« تمازيرْت » قبلة الأسر السوسية في عيد الأضحى

27 يوليو 2021آخر تحديث : الثلاثاء 27 يوليو 2021 - 11:53 مساءً
أشرف كانسي
سلايدرمجتمع
« تمازيرْت » قبلة الأسر السوسية في عيد الأضحى

لايخل حي أو درب أو زقاق في المدن المغربية الكبرى، كالدار البيضاء والرباط ومراكش وفاس وطنجة ووجدة، بل وحتى كبريات العواصم العالمية كباريس وروما ومدريد، من مغاربة ينحدرون من منطقة سوس، وأغلبهم تجار استثمروا في الأشغال الحرة، كالمحلات التجارية والبقالة والجزارة والخياطة وبيع الملابس، والمقاهي، والمطاعم.

ويبقى الخيط الناظم بين هذه الأسر، هو هجرتها السنوية المعتادة نحو البلد الأصل « تمازيرت »، حيث يفضلون قضاء عيد الأضحى المبارك.

في التقرير التالي يرصد موقع القناة الثانية الظاهرة، أسبابها جذورها وامتداداتها، من خلال عرض تجارب لأبناء دواوير سوس، منهم من يقطن بأوربا، وحل قبل ايام بتمازيرت لقضاء عطلة عبد الأضحى، مع استعراض رأي باحث أكاديمي في الموضوع :

أسياخ من دوار تين منصور باشتوكة

قال محمد أسياخ عامل بإحدى الشركات بمدينة أيت ملول، بأنه يحزم كل سنة أمتعته، ويسافر رفقة أبنائه إلى بلدته تين منصور، بالجماعة الترابية إنشادن إقليم شتوكة أيت بها.

يقول محمد في تصريح لموقع القناة الثانية: « العيد في (تمازريت) فرصة لصلة الرحم، وإعادة الروح للجدور، وللطقوس التي تقام قبل وأثناء وبعد الاحتفال بنحر الأضحية، شجرة أسرتي عمرها قرون، تعود إلى عهد الأدارسة، حلت بعدد من مناطق سوس، قبل أن تنتقل من منطقة إيدوسكا بجبال أيت بها، ويطيب لها المقام بسهل شتوكة، وورثنا عادات وتقاليد عن أجدادنا عمرها يتعدى 250 سنة، وتدل على أصالة وعراقة الإنسان الأمازيغي، من بينها التبرك بجلد الأضحية، حيث تعمد النساء مسح أوجههن به، وكذا وضع قليل من الحناء على جبين الأضحية ».

وأضاف متحدثنا قائلا: « العيد في بلدتنا ليس فقط مناسبة عابرة، بل هو مناسبة للتعرف على الملتحقين الجدد بالأسر، خاصة المواليد والأزواج، ويحضون بترحيب خاص ».

وفي الجانب الاجتماعي يضيف ذات المتحدث : « تعمل جمعية تيفاوت التي أتشرف بتأسيسها، قبل العيد على إدخال الفرحة على الأسر الفقيرة، والتي لاتستطيع توفير أضحية ولوازم العيد، ففي (تين منصور) نحاول أن يتساوى الفقير والغني في ذلك اليوم الأغر، وبعد الصلاة تبدأ الزيارات بدءا بالجيران قبل دخول المنزل، وهذه السنة تم إلغاء صلاة العيد، وتم تعويضها بالصلاة داخل البيت في جو أسري، لزرع روح المحبة والعائلة ».

الصبري من مارسيليا الفرنسية إلى جبال إفني المغربية

فضل محمد الصبري أستاذ اللغة العربية والثقافة المغربية، بمدينة مارسيليا بالجنوب الفرنسي، وفاعل جمعوي باقليم سيدي إفني، حزم حقائبه بمجرد سماعه للقرار الملكي الأخير، بتخفيظ أثمنة الرحلات من وإلى بلدان المهجر، وحل بقريته تيزكي جماعة تيوغزة اقليم سيدي افني، قبل العيد بأيام، وعن أجواء العيبد قال محمد: « تجتمع القبيلة قبل العيد بأيام، حيث يتم جمع أجرة الإمام السنوية (الشرط)، وتجديد العقد معه يكون عرفيا بالدعاء وقراءة الفاتحة أمام الجميع »

وعن أيام العيد يقول متحدتنا: « هذه السنة الاحتفالات والأنشطة المرافقة لعيد الأضحى، تم إلغاؤها بسبب الجائحة، وبالرغم من ذلك، فقد عشنا رفقة العائلة لحظات أنستنا تعب الغربة، وكآبة سنتين من الحجر الصحي ومنع التجوال، وعن سر اختيار تمازيرت دون غيرها لقضاء العيد يقول: « هي عادة وجدت عليها آبائي، وهي اليوم متأصلة في كل من يحمل في داخله حبا للأرض، ويعشق أرض الأجداد، ولايرتاح إلا وهو في أحضان جبال أيت بعمران الأبية ».

