئ وسيرة السلف الصالح تماما كما جاء في خطاب أبي بكر الصديق بعد مبايعته خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: ” أيها الناس ، إني وليت عليكم ولست بخيركم ، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسات فقوموني ، الصدق أمانة ، والكذب خيانة ، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ منه الحق، والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ له الحق، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فيكم ، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم”. من هنا كانت عناية جلالة الملك بمؤسسة الاستشارة عناية فائقة امتثالا لقوله تعالى :”وأمرهم شورى بينهم” .إضافة إلى الخصال التي يتمتع بها المغاربة والتي تضمنها تصدير دستور 2011, تحدث جلالة الملك عن خصلة محددة وفارقة في صنع الأمجاد وتحقيق الإنجازات ألا وهي “الجدية” ، هذا المفهوم الذي شكل عصب الخطاب الملكي وجوهره ، فالجدية هي الوصفة السحرية التي ما تشبث بها المغاربة إلا وأثمرت نجاحات غير مسبوقة وإقلاعا في شتى الميادين واستدل جلالته بأمثلة ملموسة مستعرضا الإنجاز التاريخي للمنتخب المغربي في كرة القدم ببلوغه نصف نهائي كأس العالم، على سبيل المثال لا الحصر، إضافة إلى تألق المغاربة في رياضات لم تكن معروفة من ذي قبل “كالبلياردو” مثلا، وفي هذا الصدد لابد من الإشارة إلى التنظيم المحكم لبطولة العالم المدرسية في كرة القدم التي أقيمت بالرباط والتي احتل فيها المنتخب المغربي المدرسي الرتبة الثانية ، والإشارة كذلك إلى تأهل المنتخب المغربي النسوي لبطولة العالم…
هذه الجدية ذاتها هي ما جعلت المغاربة يتألقون في شتى المجالات والميادين ومكنتهم من احتلال الرتب المتقدمة في مختلف المناسبات والمسابقات الدولية أمثال مسابقات حفظ وتجويد القرآن الكريم ، مسابقات الشعر، مسابقة تحدي القراءة العربي، وغيرها. والجدية ذاتها ما جعلت المغاربة يحققون إشعاعا على المستوى الفني وتحديدا في مجال الموسيقى حيث أصبح المغرب محط إعجاب وحديث الإعلام عربيا ودوليا.
الجدية مكنت المغاربة من الابتكار والإبداع في مختلف الصناعات كذلك ومن تعزيز علامة “صنع في المغرب”.
الجدية مكنت أيضا بلدنا من تحقيق مكاسب دبلوماسية جد هامة عنوانها الأبرز الاعتراف الصريح الدولي بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية.
وحيث أن ورش التنمية والإصلاح ورشان لازالا مستمرين فإن التحلي والاتصاف بالجدية سيظل مطلبا ملحا وضرورة لا غنى عنها في مختلف المجالات والقطاعات والسياسات العمومية ، من تخليق الحياة السياسية، وتجويد الحياة الإدارية، والارتقاء بمنظومة القضاء، واستكمال تنزيل ورش الحماية الاجتماعية، والعمل على جلب الاستثمارات المنتجة.
وكل ذلك يستدعي تنصيب الكفاءات وإشاعة قيم الحكامة والاستحقاق وتكافؤ الفرص وتفعيل المبدأ الدستوري “ربط المسؤولية بالمحاسبة”.
تضمن الخطاب الملكي أيضا موقف المغرب التابث والراسخ من القضية الفلسطينية، حيث انخرط المغرب منذ البداية ولازال في إيجاد حل لهذه القضية.
تطرق الخطاب الملكي أيضا إلى مجموعة من المشاريع الحيوية منها مشروع الاستثمار الأخضر ، وهو استثمار تبلغ قيمته 12 مليار دولار ويشمل الفترة الممتدة من 2023 إلى 2027، ويهدف إلى رفع قدرات الإستخراج المنجمي وإنتاج الأسمدة . يهدف هذا الاستثمار أيضا إلى تحقيق الحياد الكربوني بحلول سنة 2040 ، وتحقيق مليون طن من الأمونياك الأخضر، 5 جيغاواط من الطاقة النظيفة، 560 مليون متر مكعب قدرات تحلية مياه البحر، 20000 طن من الغليور و 30000 طن من المنتجات الوسيطة لبطاريات الليثيوم -الحديد- الفوسفات كل ذلك بحلول سنة 2027، ويهدف أيضا إلى ترشيد سلسلة الإنتاج المحلي.
من المشاريع التي تحدث عنها الخطاب الملكي أيضا هناك البرنامج الوطني للماء ، فالمغرب بحكم السياسة الرشيدة المتمثلة في بناء السدود، يتوفر حاليا على رصيد مهم من المنشآت والتجهيزات المائية، والخطاب الملكي يدعو إلى تسريع وتيرة هذه المشاريع وتحيين محتوياتها.
أشار الخطاب الملكي أيضا إلى ضرورة التمسك بالقيم الدينية والوطنية التي تشكل حصانة ضد كل القيم الهدامة والسلوكيات الشاذة والمنحرفة التي تخترق المجتمعات لاسيما في ظل الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي والتي يصعب ضبط التعامل معها.
كما أشار جلالته إلى موقف المغرب من العلاقات مع الجزائر وقدم ضمانا مفاده أن المغرب لن يكون أبدا مصدر أي شر أو سوء ، كما دعا جلالته إلى فتح الحدود والتعاون البناء لما فيه خير الشعبين وخير المنطقة ككل.

*متصرف تربوي بمديرية مديونة، وباحث في العلوم السياسية، حاصل على شهادة الأهلية لمزاولة مهنة المحاماة

الاخبار العاجلة