المجمع الرياضي الأمير مولاي عبدالله.. الذاكرة والتاريخ

3 أكتوبر 2023آخر تحديث : الثلاثاء 3 أكتوبر 2023 - 7:25 صباحًا
admintest
كتاب وآراء
المجمع الرياضي الأمير مولاي عبدالله.. الذاكرة والتاريخ

بقلم: عزيز لعويسي

نيل المغرب لشرف احتضان نهائيات كأس إفريقيا للأمم دورة 2025، وترشحه بمعية إسبانيا والبرتغال، لتنظيم نهائيات كأس العالم دورة 2030، اقتضى الانخراط المبكر في عمليات تأهيل وتطوير الملاعب الرياضية القائمة، كما هو الشأن بالنسبة لملاعب مراكش وأكادير وطنجة وفاس، أو بناء ملاعب جديدة كما هو الشأن بالنسبة لملعب الدار البيضاء الكبير، أو هدم الملاعب القديمة بشكل كلي، وتعويضها بملاعب عصرية تستجيب للمواصفات العالمية، كما هو حال المجمع الرياضي الأمير مولاي عبدالله بالرباط، الذي امتدت عجلات الهدم إلى مدرجاته ومرافقه وملحقاته، في أفق بناء مركب رياضي جديد ؛

وإذا كان من اللازم، التنويه بما تشهده المملكة من نهضة رياضية سواء على مستوى واقع الممارسة الكروية أو على مستوى النهوض بمستوى البنيات الرياضية الكروية، فبالمقابل، لايمكن إلا التعبير عن مشاعر الأسف لما ترتب عن بعض المشاريع الكروية قيد الإنجاز، من آثار وتداعيات على التاريخ الكروي والذاكرة الرياضية، خاصة لما يتعلق الأمر بهدم منشآت كروية يمتد عمرها لعقود من الزمن، كما حدث بالنسبة للمجمع الرياضي الأمير مولاي عبدالله، “الأيقونة الكروية والرياضية” للعاصمة الرباط، العاكسة لجوانب مهمة من تاريخ وذاكرة كرة القدم المغربية، في أبعادها الوطنية والإفريقية والدولية، وفي مستوياتها المرتبطة بمنافسات ألعاب القوى العالمية، باعتبار المركب احتضن لسنوات ملتقى محمد السادس لألعاب القوى، الذي يدخل ضمن منافسات الدوري الماسي؛

المجمع الرياضي الأمير مولاي عبدالله، الذي افتتح رسميا سنة 1983، بات بدون شك – إلى جانب المركب الرياضي محمد الخامس بالدارالبيضاء – “شاهد عصر” على مسارات تطور كرة القدم الوطنية وما حققته من نجاحات وألقاب، وما حصدته من هزائم وخيبات، وتاريخه الذي تجاوز الأربعة عقود من الزمن ، جعله واحدا من المعالم التاريخية البارزة التي تزخر بها الرباط العاصمة، وقرار هدمه وما يرتبط به من مرافق وملحقات ومعالم رياضية، لبناء معلمة كروية جديدة تليق بما ينتظره المغرب من استحقاقات قارية ودولية، وما يتطلع إليه من إشعاع رياضي دولي، شئنا أم أبينا، هو هدم لذاكرة معلمة كروية، لا يستقيم حديث عن تاريخ كرة القدم الوطنية، بمعزل عنها؛

