حديث في ليلة خير من ألف شهر

19 أبريل 2023آخر تحديث : الأربعاء 19 أبريل 2023 - 3:36 مساءً
admintest
كتاب وآراء
حديث في ليلة خير من ألف شهر

بقلم: عزيز لعويسي

صورة رئيس الحكومة أثناء الحفل الديني الذي ترأسه جلالة الملك محمد السادس، إحياء لليلة القدر المباركة، بمسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء، أثارت زوبعة من الجدل واللغط وردات أفعال متعددة المستويات على مستوى الواقع والمواقع، تباينت بين التشفي لحالة الرجل وهو في وضعية صحية يصعب معها الركوع والسجود، ومن استغلها فرصة، للتنمر والسخرية والاستهزاء، وبين من ربطهـا بدعوات المواطنين الذين خرجوا إلى الشوارع، احتجاجا على تدهور أوضاعهم المعيشية وقدراتهم الشرائية، مشهرين سيف غضبهم في وجه الحكومة ورئيسها، والبعض الآخر، لم يجد من خيار، سوى التعبير عن مشاعر التضامن والمواساة، مع زعيم الحمامة، والدعاء له بالشفاء العاجل؛

وإذا ما تركنا ردات الأفعال جانبا، فسواء اتفقنا مع رئيس الحكومة أو اختلفنا معه على مستوى تدبير الشأن العام، فنرى حسب تقديرنا، أنه من غير اللائـق دينيا وأخلاقيا وإنسانيا، التشفي في رجل مريض، في ليلة مباركة جعلها الله العلي القدير “خير من ألف شهر”، ومن غير المقبول من ناحية الأخلاق السياسية، أن يتم الركوب على موجة “حالة صحية”، لتصفية الحسابات السياسية مع الخصوم ما ظهر منها وما بطن، في ليلة عظيمة عند الله، يفترض أن تكون ليلة صفاء ونقـاء وطهر وتدبر ومناجاة، بعيـدا عن ممارسات البؤس والوقاحة والانحطاط والتفاهة…

الحاقدون على رئيس الحكومة وصحبه، لا يمكن قطعا، سلبهم الحق في الاحتجاج والرفض والاعتراض أو المطالبة بالرحيل، لكن من باب المسؤولية والالتزام والتبصر، نرى أنه من الصواب أن تتم مراعاة المكان/المسجد والسياق/ليلة القدر المباركة، والاكتفاء بقول كلام خير، أو على الأقل، الاكتفاء بالصمت رأفة ورحمة بالرجل؛

لكن في ذات الآن، من الواجب الإقرار أن أعز ثروة يملكها الإنسان عبر الأزمنة، هي الصحة التي قيل فيها “الصحة تاج فوق رؤوس الأصحاء، لا يراه إلا المرضى”، والإنسان يبقى ضعيفا، مهما علا أو سطع أو ارتقى أو استقوى، والحياة مهما بلغت من الرخاء والثراء، لابد أن تتوقف عقاربها، متى دقت طبول الرحيل، وبما أن الرحيل قدر والموت كأس كل إنسان شاربه، فلا أجمل من رحيل ولا أروع من موت، ختمت شهادته بمداد المحبة الإخلاص والصفاء، وأشرت بخاتم التفاني والنزاهة والاستقامة ونكران الذات والنقاء…

حالة رئيس الحكومة، تسائل حالتنا الصحية والنفسية والسلوكية جميعا مهما تفرقت بنا السبل، وهي تفرض علينا إعادة النظر في علاقاتنا ببعضنا البعض، ومدى قدرتنا على الإنصات إلى بعضنا البعض، ومدى شجاعتنا في خدمة بعضنا البعض، في إطار الوطن الذي يجمعنا بكل اختلافاتنا وتناقضاتنا، هي رسالة مفتوحة موجهة إلى جميع المسؤولين ممن يدبرون الشأن العام في أبعاده الوطنية والجهوية والمحلية، بأن يترجلوا عن صهوة الأنانية والاستعلاء والاستقواء، وينخرطوا بوطنية حقة ومسؤولية ومصداقية والتزام واستقامة، في خدمة الصالح العام، والإسهام في بلوغ مرمى ما نتطلع إليه جميعا كمغاربة، من بناء ورخاء وعزة وكرامة ومساواة وعدالة اجتماعية؛

