أزمة قطاع التعليم أم أزمة حوار وتواصل؟

14 ديسمبر 2023آخر تحديث : الخميس 14 ديسمبر 2023 - 9:35 صباحًا
admintest
كتاب وآراء
أزمة قطاع التعليم أم أزمة حوار وتواصل؟

بقلم: الحسن فركاكوم

تفيد البلاغات ومحاضر الاتفاق الصادرة عن الحكومة، بشأن حلحلة أزمة قطاع التربية الوطنية، التي استمرت لقرابة شهرين متواصلين من الاضرابات والمسيرات الوطنية والجهوية والإقليمية المنددة بمضامين النظام الأساسي لقطاع التربية الوطنية الصادر بالمرسوم رقم 2.23,819 بتاريخ 6 اكتوبر 2023، على أن المخاطب الوحيد للوزارة الوصية في هذا الشأن هو النقابـات التعليمية الأكثر تمثيلية ( الجامعة الوطنية للتعليم UMT، والجامعة الحرة للتعليم UGTM ، والنقابة الوطنية للتعليمCDT والنقابة الوطنية للتعليم FDT)، وأن القضايا المطروحة على جداول أعمال الاجتماعات المتوالية، هي تلك التي تتقدم بها النقابات المعنية بالحوار والتواصل مع الوزارة الوصية والفريق الحكومي المكلف بالموضوع. وواقع الحال أن الهيئات التمثيلية الحقيقية المتجذرة في عمق الكيان التربوي، التي دعت إلى الحِراك غير المسبوق الذي شل المدرسة العمومية المغربية، وادخل القطاع في مرحلة جديدة يمكن تسميتها ب”الربيع التعليمي” على غرار الربيع العربي لسنة 2011،هي التنسيقيات الوطنية التي تحمل هموم ومطالب كل فئات رجال ونساء التعليم المدافعة عن قضاياها وحقوقها المشروعة. ويبدو على أن النقابات “الأكثر تمثيلية” لا تملك تصورا شاملا للقضايا الفئوية المطروحة على الساحة التعليمية، وبالتالي تفتقد للأهلية الاخلاقية والقانونية للدفاع عنها في سلسلة الحوارات اللامتناهية بينها وبين الفريق الحكومي المكلف بإعداد الخطط لإخراج التعليم من أزمته الخانقة التي ابعدت تلميذات وتلاميذ المدرسة العمومية المغربية لما يقارب الشهرين عن مقاعد الدرس والتحصيل.
إن الازمة بالتالي هي أزمة حوار وتواصل مع كل الأطراف التي من شأنها تسريع وتيرة ايجاد الحلول المنصفة لكل فئات رجال ونساء التعليم بغض النظر عن الأسلاك التعليمية ومراتب الأجور ورتب التأجير ومواد التدريس ومهام الاشتغال، حوار يأخذ بالعِلل لإيجاد الحلول ويقترح الدواء لاستئصال الأدواء، حوار يتعالى على منطق الغالب والمغلوب أو المنتصر والمنهزم، حوار بناء وهادف وجاد ينطلق من ارادة سياسية حقيقية تضع مصلحة التلميذ فوق كل اعتبار، والتعليم والتربية والتكوين قضية أساس بعد قضية الوحدة الترابية للبلاد.
انه لا يمكن تصور حلحلة هذه القضية المعقدة الا في اطار تنويع مداخل الحلول. ويعتبر الحوار الهادف الجاد والمسؤول مع التنسيقية الموحدة لهيئة التدريس وأطر الدعم بالمغرب والتنسيق الوطني الذي يضم أكثر من 20 هيئة تمثيلية وطنية تمثل غالبية فئات الممارسة الوظيفية في القطاع، أحد أهم المداخل التي يمكن النفاذ عبرها لإخراج ملف التعليم بمختلف قضاياه الحارقة من أزمته الخانقة. إن الحوار في هذا الصدد مطلوب بإلحاح، لأن الفريق الحكومي استطاع بعد جولات مسترسلة