الصحراء في مرآة الأرشيف

17 يوليو 2023آخر تحديث : الإثنين 17 يوليو 2023 - 9:18 صباحًا
admintest
مجتمع
الصحراء في مرآة الأرشيف

بقلم: عزيز لعويسي

نظم مختبر المغرب في أفريقيا التاريخ والذاكرة والمحيط الدولي، بشراكة مع المركز الوطني للبحث العلمي والتقني، ندوة وطنية برحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير، يومي 13 و14 يوليوز الجاري، حول موضوع “الصحراء والأرشيف”، وذلك بحضور باحثين ومتخصصين، ينتمون إلى تخصصات وحقول معرفية مختلفة، حاولوا من خلالها وضع قضية الصحراء المغربية في مرآة الأرشيف؛

ويكتسي موضوع هذه الندوة – التي ميزتها مشاركة وازنة لمؤسسة أرشيف المغرب، ممثلة في المسؤول عن قسم الوثائق والاطلاع، الدكتور خالد عيش – يكتسي طابعا راهنيا، لاعتبارات متعددة الزوايا، مرتبطة في مجملها بما تعرفه قضية الوحدة الترابية للمملكة من زخم دبلوماسي، في ضوء ما حققته الدبلوماسية المغربية منذ واقعة الكركرات، من مكاسب ومواقف داعمة لمغربية الصحراء، في إطار معركة دبلوماسية مفتوحة، تقتضي ليس فقط، تملك ما يلزم من الصبر والحكمة والتبصر والحزم والاستباقية، بل والرهان على كل الوسائل والأدوات المتاحة لحسم نزاع مفتعل طال أمده؛

وسائل وأدوات، لايمكن تصورها بمعزل عن “الأرشيف” الذي لابد أن يكون في صلب اهتمام صناع القرار الدبلوماسي، لأدواره المتعددة المستويات في إثبات مغربية الصحراء، والتصدي الاستباقي لمختلف مناورات وادعاءات وأكاذيب خصوم وأعداء الوحدة الترابية، واقتحام المزيد من القلاع المنيعة للدول التي لازالت تقف في المنطقة الرمادية أو منطقة التردد، أو تتبنى الطرح الانفصالي علانية، فضلا عن تمتين الصلات الدبلوماسية مع الدول الشقيقة والصديقة؛

محورية ومركزية الأرشيف في النهج الدبلوماسي المغربي، بدت بقوة، بمناسبة الزيارة الأخيرة لوزير الشؤون الخارجية ناصر بوريطة لألمانيا، بعدما عرض أمامه القائمون على الدبلوماسية الألمانية، وثائق أرشيفية توثق لعمق العلاقات الدبلوماسية المغربية الألمانية، وهـذا معناه أن الدول المتبصرة، تدرك ماهية الأرشيف وتعي قيمته في كسب ماهو ممكن ومتاح من النقط الدبلوماسية الخادمة للمصالح الاقتصادية والاستراتيجية والداعمة لها؛

ندرك تمام الإدراك أن “الأرشيف” وحده لن يحسم قضية الصحراء، ولكن في ذات الآن، نعي أنه يبقى أداة من الأدوات التي يلزم اعتمادها من طرف الدبلوماسية المغربية، في سياق نزال دبلوماسي مفتوح، يقتضي التوظيف الأمثل لكل الأدوات الممكنة والوسائل المتاحة، ومنها الأرشيف، الذي يستحق النظر إليه وفق منظور جديد، ليكون جبهة داعمة لمساعي ومجهودات الدبلوماسية المغربية، في قضية تعد “أم القضايا” بالنسبة للمغاربة قاطبة؛

ندوة أكادير، معناها أن كل القوى الحية في البلد مطالبة بتحمل مسؤولياتها تجاه قضية الوحدة الترابية للمملكة، في إطار “الدبلوماسية الموازية” التي لابد أن تكون رديفا للدبلوماسية الرسمية وداعما لها، ومعناها أيضا، أن الأرشيف، له أهميته القصوى، في كسب الرهانات ذات الصلة بقضية الوحدة الترابية، ومواكبة التوجهات الاستراتيجية للدولة، وبلوغ مرمى التحديات الاقتصادية والتنموية، استحضارا للأبعاد التاريخية والهوياتية والتراثية والحداثية للتراث الأرشيفي؛