ونرى حسب تقديرنا، أن السياسي الناجح، ليس هو من يملك الثروة، أو يجيد الضرب تحت الحزام، ولا من يتقن الركوب على موجة “الشعبوية” وضغضغة العواطف، و لا حتى من يتملك القدرة على التحدي والمواجهة، بل هو من ينجح في كسب محبة الجماهير، وينال ثقة البسطاء والغلابى والمقهورين، وينتـزع الدعوات الصالحة، في لحظات المحن والأزمات والمواقف الصعبة، ويكسب التضامن الشعبي في الفترات العسيرة، وهذه المحبة، بدون شك، أكبر ثروة وأحسن غنيمة، يمكن أن يظفر بها، كل من جعل من ركوب السياسة، فرصة لصناعة مجد وطني، لا تبنى رافعاته، إلا بالأخلاق والنبل والمسؤولية والالتزام والإخلاص لثوابت الأمة، وفي جميع الحالات، فكلنا راحلون، وستبقى آثارنا شاهد عصر دالة على صنيعنا، فطوبى لمن رحل، وترك خلفه محبة الناس، وموضع قدم، في تاريخ لايقبل إلا من أحب الوطن وأحبه الناس، أما “العابثون” في جسد الوطن، ففي رحيلهم الأبدي، راحة للوطن؛

من باب الأخلاق والالتزام، نتمنى الشفاء لرئيس الحكومة في حالة ما إذا كان يعاني من مشكلة صحية، ونفس الدعاء نخص به كل المرضى والمعطوبين والمكلومين، الذين يتألمون في صمت، ولا يجدون الدواء، ونأمل أن تكون وعكة الرجل، مناسبة لإعادة ترتيب الأوراق وتغيير المنظور، بما يدفع في اتجاه استرجاع ثقة المواطنين الغاضبين والمتدمرين، وزراعة الأمل، واستثمار كل الطاقات والقدرات والإمكانيات المتاحة، خدمة للوطن، واستجابة لما يتطلع إليه الشعب، من خير وتنمية ورخاء وازدهار وكرامة وعدالة اجتماعية، وعليه، غير مقبول، ما تعرض له الرجل من تنمر واستهزاء وسخرية وتشفي، وهذه الصفات، ليست من شيم المسلم، ولا من أخلاقيات المواطن المسؤول، وبقدر ما ندين هذه الممارسات المرفوضة، بقدر ما نرى فيها رسالة إيجابية لرئيس الحكومة وكل السياسيين، حسن استثمارها، معناه الوصول إلى صندوق الثروة، وأغلى ثروة على الإطـلاق، هي خدمة الوطن بإخلاص ونيل محبة الناس بوفاء، وهذا هو الهدف الأسمى للممارسة السياسية الرصينة، أما الباقي فمجرد بؤس وقدارة وتقليد …

على أمل أن تصل الرسالة لكل من اختار عن طواعية، النزال في حلبة السياسة، ومهما قيل أو ما يمكن أن يقال، فكلنا راحلون والوطن باق، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فهنيئا لمن رحل وقد أخلص لله والوطن والملك …، ولا يمكن أن ندع الفرصة تمر، دون التقدم بأسمى مشاعر المحبة لجلالة الملك محمد السادس أيده الله، متمنين من الله العلي القدير، أن يشمله بموفور الصحة والعافية، وأن يوفقه لما فيه خير لهذا البلد الأمين، الذي نتمناه بلدا آمنا ومطمئنا ومستقرا وبهيا، مهما تربص المتربصون وحسد الحاسدون …

الاخبار العاجلة