للحوار كان على حساب الزمن المدرسي والزمن السياسي، أن يقدم مقترحات ايجابية لمذكرات مطلبية تقدمت بها النقابات الأكثر تمثيلية، لكنه لم يأخذ في الحسبان الملف المطلبي الذي اقترحته قواعد الشغيلة التعليمية عبر مختلف الأجهزة التقريرية للتنسيقيات الممثلة لنساء ورجال التعليم . ولأن الهوة في المضامين والأولويات بين الملف المطلبي للتنسيقيات والمذكرات المطلبية للنقابات شاسعة، فإن عرض الفريق الحكومي واقتراحاته صنف من طرف النقابات ايجابيا وجادا؛ بينما اعتبرته قواعد الشغيلة التعليمية المنضوية تحت لواء مختلف التنسيقيات غير مقنع بل غير ذي جدوى، لاسيما وأنه رتب الأولويات في اقتراح المخرجات من الأزمة بشكل حرف المطالب عن المسار الصحيح، حيث دفع بالشق المالي من الحقوق المشروعة دون تسويتها تسوية عادلة ومنصفة، بينما ارجأ النظر في باقي الملفات جوهر القضية برمتها إلى أجل لاحق، وعلى رأسها سحب النظام الأساسي الذي فجر الأزمة منذ بداية هذا الموسم الدراسي 2023-2024.
إن الإصرار على التشبث بالحوار مع طرف فقد كثيرا من الشرعية النضالية الميدانية المستجدة حتى وان احتفظ بالشرعية التاريخية التي لا تستطيع عبرها النقابات وقف الحِراك التعليمي، وصد المسيرات والاحتجاجات والمظاهرات، واسكات صوت الرجال والنساء المطالبة بإسقاط النظام الأساسي؛ والاصرار على اقحام هذا الطرف في هندسة وصياغة البلاغات الصحفية ( البلاغ الصحفي الصادر عن المديرية المكلفة بتدبير التواصل بوزارة التربية الوطنية بتاريخ 30 نونبر 2023 حول البرنامج الوطني للدعم التربوي خلال العطلة البينية الثانية) ومحاضر الاتفاقات ( محضر اتفاق بين الحكومة والنقابات التعليمية الأكثر تمثيلية بقطاع التربية الوطنية- الاجراءات ذات الأثر المالي ليوم الاحد 10 دجنبر 2023)، كل ذلك لن يزيد الأزمة إلا تفاقما، والمظاهرات إلا تأجيجا، والتنسيقيات الا توحيدا ورصا للصفوف، والحلول المرجوة المعجلة بعودة ابنائنا وبناتنا إلى المدراس وقاعات الدرس بعيدة المنال. إن الحوار اذن مع الفاعل الأساس في ساحة النضال ( التنسيق الوطني لقطاع التعليم – والتنسيقية الموحدة لهيئة التدريس وأطر الدعم بالمغرب) هو السبيل الممكن لإخراج القطاع من الأزمة التي يعانيها، ويقطع دابر التداعيات النفسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية المحتملة لأزمة طال أمدها أكثر من اللازم .
واذا كانت قضايا إصلاح التربية والتكوين، وارساء مدرسة الجدودة للجميع، مسألة قائمة على تنويع المقاربات والبداغوجيات المتمركزة حول المتعلم ( التلاميذ والتلميذات)، فكذلك ينغي ان تكون مداخل الحلول الممكنة، مبتكرة ومتنوعة متمركزة حول القضايا الرئيسة لرجال ونساء التعليم ومنها الكرامة والعدالة الاجرية والتقدير والاعتبار والحريات في اطار ممارسة مهنية سليمة محفزة للعطاء، وفضاء تربوي ملائم للممارسة الوظيفية الضامنة لكرامة كل الأطراف: المتعلم والمعلم ومُدَبر العملية التعليمية التعلمية .

الاخبار العاجلة