رهان الأكاديميين والباحثين على الأرشيف، للتعريف بقضية المغرب الأولى والترافـع عنها وطنيا ودوليـا، يعد أمرا حميدا، اعتبارا للمسؤولية الفردية والجماعية في صون الوحدة الترابية للمملكة والدفاع عن مصالح الأمة، وهذا الجهد، لابد أن توازيه استراتيجية رسمية في مجال الأرشيف ، دافعة في اتجاه دعم ومؤازرة ما تتحمله الدبلوماسية الرسمية من مهام وأعبــاء، في سبيل حماية الوحدة الترابية للمملكة والدفاع الحازم عن المصالح العليا للوطن وقضاياه المصيرية؛

وفي هذا الإطار ندعو وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، إلى مد جسور التعاون والتنسيق والتشارك، مع الفاعلين في مجال الأرشيف، وخاصة مؤسسة أرشيف المغرب ومديرية الوثائق الملكية، من أجل بلورة “رؤية وطنية مشتركة” تضــع الأرشيف في دائرة الاهتمام المجتمعي، وصلب العمل الدبلوماسي المغربي؛

مع ضرورة الإشارة، إلى أن ملف قضية الصحراء المغربية، لايمكن البتة أن يظل مفتوحا إلى ما لا نهاية، والدبلوماسية المغربية، من الصعب أن تبقى على الدوام، في حرب باردة مفتوحة ضد خصوم وأعداء الوحدة الترابية، بكل ما لذلك من استنزاف للطاقات والقدرات، واليوم، وفي ظل ما تحقق من تراكم ومكاسب دبلوماسية متعددة المستويات في السنوات الأخيرة، بات الرهان الأكبر، هو المرور إلى السرعة القصوى، لطرد الكيان الوهمي بشكل لارجعة فيه، من الاتحاد الإفريقي، والمضي قدما في اتجاه قيادة إفريقيا نحو مستقبل آمن ومزدهر، بوضع إفريقيا الأطلسية على سكة البناء والنماء والازدهار، والدفع في اتجاه إنجاح مشروع أنبوب الغاز نيجيريا المغرب أوربا، والرهان على مشروع الربط القار بين إفريقيا وأوربا عبر المغرب وإسبانيا، إسهاما في بناء فضاء أورومتوسطي وأوروإفريقي، خادم لقضايا الأمن والسلام والتعاون والرخاء؛

وفي المجمل، فالأرشيف لن يكــون إلا وثائق فاقدة الحياة، ما لم يوظف بشكل واعي ومتبصر، في خدمة التوجهات الاستراتيجية للدولة، وصون وحدة الأرض وسلامة التراب، وتقوية اللحمة الوطنية والرفع من جرعات الوعي الجمعي الوطني بمصالح الأمة وقضاياها المصيرية، ومواكبة مسيرة الإصلاح والبناء والنماء، التي يقودها جلالة الملك محمد السادس، بحكمة وتبصر وسداد؛

ومهما قيل أو ما يمكن أن يقال في موضوع “الصحراء والأرشيف”، يبقى المغرب في صحرائه والصحراء في مغربها، مهما حسد الحاسدون وتربص المتربصون وتآمر المتأمرون …، ولا يمكن أن ندع الفرصة تمر، دون الإشارة إلى أن معركة السيادة بكل مستوياتها، تقتضي تعبئة مجتمعية مستدامة، وجبهة داخلية قوية ومتجانسة واستثمار أمثل للطاقات والقدرات الذاتية، وقبل هذا وذاك، تقتضي إرادة لا لبس فيها، في التصدي الحازم لكل ممارسات الفساد والعبث والانحطاط، التي تعرقل عجلات التنمية، وتضيع على المغرب، بلوغ مرمى دولة الحق والمؤسسات والمساواة والإنصاف والعدالة الاجتماعية …

الاخبار العاجلة