بين القـنـب الهندي والتـيـن المغربي

9 ديسمبر 2013آخر تحديث : الإثنين 24 مايو 2021 - 3:33 مساءً
admintest
كتاب وآراء
بين القـنـب الهندي والتـيـن المغربي

عبد العزيز بوسهماين
“القنب” كلمة لاتينية معناها ضوضاء، وقد سمي الحشيش أو الكيف بهذا الاسم لأن متعاطيه يحدث ضوضاء بعد وصول المادة المخدرة إلى ذروة مفعولها. ويصنع الحشيش من المادة الفعالة في نبات القنب هذا ، ويرى بعض الباحثين أن كلمة حشيش مشتقة من الكلمة العبرية “شيش” التي تعني الفرح، انطلاقاً مما يشعر به المتعاطي من نشوة وفرح عند تناوله الحشيش. وفي القرن السابع قبل الميلاد استعمله الآشوريون في حفلاتهم الدينية وسموه نبتة “كونوبو”، واشتق العالم النباتي ” ليناوس” سنة 1753م من هذه التسمية كلمة “كنابيس” Cannabis .
ولقد عُرٍف منذ قديم الزمان أن تناول هذه المادة يؤدي الى نوع من التخذير الخاص ، وقد صنع رهبان الهند منها أشربة سحرية يستعملونها في التأثير على الناس في الاحتفالات الدينية ، لذلك أصبحت نبتة القنب منسوبة للهند فصاراسمها “القنب الهندي”أو Cannabis Indica. وقد استعمل الأوروبيون نبات القنب الهندي لاستخراج الألياف التي تصنع منها أمتن الحبال وخيوط النسيج .
الا أنه بعد انتقال هذه النبتة العجيبة من الهند الى الشرق الأوسط ومن ثم الى شمال أفريقيا فاسبانبا فأوروبا الوسطى والشمالية ثم أخيرا الى أمريكا ،أبدع البشر في تحويل مكونات هذه النبتة الى أنواع من المواد المخدرة للعقل ، فمنها ما يؤكل ومنها ما يشرب ومنها ما يدخن . كما أن تسمية مخدر نبتة القنب الهندي تختلف من بلد الى اخر ، حيث أنه يسمى :
– البانغ Bhang أو الغانجا Ganja في الهند.

• والـ كيف Kif في الجزائر والمغرب.

• والتكروري Takrouri في تونس.

• والهَبَك Habak في تركيا.

• والحشيش أو الكَيْف في سورية ولبنان.

• والجومبا Djomba أو اليامبا Liamba في أفريقيا الوسطى والبرازيل.

• والدقة Dagga في استراليا.

• والـ “الماريوانا” في أمريكا.

