حديث “سبع خضاري”

23 فبراير 2023آخر تحديث : الخميس 23 فبراير 2023 - 1:39 مساءً
admintest
كتاب وآراء
حديث “سبع خضاري”

بقلم: عزيز لعويسي

مهما حاولنا فهم السياق الاجتماعي الراهن، أو اجتهدنا في تبرير الارتفاع الصاروخي غير المسبوق في عدد من المواد الاستهلاكية، من خضر وفواكه وزيت ودقيق ولحوم وأسماك، فلن نستطيع دحرجة “كرة” واقع معيشي صعب، بات مقرونا بمشاعر اليأس والغضب والشكوى والإحباط واليأس وانسداد الأفق، في ظل التراجع المخيف في القدرة الشرائية، واشتداد حمى الأسعار.

واقع اجتماعي صعب للغاية، عبرت عنه شرائح واسعة و عريضة من المواطنين الذين خرجوا إلى الشوارع، معبرين بدون “مساحيق تجميل” عما آلت إليه أوضاعهم الاجتماعية والمعيشية من تدهور وانحطاط، جعلهم يقفون على بعد خطوات من الجوع والفقر المدقع والبؤس القاتل، وإذا لم نكن مبالغين، فالبعض منهم بات بين مطرقة الفقر وسنداد الجوع، في غياب الحلول الاستعجالية القادرة على ضبط عقارب الساعة الاجتماعية والمعيشية، على بعد أسابيع قليلة من شهر رمضان الأبرك.

“السلم الاجتماعي” و”الجبهة الوطنية”، و”اتساع دائرة اليأس و فقدان الثقة في السياسة والسياسيين”، و”الرهانات التنموية المرتبطة بالنموذج التنموي” و”التصنيف المخجل للمغرب على مستوى مؤشر التنمية البشرية” و”تحديات الوحدة الترابية”، كلها مبررات مشروعة من ضمن أخرى، تفرض رجالات دولة حقيقيين، يصغون إلى نبض المجتمع، ويستشعرون المخاطر المحتملة لأي انزلاق اجتماعي، في ظل استمرار ناعورة الأسعار في الدوران، وما يواكب ذلك من تراجع مخيف في القدرة الشرائية لشرائح واسعة من المواطنين من ذوي الدخل المتوسط والضعيف.

رجالات دولة مخلصين لله والوطن والملك، يتبارون بروح مواطنة ونكران للذات، في تقديم الحلول الممكنة والمبدعة والمبتكرة، القادرة على تذويب جليد الإحباط وكبح جماح الاحتقان المستشري في عدد من الأوساط الاجتماعية، بما يضمن صون السلم الاجتماعي وتقوية الجبهة الداخلية، وتعزيز الثقة في الدولة والقانون والمؤسسات، وإرساء مناخ داخلي، آمن ومستقر ومتلاحم، يدفع في اتجاه كسب معارك التنمية الشاملة التي بشر بها النموذج التنموي الجديد، ومواصلة حصد النزالات الدبلوماسية ذات الصلة بقضية الوحدة الترابية للمملكة.

وبقدر ما نلح على ضرورة حضور قيم الوطنية الحقة في سلوك صناع القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي…، بقدر ما نلح على ضرورة أن تتوفر الإرادة الكاملة، في التصدي لكل من يعبث بالسلم الاجتماعي والنظام العام، ويضع الوطن على سكة المخاطرة والمجازفة، بسلوكاته اللامسؤولة، وفي هذا الإطار، فإذا كانت الأزمة الاجتماعية ثابتة، فإن للحلول مداخل كثيرة، لعل أبرزها محاربة الريع وكل ممارسات الجشع والفساد والاحتكار، وربط المسؤولية بالمحاسبة، وتفعيل آليات عدم الإفلات من العقاب، والتواصل الفعال مع المواطنين، والابتعاد عن السياسات العمومية الماسة بالقدرة الشرائية والمهددة للسلم الاجتماعي، مع الانفتاح على ما يزخر به الوطن من كفاءات وخبرات، قادرة على تقديم الحلول الممكنة في القطاعات الاستراتيجية، التي من شأنها الدفع في اتجاه الاستقلالية عن الخارج، من قبيل الفلاحة و الصناعة والأدوية و التكنولوجيا والعلوم وغيرها.

في سياق هذا المناخ الاجتماعي المقلق، من الضروري أن نستحضر أن الكثير من الأسر المغربية، اعتادت طيلة عقود من الزمن، على تحضير “كسكس سبع خضاري” كل يوم جمعة، بكل ما لذلك من فوائد غذائية وصحية، ومن تثبيت لدعائم أكلة مغربية باتت مرآة عاكسة لقوة وغنى الطبخ المغربي الضارب في عمق التاريخ، واليوم، وفي ظل ما نعيشه من غلاء كاسح، ومن صعوبات في الولوج إلى الغذاء الصحي، لم تعد هناك من إمكانية للحديث عن “كسكس سبع خضاري” خاصة في الأوساط الاجتماعية من ذوي الدخل المتوسط والمحدود، وحتى إذا حضر هذا الكسكس، فبدون شك، سيكون حضوره حضورا محتشما وباهتا، وربما قد تتخلى الكثير من الأسر من ضحايا جائحة الأسعار، عن الكسكس وعن “سبع خضاري”، وعن الكثير من الخضر والفواكه واللحوم، بعدما وصلت القدرة الشرائية إلى مستويات غير مسبوقة من التراجع والتدهور، في انتظار حلول ناجعة من شأنها ضبط عقارب الساعة الاجتماعية، حتى لا يفيض الكأس ويبلغ السيل الزبى. على أمل أن تحضر قيم المواطنة الحقة والتضحية ونكران الذات، من أجل وطن نتمناه آمنا ومستقرا ومزدهرا وبهيا، ونختم بالقول “حب الأوطان من الإيمان”، ولا إيمان لمن يعيث في أرض الوطن جشعا وطمعا واحتكارا وفسادا وريعا وعبثا …، ولا خير فيمن لا يحركه أنين الوطن في زمن البكاء والشكوى والأنين …على أمل أن يعود “كسكس سبع خضاري” ويعود معه الأمل والبشرى والانفراج …

الاخبار العاجلة