حكومة “الرقمنة”

22 أبريل 2023آخر تحديث : السبت 22 أبريل 2023 - 1:01 صباحًا
admintest
كتاب وآراء
حكومة “الرقمنة”

الدكتور رضوان زهرو

كثيرا ما أسمع ، وباستغراب شديد، بعض المسؤولين الحكوميين وهم يتحدثون عن الرقمنة، وكأنها الحل السحري لكل القضايا و المشكلات المرتبطة بقطاعاتهم، علما بأن هناك قطاع وزاري من المفروض أنه عرضاني يهم كل القطاعات، و من مهامه الأساسية، تحقيق الانتقال الرقمي لبلادنا:
فالبطالة، حلها في الرقمنة؛
تحقيق المساواة ببن الجنسين، والتمكين الاقتصادي للمرأة، والعنف ضد النساء، وزواج القاصرات والنهوض بأوضاع الطفولة والمسنين والمعاقين: كلها تمر عبر الرقمنة؛
بالنسبة للتضخم وغلاء المعيشة، الحل يجب ألا يبحث عنه بعيدا عن الرقمنة، تطوير الاقتصاد والرفع من وتيرة الاستثمار وتحسين التنافسية وتجويد مناخ الأعمال… يتحقق كل ذلك بالرقمنة؛
النهوض بالثقافة وبالفن لن يتم إلا من خلال الرقمنة،
إصلاح الصحة، بالرقمنة،
إصلاح الإدارة، بالرقمنة.
إصلاح منظومة العدالة بالرقمنة،
أما إصلاح منظومة التربية والتكوين، وخاصة قطاع التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار … فبالنسبة للسيد الوزير المحترم الوصي على القطاع ، الإصلاح المرتقب – الذي يطلق عليه السيد الوزير “المخطط الوطني لتسريــع (ولست أدري لماذا التسريع؛ فقطاع حيوي كالتعليم العالي يتطلب التؤدة وعدم التسرع والارتجالية ) تـحــــول منظومة التعليم العـالـي والبحث العلمي والابتكار ، من أجل إرساء دينامية جديدة كفيلة بالرفع من جودة ونجاعة منظومة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار وجعلها دعامة لتسريع وتيرة التنمية في بلادنا” (الاصلاح المرتقب بالنسبة إليه) لايمكن أن يتم إلا عبر الرقمنة، ولا شيء آخر غير الرقمنة، حيث ستعتمد الوزارة – حسب توجيهات السيد الوزير إلى رؤساء الجامعات – لأجل الدخول الجامعي المقبل، فقط المسالك التي تدور حول تخصص واحد ووحيد: هو الرقمنة، لا شيء سوى الرقمنة، باعتبارها حسب الوزارة الوصية، إحدى الأولويات الوطنية؛ فهي مفتاح كل تقدم و رافعة كل نمو وتنمية.
تصوروا معي عندما تقترح كل المؤسسات الجامعية، على اختلاف حقولها المعرفية، وعبر كل جهات المملكة، نفس المسالك ، بقاسم مشترك هو الرقمنة؛ ألا يكون هذا هو العبث بعينه وعدم المسؤولية!
ثم ما هي هذه الأولويات الوطنية التي يتحدثون عنها اليوم، والتي يريد بل ويلح السيد الوزير، أن نخضع لها كل مسالكنا البيداغوجية من دون استثناء؟ من سطر هذه الأولويات؟ من صنفها؟ من صادق عليها؟ أين توجد؟ من يعرفها ويعرف حقيقة أهميتها ، اليوم وغدا، ناهيك عن المستقبل؟
هل نرهن تعليمنا العالي كله لقناعة وزير، مجرد وزير عابر، وصي مؤقتا على قطاع ذو أهمية حيوية واستراتيجية بالغة؛ وزير ذاهب لا محالة بعد مدة؟

الرقمنة يا سادة، وسيلة عمل، آلية مساعدة، ليس إلا! نحن بحاجة إلى أهداف استراتيجية، إلى سياسات عمومية ناجعة، إلى إجراءات تدبيرية عملية وملموسة تنهض حقيقة بالتعليم العالي والبحث العلمي.
ثم ماذا عن باقي التخصصات الأخرى، في الفكر واللغة والآداب والقانون والسياسة والاقتصاد والتدبير والعلوم …؟ ما مصيرها؟
هل ستختفي كلية، ليحل محلها الوافد البيداغوجي والعلمي الجديد: الرقمنة؟

