خرجة براوي الصادمة والمستفزة!

12 أكتوبر 2023آخر تحديث : الخميس 12 أكتوبر 2023 - 1:40 مساءً
admintest
كتاب وآراء
خرجة براوي الصادمة والمستفزة!

لا أنكر أني كنت واحدا من أشد المعجبين بمقالات جمال براوي الصحفية وإسهاماته الإذاعية في برنامجي “آش واقع” ديكريبتاج” بالإذاعة الوطنية “إم.إف.إم”، لما عرف عنه من كفاءة عالية وقدرة على التحليل والنقاش، حتى أنه اكتسب على إثر ذلك خبرة واسعة وتجربة متفردة في العمل الصحفي والإعلامي، ولاسيما أنه يتميز بفصاحة اللسان والكتابة باللغتين الفرنسية والعربية، فضلا عن أنه يعد من أقدم مناضلي حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وواحدا من أبرز المحللين السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين…
بيد أنه سرعان ما خيب ظني وظن الكثير من المهتمين بالشأن العام عقب ما صدر عنه من إساءة ليس فقط لبعض نساء ورجال التعليم، بل حتى للوزارة الوصية التي احتضنتهم ومهنة الصحافة، خلال إحدى حلقات البرنامج الإذاعي الذائع الصيت “آش واقع”، الذي يفترض أنه برنامج يسلط الضوء على أبرز الأحداث ويلامس هموم المواطنين ويهتم بأهم قضايا المجتمع التي تشغل بالهم، لكنه لم يلبث أن حوله بوعي أو بدونه إلى منصة لإرسال قذائفه الحارقة في اتجاه مربيي الأجيال، حيث أنه وفي معرض رده على سؤال المذيعة حول إضراب الأساتذة الرافضين للنظام الأساسي الجديد، أبى إلا أن ينعت أطر الأكاديميات أو الأساتذة “المتعاقدين” بالمرتزقة ويشكك في قدراتهم المعرفية والبيداغوجية، معتبرا أنهم ليسوا سوى جماعات من الفاشلين، الذين “سقطوا سهوا” على ميدان التربية والتعليم بعد أن لم يتوفقوا في اجتياز عدد من المباريات لولوج قطاعات أخرى.
وجدير بالذكر أن نساء ورجا التعليم يخوضون هذه الأيام معركة ضارية مع وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، انطلقت شرارتها الأولى بعد مصادقة الحكومة يوم الأربعاء 27 شتنبر 2023 على المرسوم رقم 819.23.2 المتعلق بالنظام الأساسي الجديد الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية، الذي على عكس ما يدعي الوزير الوصي على القطاع شكيب بنموسى من أنه تم وفق مقاربة تشاركية مع النقابات التعليمية الأكثر تمثيلية، وأنه يندرج في إطار تنفيذ أحكام القانون الإطار17.15 المرتبط بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، وفي سياق تفعيل التوجهات الواردة في النموذج التنموي الجديد، الذي دعا إلى تحقيق نهضة تربوية حقيقية عبر الاستثمار في تكوين وتحفيز المدرسين، وجعلهم ضامنا أساسيا لنجاح تعلمات التلميذات والتلاميذ، والادعاء بأن الحكومة تسعى إلى رد الاعتبار لمهنة التدريس وغير ذلك من الافتراءات.
فإن الشغيلة التعليمة بمختلف فئاتها وأطرها ترى بأن نظام بنموسى جاء محبطا ومخيبا لآمالها، باعتباره نظاما تراجعيا وإقصائيا ومجحفا، ولا يستجيب لأي مطلب من المطالب المشروعة لكافة الهيئات التعليمية سواء منها المزاولة أو المحالة على المعاش، حيث عمل على حرمان الكثيرين من حقوقهم ولاسيما فيما يرتبط بالترقية والتعويضات عن المهام، والتمييز بين الفئات وخلق مهام جديدة وغريبة وأخرى مبهمة وفضفاضة، في الوقت الذي ظل فيه هؤلاء ينتظرون على مدى سنتين أن يأتيهم النظام الأساسي الجديد بإصلاحات كبرى حقيقية تساهم في إعادة بناء المدرسة الوطنية والنهوض بأوضاعهم المادية والمهنية والمعنوية والاجتماعية، بدل الانصياع لإملاءات البنك الدولي والمؤسسات المالية الدائنة.
ويحز في النفس كثيرا أنه في الوقت الذي كانت فيه الشغيلة التعليمية تنتظر أن تتفهم الأسر المغربية والقوى الحية في البلاد من فعاليات المجتمع المدني والنخب السياسية والإعلامية والمنظمات الحقوقية حجم الضرر الذي لحق بها، وتنتظر من هؤلاء جميعا أن يتفاعلوا مع مطالبها المشروعة ودعم ملف التنسيقيات التعليمية الوطنية التي دعت إلى تلك السلسلة من الإضرابات الرامية إلى مراجعة أو إسقاط النظام الأساسي المشؤوم، يخرج عليها جمال براوي في برنامج إذاعي بتلك التصريحات الاستفزازية المثيرة وغير المحسوبة العواقب، التي من شأنها تأجيج نيران الغضب وإثارة الفتنة في المجتمع…
لذلك لم تستطع مجموعة من الأساتذة أن تستسيغ ما أقدم عليه الصحفي جمال براوي الذي أضر من حيث لا يدري بمهنته قبل أن يضر بمن سهروا يوما على تعليمه من نساء ورجال التعليم والمنظومة التعليمية والوزارة الوصية. ولم يجدوا أمامهم من وسيلة للرد عليه وإيقافه عند حده سوى تداول شريط صوتي مسجل على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، التي عجت بعديد التعليقات والتدوينات المنددة بهكذا أسلوب متهور، واللجوء إلى الموقع الرسمي للهيئة العليا للاتصال السمعي البصري “هاكا”، والتوجه أيضا إلى السلطات القضائية من أجل تقديم شكاية ضد المعني بالأمر، رافضين أن ينعتهم أي كان ومهما كان موقعه بتلك الأوصاف القدحية، التي تحط من كرامتهم وتحد من عطاءاتهم المثمرة…
إننا لا نعتقد أن جمال براوي بحاجة إلى من يلقنه دروسا في أخلاقيات المهنة، بقدر ما هو مطالب بتقديم اعتذار لمن وصفهم بالمرتزقة. إذ لا يمكن أن نصادر حقه في إبداء الرأي حول مجموعة من القضايا الوطنية وانتقاد ما يراه غير ذي جدوى، أو من شأنه أن يضر بالمجتمع ويسيء إلى سمعة المغرب في مثل هذه الظروف التي تسلط فيها الأضواء عليه من كل حدب وصوب. بيد أنه ليس من حقه الإساءة إلى المواطنين والمس بكرامتهم، وخاصة عندما يتعلق الأمر بنساء ورجال التعليم الذين ما انفكوا يقدمون التضحيات الجسام والخدمات الجليلة بحس وطني صادق وروح المسؤولية ونكران الذات، في سبيل النهوض بمستوى تلامذتهم ورفعة الوطن.
اسماعيل الحلوتي

الاخبار العاجلة