مستشفى ابن سينا بالرباط .. ذاكرة في مهب الريح

22 يوليو 2023آخر تحديث : السبت 22 يوليو 2023 - 10:57 صباحًا
admintest
كتاب وآراء
مستشفى ابن سينا بالرباط .. ذاكرة في مهب الريح

بقلم: عزيز لعويسي

أشرف جلالة الملك محمد السادس قبل أشهر، على إعطاء انطلاقة أشغال إنجاز المستشفى الجديد “ابن سينا” بالرباط، وهو مشروع تنموي رائد على المستوى القاري، من شأنه تنويع وتجويد العرض الصحي الوطني، وتعزيز البنيات التحتية الصحية بالمملكة، بما يساعد على كسب الرهانات المرتبطة بالحماية الاجتماعية والنموذج التنموي الجديد، ومسايرة ما يشهده مجال العلاجات والوقاية والحكامة الصحية، من تطور علمي وتكنولوجي، فضلا عن مواكبة ما تشهده العاصمة الرباط، من نهضة تنموية لافتة للنظر، ومن مشاريع مبدعة وخلاقة، عاكسة لمغرب، يمضي قدما نحو المستقبل، بثقة وطموح وعزيمة وثبات؛

صرح طبي ومعماري عملاق، لا يمكن إلا أن يحرك مشاعر الفخر والاعتزاز، لما له من عمق تنموي، ومن تقوية إحساس المواطنين في بلوغ وإدراك قطار “مغرب المسؤولية والمساواة والعدالة الاجتماعية والإقلاع التنموي الشامل”، وتنويهنا بهذه المعلمة الصحية البارزة، لن يكون البتة مانعا، دون إثارة ما قد يخلفه المشروع من آثار جانبية على التاريخ والذاكرة والأرشيف، استحضارا للهدم الذي سيطال معلمة المستشفى القديم، الذي ستوظف مساحته في تهيئة ما سيتطلبه المستشفى الجديد من مساحات وفضاءات خضراء ومواقف للسيارات ومرافق أخرى؛

هدم مستشفى ابن سينا أو مستشفى السويسي كما هو معروف ومتداول في الأوساط الشعبية، يجعل ذاكرة هذه المعلمة الصحية الوطنية – التي رأت النور خلال خمسينيات القرن الماضي – في مهـب الريح، بكل ما يرتبط بهذه الذاكرة من تاريخ وأرشيف وتراث طبي، وإذا كانت عملية الهدم تجد مبررها، في ضرورات تمكين المستشفى الجديد من المساحات والفضاءات والمرافق الضرورية، فلم يعد من خيار سوى طرح السؤال:

ما مصير التراث الأرشيفي الموثق لتاريخ وذاكرة المستشفى القديم؟ وما مآل معداته الطبية التي تجاوزتها التكنولوجيا وباتت اليوم ذات قيمة تراثية صرفة؟

أي آثار لعملية الهدم على أرشيفات وذاكرة مختلف أقسام ومصالح مستشفى ابن سينا، بما في ذلك “العصبة الوطنية لمقاومة أمراض القلب والشرايين” التي احتضنها المستشفى (على مستوى الطابق الخامس) منذ تأسيسها سنة 1977 ؟ وأي استشعار للإدارة والشغيلة، للخطر المتربص بتاريخ المؤسسة وذاكرتها، في ظل واقع الهدم؟ وأية تدابير متخذة أو قابلة للاتخاذ لصون ما تبقى من ذاكرة المؤسسة الرائدة وطنيا وإفريقيا في مجال الوقاية من أمراض القلب والشرايين؟ وأي تواصل وتشاور للإدارة مع الجهة الوصية على الأرشيف العمومي، من باب الاستفادة من الخدمة الأرشيفية اللازمة، سواء في هذه المرحلة الانتقالية، أو في ظل المستشفى الجديد؟

هل يحضر الهم الأرشيفي والمعماري في عملية الهدم، بالنسبة للساهرين على إنجاز ومواكبة أشغال المشروع؟ وهل تمت استشارة المتخصصين في الأرشيف والتراث المعماري في الهدم المرتقب؟

أي حضور للمؤسسات الوصية على التاريخ والذاكرة، ونخص بالذكر “أرشيف المغرب” و”متاحف المغرب” في مواكبة هذا المشروع الرائد، حرصا على تاريخ وذاكرة المستشفى من أن تطالها إيادي الأنانية والجشع والنهب والإتلاف؟

أي دور للمؤسستين في الترافع و تقديم الخبرة اللازمة، ليس فقط، في إطار حفظ وصون التراث القديم، بل والدفع في اتجاه إيلاء الشأن التراثي ما يستحقه من عناية واهتمام في ظل المعلمة الصحية الجديدة، عبر تخصيص أماكن تراعي شروط حفظ وتدبير الأرشيف وفق المعايير الدولية، بما في ذلك الدفع في اتجاه خلق “متحف طبي” يوثق لتاريخ وذاكرة المستشفى “القديم” و”الجديد؟

أي حرص من جانب الوزارة الوصية على القطاع الصحي، على تاريخ وذاكرة مستشفى، عاكس لتاريخ الصحة العمومية وذاكرتها؟

أي حضور لثقافة الأرشيف في أوساط الأطر الصحية من أطباء وممرضين وتقنيين وإداريين؟ وأي استشعار مؤسساتي وفردي وجماعي، بالمخاطر التي تتربص بذاكرة مستشفى تاريخي باتت أيامه معدودات؟

في المجمل، لن نكون إلا مثمنين لمشاريع تنموية عملاقة ورائدة من هذا القبيل، ومؤيدين وداعمين للمسيرة التنموية الكبرى التي يقودها جلالة الملك محمد السادس، بصمت وحكمة وتبصر وسداد، لكن، في ذات الآن، نؤكد على ضرورة إيلاء المسألة التراثية ما تستحقه من حماية وصون وتقدير واعتبار وتثمين، من باب المسؤولية الفردية والجماعية في حفظ وصون التراث الوطني بكل أشكاله ومستوياته، ولا يمكن إلا أن نأمل، أن يحضر الهم التراثي في أذهان وأفكار الساهرين على المعلمة الطبية الجديدة للرباط، وتحضر معها تدابير “استعجالية”، لحفظ ماء وجه مستشفى، الحديث عنه، لن يكون إلا حديثا عن تاريخ الصحة العمومية وذاكرتها الخصبة، ونرى حسب تقديرنا، أن الجهات الوصية على التراث الوطني ومنها أرشيف المغرب ومتاحف المغرب، ووزارة الثقافة، لابد لها أن تدخل على خط هذا المشروع التنموي الكبير، لتقديم المواكبة والخبرة اللازمتين، حرصا على ذاكرة خصبة باتت اليوم في مهب الريح، ونختم بترديد ما تواتر عن الآباء والأجداد “الجديد ليه جدة والقديم لا تفرط فيه”.

الاخبار العاجلة