وعليه، فإذا كانت معلمة الرباط الكروية قد استسلمت لقدر الهدم، فلم يعد بالإمكان سوى التساؤل: هل تم إشراك الخبراء وخاصة المؤسسات الوصية على التراث الوطني في قرار الهدم؟ هل تم تقدير تداعيات قرار الهدم على الذاكرة الجمعية الكروية الوطنية؟ هل تم توثيق عمليات الهدم بالصوت والصورة، على الأقل احتراما لذاكرة المعلمة وتوثيقا لآخر صور لها قبل أن تطالها عجلات الجرافات؟ ما مصير التراث الأرشيفي للمعلمة، سواء كان ورقيا أو سمعيا أو بصريا؟ هل تم استطلاع رأي مدير أرشيف المغرب بخصوص وضعية أرشيفات المعلمة ومستقبلها وسبل حفظها وتثمينها؟ أية سلطات للمؤسسة الحاضنة للأرشيف العمومي في حفظ وصون التراث الأرشيفي لمعلمة الرباط؟ وإلى أي مدى تحضر فكرة بناء متحف في إطار مشروع المركب الرياضي الجديد، يخلد لتاريخ المعلمة القديمة ويوثق لذاكرتها الخصبة؟ وإلى أي مستوى تبقى الجهات المعنية مباشرة بالمشروع، مستعدة وجاهزة لائتمان “أرشيف المغرب” على تراث هذه المعلمة، حفظا له من أن تطاله أيادي العبث أو الإتلاف أو السرقة، استحضارا لمشكلة تواضع ثقافة الأرشيف وما يرتبط بها من جدية ومسؤولية؟ وأي دور للجامعة الملكية لكرة القدم والجامعة الملكية لألعاب القوى في إنقاذ ما تبقى من تاريخ وذاكرة المعلمة الرياضية للرباط؟

وفي المجمل، فما قيل عن المجمع الرياضي الأمير مولاي عبدالله بالرباط، قد ينطبق تماما على المركب الرياضي محمد الخامس أو “ستاد دونور ” بالدار البيضاء، الذي سيخضع إلى عمليات تطوير شاملة، ما لم يتعرض بدوره إلى الهدم سواء “جزئيا” أو “كليا”، كما ينطبق على مستشفى ابن سيناء بالرباط، الذي استسلم بدوره لقدر الهدم، في إطار مشروع بناء معلمة استشفائية جديدة، عاكسة لما تشهده العاصمة الرباط، من نهضة تنموية ومن بنيات معمارية عملاقة، وهذا معناه أن الذاكرة الوطنية تعاني في صمت، في وقت يكتفي فيه الفاعلون في التراث “المادي ” و”اللامادي” بالفرجة، ما لم نقل بالصمت المقلق، حيال ما يعيشه هذا التراث من “محنة”، تعمقت بؤرتها بدون شك، عقب الأضرار الجسيمة التي أحدثها زلزال” إيغيل” المرعب، على مستوى عدد من المعالم التاريخية، عبارة عن مساجد وصوامع وأضرحة وزوايا ومدارس عتيقة وأسوار وأبراج ودور سكنية عتيقة وغيرها؛

ونختم المقال بالتساؤل: كيف ننهض ونتقدم دون القسوة على التاريخ والذاكرة؟ وكيف نستشعر المخاطر المتربصة بالذاكرة الجمعية، قبل اتخاذ قرار “الحكم بالإعدام” على معلمة كروية أو سور تاريخي أو مسجد يمتد عمره لقرون من الزمن أو مستشفى عاكس لذاكرة الصحة العمومية…؟ وقبل هذا وذاك، أية مسؤوليات تتحملها المؤسسات الوطنية الراعية للتراث الوطني بكل مستوياته، في المحنة التي يمر منها هذا التراث؟ وأية تدابير استعجالية يمكن اتخاذها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، حفظا لماء وجه تراث وطني، نتحمل جميعا مسؤولية صونه وتثمينه، باعتباره ملكا مشتركا لكل المغاربة؟

ولعشاق الأرقام وهواة الإحصائيات نترك حيزا لاختبار الذاكرة الكروية: ماهي أول مباراة احتضنها المجمع الرياضي الأمير مولاي عبدالله؟ من هو أول لاعب وقع هدفا في الشباك؟ من اللاعب الذي سجل أول وآخر ضربة جزاء؟ ماهي أول وآخر حالة طرد سجلت بالميدان؟ ماهي أول مباراة خاضها المنتخب الوطني لكرة القدم فوق أرضية المجمع الرياضي؟ ماهي أول مباراة خاضها فريق الجيش الملكي فوق أرضية الملعب؟ ماهي آخر مباراة أجريت بالملعب على مستوى البطولة الوطنية وكأس العرش والمنتخب الوطني؟ من هو آخر لاعب سجل بالملعب قبل عملية الهدم؟ وما هي آخر منافسة قارية ودولية أجريت بالملعب؟ من هم نجوم كرة القدم العالمية الذين أجروا مباريات فوق أرضية معلمة الرباط…؟

الاخبار العاجلة