• والغريفا Grifa في المكسيك.
هذا وبالنسبة للمغرب ، فقد تركزت زراعة القنب الهندي ( الكيف) في الشمال (الريف) نظرا للظروف الطبيعية المواتية لهاته الزراعة هناك ، حيث يبلغ إنتاج المغرب من الحشيش، حسب تقديرات التقرير السنوي للمكتب الأمريكي الخاص بتتبع ومكافحة المخدرات في العالم، 2000 طن سنويا، توجه 1500 طن منها إلى دول الاتحاد الأوروبي . وبذلك يحتل المغرب حسب التقرير المرتبة الثانية عالميا من حيث الانتاج بعد أمريكا والمرتبة الأولى من حيث التصدير .
وحسب إحصائيات صادرة عن وزارة الداخلية المغربية فإن حوالي 90 ألف عائلة مغربية، أي ما يعادل 700 ألف مغربي، تعيش من عائدات هذه النبتة، خاصة في شمال المغرب .
ورغم أن الأرقام الرسمية الصادرة عن الحكومة المغربية تتحدث عن انخفاض زراعة ‘الكيف’ بنسبة 60 في المئة خلال السنوات العشر الأخيرة، واقتصارها على نحو 50 ألف هكتار إلا أن المغرب يظل من أكبر المنتجين عالميا.
وحسب تقرير صادر عن مركز الأبحاث والدراسات حول البيئة والمخدرات في المغرب ،فنسبة تعاطي المخدرات في صفوف المراهقين والشباب المغاربة قد ارتفعت بشكل مهول.
وأورد التقرير ذاته أن ما يزيد على %26 من الشباب المغاربة يتعاطون المخدرات بشــــكل منتــــظم، وأن 90% منهم تقل أعمارهم عن 25 سنة، بحيث تبلغ نسبة التعــــاطي في المراحل التعليمية الدنيا والمتوسطة 10% ، وتتضاعف هذه النسبة في أوساط الطلاب في الجامعات والمعاهد العليا.
وبالعودة الى هاته الاحصائيات التقريبية المخيفة ، فاذا كان % 25 من الشباب يواظبون على تناول المخدرات ، زد اليهم نسبة مثلها قد يمثلها المدمنون من كبار السن والذين لم يشملهم التقرير فيمكننا التوقع بأن نصف المجتمع المغربي يتعاطى المخدرات ، أي أننا نسير بنصف عقل والنصف الثاني مخدر .و هذا ما يفسر تفشي ظواهر الجريمة بشتى أصنافها .
أما من الناحية السياسية ، فالنقاش الدائر هذه الأيام حول تقنين زراعة القنب الهندي والذي أطلقه ” الائتلاف المغربي من أجل الاستعمال الطبي والصناعي للكيف ” والمدعوم من طرف أحدى الفرق البرلمانية المعارضة فهو نقاش ليس بجديد ولن يفضي الى تقنين زراعة واستعمال هذه النبتة الخطيرة المتعددة ة الاختصاصات و التي يطلق عليها البعض اسم ” الذهب الأخضر ” والتي تشكل – حسب تقرير المرصد الجيوسياسي للمخدرات لسنة 1995 – المصدر الأول للعملة الصعبة التي تدخل الى المغرب بعائدات تقدر أنذاك ب 1.5 مليار دولار ، مالم تكن ارادة سياسية جادة وواضحة لتوجيه هذه النبتة نحو الاستعمال الطبي والصناعي المحظ دون أن يتم فتح – خلسة – مجموعة من النوافذ لتسريبها نحو أباطرة المخدرات بشكل قانوني . فنبقى ندور في نفس الحلقة المدمرة .
ولنفرض أنه تم تقنين زراعة واستعمال نبتة الكيف ، ألا يجب منع دخول حبوب الهلوسة والكوكايين وغيرهما من المخدرات الصلبة التي لا ننتجها ولا تشغل لنا اليد العاملة ولا تدر علينا عملة صعبة ؟
أما شجرة التين التي تحولت من انتاج فاكهة التين ذات القيمة الغذائية المرتفعة – والتي أقسم بها الله تعالى في كتابه العزيز- الى انتاج مسكر خطير مركز اسمه في المحاضر القضائية “مسكر ماء الحياة ” وفي أوساط المستهلكين ” الماحيا ” والتي صارت منتشرة في كل الأحياء والدواوير بأثمان بخسة ، حيث أن كأسا منها كافية لتجعل مستهلكها يغتصب ويقتل بدم بارد .
ألا يجب تقنين استعمال منتوج شجرة التين هو الاخر و الذي صار يعصر أكثر مما يؤكل ،علما أن المغرب يحتل المرتبة الخامسة عالميا من حيث انتاج التين بعد تركيا ومصر واليونان وايران بنسبة % 6 من الانتاج العالمي .
ورغم أنه لا توجد احصائيات حول الكمية الحقيقية التي ينتجها المغاربة من مسكر ماء الحياة ـ ويستحيل ذلك طبعا ـ الا أن المغاربة حاليا لم يقتصروا على صناعتها في “الكوكوت” بل تجاوزوا ذلك الى تقطيرها في مصانع متطورة تنتج الأطنان من مرشح التين المخمر في ليلة واحدة وبالتالي اغراق البلاد في عصير الماحيا المشؤوم ، لتتقاطر شكايات الضرب والجرح والقتل والاغتصاب والسطو ….على مراكز الدرك والشرطة.
هكذا نتأكد أن مشكلة المغرب لا تكمن في نبتة القنب الهندي فقط، بل في منظومة متشابكة من أنواع المخدرات والمسكرات الخطيرة التي تكلف ميزانية الدولة مبالغ خيالية من جراء عدد حوادث السير وعدد الجرائم اليومية التي لم تكن تسمع في السابق والتي ترتكب حاليا تحت تأثير تلك المخدرات والمسكرات . وحيث أن المغاربة يبدعون في ايجاد الوسائل البديلة ،فلن يعجزوا عن تخذير أنفسهم اذا ما انقرض ما يعرف ب ” السبسي” و “المطوي ” و “الشقف” مادامت المواد البديلة متاحة في محيط المدارس والثانويات والجامعات وفي كل حي أو ودوار. زد على ذلك أنها صارت تباع بالتقسيط الممل والمريح وبأبخس الأثمان. والتخذير واحد .
لهذا ، فأية مقاربة تجزيئية أو اقتصادية للظاهرة لن تمكننا من التقدم والازدهار قيد أنملة في غياب رؤية كلية لأفة المخدرات والمسكرات وفي غياب مقاربة اجتماعية وأمنية تهدف الى حماية العقل البشري من التخذير و المحافظة على التماسك الأسري والاجتماعي والأمني المفتقد ليس بسبب الكيف وحده ، وانما بسببه وبسبب الماحيا و الشيرا والكوكايين والهروين… و أنوع أخرى من المحاليل و” البولاط ” الملونة التي وصلت الى أسماعنا وأخرى لم تصل بعد .
ألم يحن الوقت لنتحد جميعا ضد انتشار المخدرات والمسكرات بجميع أصنافها ـ وليس الكيف فقط ـ التي باتت تهدد مستقبل البلاد برمتها ؟ تصوروا بلدا دون مخدرات ومسكرات ومهلوسات ، كم سجنا فيها سيغلق ؟ وكم محكمة ستغلق ؟ وكم من حادثة سير سيتم تجنبها ؟ وكم من طفل أو طفلة أو زوجة ستنجو من الاغتصاب ؟ وكم مؤسسة أو شركة ستفلت من السطو ؟ وكم من أسرة ستنجو من التفكك والانحلال ؟ ألن يساهم ذلك في اقتصاد البلاد وفي ازدهار المجتمع ؟؟؟

الاخبار العاجلة