دمنات: رحيل الأستاذ محمد السليماني أحد صناع مجد مدرسة حي الصناع

26 أكتوبر 2021آخر تحديث : الثلاثاء 26 أكتوبر 2021 - 8:16 صباحًا
admintest
مجتمع
دمنات: رحيل الأستاذ محمد السليماني أحد صناع مجد مدرسة حي الصناع

نصر الله البوعيشي

“وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون (34) كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون” (35) سورة الانبياء

ودعت دمنات اليوم الاحد 24اكتوبر2021 إحدى قامات دمنات التعليمية الباسقة الاستاذ المعلم محمد السليماني الذي خسرت الاسرة التعليمية برحيله واحدا من اهم أساتذة التعليم الابتدائي ومن جيل المربين الأفاضل المؤمنين بالرسالة التربوية العظيمة ، الناكرين للذات ، من ذلك الزمن الجميل ، فارق أستاذنا جميعاً الدنيا ، بعد مسيرة عطاء عريضة ، ومشوار حياة في السلك التعليمي والعمل التربوي ، تاركاً سيرة عطرة ، وذكرى طيبة ، وروحاً نقية ، وميراثاً من القيم والمثل النبيلة . رحل بعد عقود من البدل والتميز ، لقد اعطى الراحل الكثير من علمه ووقته لتلامذته في مجال تدريس اللغة العربية وما يتصل بها من دروس في الدين والاخلاق وتتلمذت على يديه أجيال كان له الفضل بعد الله في تمكنهم من اللغة وقواعدها ومن التعاليم الاسلامية وآدابها .كيف لا ، وهو الحامل لكتاب الله والضليع الحاذق المتمكن في تخصصه .
لقد ترك المرحوم بصمة واضحة في مدرسة حي الصناع التي عمل بها لأكثر من اربعة عقود والتي كان واحدا – ضمن زمرة من زملائه – من صناع مجدها وعلو شانها وذيوع صيتها بما كان يحصده من تخرج على يديه من جوائز قيمة و اعتبارية في امتحان الشهادة ،- وما أدراك ما امتحان الشهادة – على مر وتوالى السنون بفضله وفضل رفيق دربه في البدل والعطاء المرحوم محمد اوسمان
ليس من السهل على تلميذ مثلي ان يتحدث عن قامة من قبيل الاستاذ المعلم المقتدر محمد السليماني الذي نذر حياته لمهنته الشريفة كمدرس وكمدبر وكمرشد تربوي ، . لقد سار في عمله على نهج أسلافه من آل السليماني العلماء والفقهاء وفي طليعتهم جده العلامة ابو الحسن علي بن سليمان البوجمعاوي الدمناتي الذي ولد سنة 1234ه /1819م ، بقرية أيت بوجمعة مهد العلم والعلماء بقبيلة تاودانوست دمنات الذي توفي سنة 1306 هـ / 1888م، ودفن بمراكش والمرحوم محمد السليماني حفيد هذا العلم الكبير من اعلام الفكر المغربي ، و الفقيه والمحدث ،و الصوفي الاديب الذي ألف في جميع فنون المعرفة مصنفات ذات قيمة علمية بلغت حوالي 60 مصنفا طبقت شهرتها المشرق والمغرب .
ولكن عزاؤنا ان مثل هؤلاء الرجال لا يرحلون لأنهم يستمرون فينا ومعنا فعملهم واخلاقهم تبقى حية في الذاكرة التعليمية الى الابد.
لم أحظ بشرف التتلمذ على يد الراحل ، ولكن تشرفت أن كنت واحداً من تلامذة مدرسة حي الصناع التي اضطرتني ظروف خاصة الى الإنتقال اليها من المدرسة المركزية حيث درست مستوى الخامس ابتدائي على يد الاستاذيين المعلمين الكريمين السيدين الزيتوني ولمليح سعيد بالقاعة المجاورة لقاعة المرحومين السليماني وأوسمان، عرفته من خلال تلامذته جادا وصارما وحريصا على التربية قبل التعليم كما هو ديدن معلمي تلك الفترة .
وعندما التحقت بميدان التعليم ، عرفت الفقيد انسانا ، متسامحاً ، راضياً ، قنوعاً ، ملتزماً بدينه وواجباته الدينية . حمل الامانة باخلاص ، واعطى للحياة والناس جهده وخبرته وتجربته وحبه لهم . تمتع بخصال ومزايا حميدة جلها الايمان ودماثة الخلق وحسن المعشر وطيبة القلب ، زاده التواضع احتراماً وتقديراً ومحبة في قلوب التلاميذ والزملاء والاباء وكل من عرفه والتقى به. فهل هناك ثروة يبقيها الانسان بعد موته أكثر من محبة الناس ..؟!
و لم يبالغ شوقي حينما قال :” كاد المعلم ان يكون رسولا : لإدراكه التام لحقيقة الرسالة الانسانية المقدسة الملقاة على عاتقه والمكانة الاجتماعية التي حظي بها كمصلح ومرشد ومؤتمن على فلذات الأكباد .
اعطى محمد السليماني كل ما لديه بلا حدود ، ودون كلل أو ملل ، في مهنة ورسالة هي من أصعب المهن ، وأهم الرسالات ، رسالة العلم والتربية ، بكل ما تحمله في طياتها من المعاني ، التي في صلبها بناء الانسان ، وبناء الوطن ، وبناء المجتمع .
ولكن ما أحوجنا الى إلى ترجمة هذا التعبير عن العرفان والوفاء الكريم لهذا المعلم الكبير الى واقع ملموس باطلاق اسمه على احدى المؤسسات التعليمية بالمنطقة او على مدرسته الاصلية وهو عربون على ما يجب ان يكون عليه تعظيم اسماء الشرفاء من ابناء اسرة التربية والتكوين والاثر الطيب الذي نسجوه في تاريخ التعليم بدمنات هذا الربع المنسي من المغرب غير النافع . وهو نفس الاقتراح الذي تقدمت بها في مقالي في تأبين المرحوم اوسمان رغم انني اعلم ان هؤلاء القوم لا يكرمون المعلمين أحياء فكيف يكرمونهم امواتا . وقد صدق علي الطنطاوي: عندما نصح ابنه قائلا :” لا يا ولدي، لا تحرص على هذه المهنة( يقصد مهنة التعليم) اتركها إن استطعت فهي محنةٌ لا مهنة، هي مماتٌ بطيءٌ لا حياة، إنّ المعلم هو الشّهيد المجهول الذي يعيشُ ويموتُ ولا يدري به أحد، ولا يذكره الناس إلا ليضحكوا على نوادره وحماقاته.”
سي السليماني نم مرتاح البال والضمير ، فقد أديت الامانة وقمت بدورك على أحسن وجه ، والرجال الصادقون أمثالك لا يموتون .
رحمكم الله والعزاء لأهلكم وأصدقائكم وتلامذتكم ومحبيكم وجيرانكم وإلى أسرة التعليم والى مدرسة حي الصناع بتلامذتها ومدرسيها وادارتها.
وعزاؤنا جميعا فيما تركه من نتائج مرضية و سيرة طيبة وأخلاق نبيلة.
وانا لله وانا إليه راجعون.

الاخبار العاجلة