إن للجامعة يا سادة، خصوصيتها وأحوالها، ورهاناتها وتحدياتها، وقوانينها وأنظمتها وهياكلها ومؤسساتها وبرامجها ومناهجها…

إن أي حكومة ناجحة يجب أن تتوفر على برنامج شامل ومتكامل، من خلال التشاركية، وباختيارات وبرامج دقيقة وتوجهات استراتيجية محددة. لذلك، الأمر يتطلب الكثير من الخبرة والكفاءة والتأهيل؛ وهو ما أكده، وبصريح العبارة، خطاب ملكي بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثالثة من الولاية التشريعية التاسعة بتاريخ 11 أكتوبر 2013، حينما اعتبر بأن ” المجالس الجماعية هي المسؤولة عن تدبير الخدمات الأساسية التي يحتاجها المواطن كل يوم، أما الحكومة، فتقوم بوضع السياسات العمومية والمخططات القطاعية وتعمل على تطبيقيها”. وجاء خطاب المسيرة ل 6 نونبر 2016 ليكرس هذا المعنى بكل صراحة ووضوح، عندما أكد جلالة الملك على ضرورة أن تكون الحكومة ” مؤهلة في تخصصات قطاعية محددة”، على أساس الكفاءة والتخصص والتأهيل، وليس على أي شيء آخر، وذلك ضمانا لتنمية الدولة وتقدمها واستقرارها واستمرارها.

وانطلاقا من ذلك. يجب على الوزير، أي وزير، أن يملك أولا، الإيمان بنبل الرسالة وثقل المسؤولية؛ بعيدا عن الديماغوحيا والإملاءات الخارجية، و القناعات الفردية خاصة إدا كانت مؤدلجة، وأن يكون مستعدا في أي وقت من الأوقات، لتقديم المصلحة العامة على مصلحته الشخصية؛ من دون عجرفة أو تعال أومحاولة لفرض الأمر الواقع؛ بذلك وحده يستطيع التعامل بكل استقلالية مع التطورات ومسايرة المتغيرات بكل سلاسة؛ فالوزير ليس منصبا عاديا، هو منصب سامي خطير جدا، له تأثير مباشر على الاقتصاد و على المجتمع، بل و على الدولة بأكملها، لأن له مهام وصلاحيات كبيرة واستراتيجية، من قبيل “… تنفيذ البرنامج الحكومي و ضمان تنفيذ القوانين. والإدارة موضوعة تحت تصرفه، كما يمارس الإشراف والوصاية على المؤسسات والمقاولات العمومية” (الفصل 89).

إذن دعوة جلالة الملك صريحة كي تتوفر الحكومة، أي حكومة، على كفاءات وطنية حقيقية، بمواصفات دقيقة، ومؤهلات استثنائية، حتى لا نجد أنفسنا كما هو الحال اليوم، أمام حكومة ضعيفة وغير مؤهلة، بوزراء معظمهم غير متخصصين، ولا يتوفرون على الصفات والسمات والمؤهلات الدقيقة والمطلوبة لتقلد مهنة جسيمة وثقيلة وكبيرة؛ وهي “مهنة وزير”.

إننا بحاجة اليوم، وتجنبا لأخطاء الماضي، وما أكثرها، إلى حكومة قوية وقادرة على الإنجاز، متفاعلة بالسرعة والنجاة المطلوبين، مع انتظارات الناس ومطالبهم وقضاياهم ومشاكلهم؛ حكومة، لا تختزل الحلول لمشاكل البلاد في رفع الشعارات وتقف عندها من دون معرفة مغزاها، ومن دون اتخاذ أي إجراء ملموس أو رسم أي خطة واضحة في سبيل تحويلها إلى سياسات عمومية و إجراءات وتدابير ملموسة؛ حكومة تقول وتفعل، تعد وتنفذ.

إن الحكومة؛ أي حكومة هي في الواقع مجرد وسيلة وآلية للعمل؛ وهي تكليف ومسؤولية، وليست شرفا أو ترفا أو مجدا؛ وهي قبل كل شيء عبء ثقيل وأمانة عظيمة.

الاخبار العاجلة