كلنا راشون أو مرتشون أو رائشون

16 ديسمبر 2013آخر تحديث : الإثنين 24 مايو 2021 - 3:37 مساءً
admintest
كتاب وآراء
كلنا راشون أو مرتشون أو رائشون

من البهتان أو النفاق الاجتماعي أن يدعي أحدنا بأنه لم يمارس يوما ما مهنة الارشاء أو الارتشاء أو حرفة الذي يمشي بينهما، مع استبدال المشي قديما بالهاتف حاليا.
ومن العبث أن يطل علينا أشخاص عبر بعض القنوات أو المنابر الاعلامية لمحاولة اقناعنا بأنهم ضد الرشوة أو لإيهامنا بأنهم لم يلعبوا يوما ما دور أحد أطرافها الملعونين من رب السموات والأرض، مع أن أغلبهم قد يكون وصل الى ما وصل اليه عن طريق أختنا المصونة “الرشوة” .
ومن الكذب أن نتحدث عن احصائيات أو أرقام حول ظاهرة الرشوة في أي بلد من البلدان.
فكلنا راشون أو مرتشون أو رائشون، الا من رحم ربي أو من لم يجد اليها سبيلا. والشاذ لا يقاس عليه.
مهنة الرشوة “الخبيثة” التي مارسناها جميعا وتضامننا معها جميعا، نحن من يغذيها ويقويها لتصير متساوية معنا في حقوق المواطنة ولتتفوق علينا في الواجبات، حيث أنها معفية من الضرائب ومن واجبات الكراء والماء والكهرباء.
واذا كانت الرشوة تعرف سابقا بأنها نــوع من الفساد، يُطلق على دفع شخص أو مؤسسة مالاً أو خدمة من أجل الاستفادة من حق ليس له، أو من أجل أن يعفى من واجب عليه. فاليوم يمكن تعريفها بأنها كل معاملة مادية كانت أم معنوية زائدة نرمي من ورائها الحصول على حقوقنا الطبيعية المجانية أو تمكننا من الاستيلاء على حقوق غيرنا أو تساعدنا على الافلات من العقوبة التي نستحقها بفعل خرقنا للقانون.
فكيف يمكننا أن نعيش بدون رشوة، وكلنا نخرق القانون بدرجات متفاوتة ونكره العقاب، وكلنا نريد الحصول على حقوقنا قبل الاخرين مرفقة بابتسامة عريضة من صاحب الخدمة، وأغلبنا يطمع في حقوق غيره؟!
من يدعي أنه شخص بعيد كل البعد عن هاته الشبح التي تتسلل الينا في كثير من محطات حياتنا، فليبحث في تاريخه، وليفتش في أوراق ماضيه فسيجد حتما ما يؤكد أنه مارس هذه المهنة في لحظة من حياته كرها أو خوفا أو طمعا أو تقربا …… وان لم يفعل ذلك بنفسه فسيجد أبويه قد أفرشا له الطريق ليصل الى ماهو عليه عن طريقها.
فقبل أن يخرج أحدنا الى الوجود، يكون والده قد أدى عنه “القهوة” و”الكاميلة” لاجراء الفحوصات اللازمة عليه في رحم الأم التي تزوجها الوالد طبعا بعدما حصل على شهادة طبية تثبت سلامتها الصحية وعذريتها من طبيب لم يراها أصلا، ويكون قد دفع ورقة خضراء أو زرقاء لممرضة ما كي تكون لطيفة في اخراج الجنين وعدم تركه عرضة للقطط التي تسكن أغلب مستشفياتنا.
وبعد خروج أحدنا الى الدنيا يلجأ الوالد مرة أخرى لسكب كؤوس القهوة عن طيب خاطر أو كرها لأعوان السلطة وموظفي الجماعة لتسجيل الابن في سجل الولادات وكناش الحالة المدنية، بغض النظر عن مدى احترامه للمساطير القانونية.
لن ينتهي الأمر عند ذلك الحد، بل تجد الأسرة تدفع هدايا عينية أو أظرفة مالية أو مأكولات وحلويات للمربية أو المدرس أو المدير كي يتم الاعتناء بالطفل وتبويئه المراتب الأولى في المؤسسات التعليمية عبر تسريب مواد الامتحان أو الرفع من معدل المراقبة المستمرة خاصة في ظل التنافس الشرس هذه الأيام حول المعدلات بالأخص في القطاع الخاص ـ دون أن ننسى طبعا بعض الحالات في القطاع العام ـ والذي صار سوقا مفتوحة تحت شعار: “من يدفع أكثر يحصل على معدلات أكبر”، مع وجود بعض الاستثناءات طبعا.
هذا، وقد يتم تتويج المسار الدراسي للابن بالحصول على مقعد في أحد المعاهد العليا عن طريق هدية ضخمة والظفر بوظيفة محترمة عن طريق نوع من “الدهنة” غالبا ما تكون باهضة الثمن.
الى هنا تنتهي مهمة الأب في الارشاء ليأخذ الابن المشعل سواء كرائش ليرتقي في السلالم والمناصب أو مع شراء أول سيارة حيث يبدأ هو الاخر في سكب كؤوس القهوة ومنح الهدايا بدأ من مراكز الفحص التقني للسيارات مرورا عبر المدارات الحضرية و الطرقات وانتهاء بالادارات والمؤسسات والمحاكم، أو كمرتش لاسترداد ما صرفته الأسرة ورد الدين الذي صار على عاتقه. وان لم يكن لا من هؤلاء ولا من هؤلاء، فقد تجده وسيطا في ذلك لأحد أقاربه أو معارفه ولو لمرة واحدة .
كيف يمكن للمغاربة العيش بدون تلك الأم الحنون التي تصنع المعجزات وتحنو عليهم في الأوقات العصيبة الى درجة صار البعض يحمد الله بكرة وأصيلا على وجودها بيننا واكتسابها الجنسية المغربية وشهادة اقامة أبدية.
انها كائن بلا ملامح، قد صار من السكان الأصليين في البلاد، وأصبح شبحا يتلون ويتوارى. ولو اتحدنا جميعا للبحث عنه لما عثرنا عليه، لأننا منه وهو منا.
انها داء خطير يجري في العروق مجرى الدم، ولا ينفع معها دواء غير استبدالنا بقوم اخر يخاف الله ويقيم حدوده بالعدل ويقيم منهاجا تربويا محكما. أما نحن فأي استفتاء نشارك فيه جميعا بالتصويت السري حول “مع أو ضد الرشوة ” تكون نتيجته: “مع” لأن الأغلبية منا لن تستطيع الاستمرار في أماكنها ومواقعها بدون السيدة المحترمة والمصونة “الرشوة”.
فكلنا مسؤولون.

بقلم: عبد العزيز بوسهماين

الاخبار العاجلة