الحنفي من دوار إكضي تراوادنت

الحنفي جاير، من مواليد دوار إكضي بجماعة تومليلين، قيادة أيت عبدالله، عمالة تارودانت، بدوره يقضي العيد في البلدة كل سنة، وارتباطه بالمنطقة لايمكن أن يكون موضوع مقارنة بين العيد في المدينة والعيد في أحضان الدوار.

يقول محمد في اتصال هاتفي بموقع القناة الثانية: « العيد مناسبة ينتظرها الجميع لصلة الرحم ، شخصيا أحضر البلدة حيث ولدت كل سنة، أترك وراءي كل مشاغلي وعملي، وبمجرد أن تطأ قدمي تمازيرت أحس بالاطمئنان، هناك فرق كبير بين العيد في المدينة والقرية، هنا تكون التقاليد والعادات حاضرة بقوة، وأهالي بلدتي مايزالون يحافضون على معضمها، بدءا بصلاة العيد في المصلى، وتناول الغذاء جماعة في المسجد، ويختتم اللقاء بجمع مساعدات للإمام ».

بعد الظهر، تجتمع النساء لوحدهن والشباب لوحدهم، وتبقى الفترة مفتوحة حتى حلول ساعات المساء، وتنكسر حرارة النهار، ليبدأ التهييء لرقصة أحواش والتي تمتد لساعات، وهي العادة التي حرمنا فيها هذه السنة بسبب قرار الحكومة الأخير ».

حبيب من أقَّا إيغَانْ إقليم طاطا

كشف عبد العزيز حبيب إطار تربوي، عن الأجواء العامة التي يمر بها عيد الأضحى بمنطقة أقا إيغان إقليم طاطا، وقال في هذا الصدد في تصريح للموقع: « أجواء العيد في إقليم طاطا، تتنوع مابين خلق أنشطة رياضية واجتماعية وثقافية،مع تسجيل طغيان الرياضية أكثر، بحيث نجد في كل دوار بأقا إيغان، دوري بمناسبة عيد الاضحى، والذي ينظم منذ سنة 1993 في اطار جمعية مدنية وأنا مؤسسها، ويعرف مشاركة ست إلى ثمانية فرق ويصل صداه في بعض الأحيان خارج الإقليم، وللأسف تم تأجيله للسنة الثانية على التوالي بسبب الجائحة ».

« لاحظنا هذه السنة قدوم أبناء أقا إيغان العاملين بالمدن والحواضر المغربية، بل وحتى خارج البلاد بكثرة، ومايميز احتفالات عيد الأضحى سنويا، خاصة حينما يكون موافقا لأيام عطلة الصيف، هو تنظيم الأعراس، فمثلا خلال هذا العيد كان مقررا تنظيم أزيد من 20 عرسا، وبالرغم من أنها ستنظم في وقتها وفقا لشروط التدابير الاحترازية، إلا أن الحركية التي كانت تصاحبها من ليالي أحواش حتى ساعات الفجر الأولى، ستكون غائبة ».

أكاديمي يُشرِّح الظاهرة

وعن أسباب الظاهرة ومسبباتها ودواعيها وامتداداتها، قال الباحث خليفة بوطيب الفيلالي، الحاصل على ماستر تاريخ الجنوب المغربي من جامعة ابن زهر بأكادير، بأن أسباب الظاهرة تتنوع، منها اقتصادية، وتتجلى في كون عدد من المواطنين من سوس ودرعة وتافيلالت، يشتغلون في مدن بعيدة عن مجالاتهم القروية، ويستغلون فرصة عيد الاضحى، بعد سنة من الادخار المادي، للالتحاق بأسرهم بالمداشر والقرى وحتى الصحاري، الذين يعيش أغلبهم حالة الكفاف والعفاف، من أجل مساعدتهم ماديا ومعنويا.

ومن الناحية الاجتماعية، يبقى ارتباط المهاجرين بالقبيلة والأرض قويا، فأغلب العمال الذين يشتغلون في المدن الكبرى ينتمون لمجموعة من القبائل السوسية، وبحكم الحنين الى الأرض، فهم يستغلون هذه المناسبة الدينية لتجديد الروابط مع أسرهم وقبائلهم.

ومن الناحية الدينية، يقول بوطيب: « قليل من يعلم بأن للزوايا تأتثير بالارتباط بمنطقة أو قبيلة معينة، ليس في سوس وحدها بل في الجنوب المغربي كافة، فمثلا مريدو الزاوية الدرقاوية وهي الفئة الكثيرة، يستغلون عيد الأضحى لتجديد الصلة بزواياهم، ومعهم الناصريون والتياجنوين ».

الاخبار العاجلة