برنامج محو الأمية بالمساجد .. مفخرة من منجزات الملك محمد السادس

21 أغسطس 2023آخر تحديث : الإثنين 21 أغسطس 2023 - 8:18 صباحًا
admintest
كتاب وآراء
برنامج محو الأمية بالمساجد .. مفخرة من منجزات الملك محمد السادس

بقلم: عزيز لعويسي

يحتفي الشعب المغاربة قاطبة، بالذكرى السبعين لثورة الملك والشعب، والذكرى الستين لميلاد صاحب الجلالة الملك محمد السادس، وإذا كانت اللحظة، تقتضي التقدم بخالص التهاني وأطيب الأماني لقائد الأمة ومهندس بنائها وتنميتها، فهي تقتضي أيضا، استحضار ما تحقق في عهد جلالته، منذ جلوسه على عرش أسلافه الميامين، من مفاخر ومنجزات اقتصادية وتنموية، ومن نجاحات ومكاسب دبلوماسية وإشعاعية، وضعت المغرب على سكة القوى الإقليمية الصاعدة؛

“برنامج محو الأمية بالمساجد” الذي تشرف عليه وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، كان واحدا من المبادرات والأوراش التنموية الأولى، التي فتحها جلالته منذ جلوسه على العرش، إيمانا منه بجدوى التصدي لمعضلة الأمية في أوساط الكبار، وبأهمية الرهان على تعليم وتكوين وتأهيل العنصر البشري، ليس فقط باعتباره هدفا للتنمية وغاية لها، بل وليكون في صلب مسيرة الإصلاح والإقلاع التنموي الشامل، والبرنامج ومنذ أن تحركت عجلاته الأولى، عقب الخطاب الملكي السامي بمناسبة الذكرى 47 لثورة الملك والشعب في 20 غشت 2000، حقق من الأهداف، ما ساعد ليس فقط، على محو الأمية الأبجدية والدينية والوطنية والصحية في أوساط شرائح واسعة من المواطنات والمواطنين الذين لم يتمدرسوا أو الذين انقطعوا عن التمدرس في سن مبكر، بل وتمكينهن/م من الكثير من المهارات الحياتية الدافعة نحو تطوير الذات وتنمية الواقع السوسيومجالي؛

وبلغة الأرقام والمعطيات، فقد”عرفت أعداد المسجلين في برنامج محو الأمية بالمساجد تزايدا مضطردا، حيث انتقل من حوالي 10000 مسجل عند انطلاق البرنامج في الموسم 2000 – 2001 إلى 302699 في الموسم 2016 – 2017 بمعدل تزايد ب 22.18% سنوي”، وبلغ ” عدد المساجد التي احتضنت البرنامج برسم الموسم الدراسي 2020/2021 6677 مسجدا”، وقد سجلت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، تسجيل ما مجموعه 7982 مجموعة دراسية، برسم الموسم الدراسي 2021/2022، واستهدفت خلال نفس الموسم الدراسي، ضمن مخططها التنفيذي “تسجيل 300.000 مستفيد، وتمكنت من تسجيل 283.758 مستفيدا بنسبة إنجاز بلغت 94,59 %. وتمثل نسبة الإناث منهم %90,92، وبلغت نسبة المسجلين في الوسط القروي %45,36″، وتهدف من خلال مشروع 1000 نقطة قارئة إلى “تحرير ساكنة 1000 نقطة جغرافية سنويا (مجال – قرية – دوار – قصبة -مدشر- قصر- حي – شارع – زنقة…) قروية أو حضرية، من الجهل بالقراءة والكتابة، وتعزيز إشعاع البرنامج وطنيا عبر سياسة التمشيط الجغرافي الممنهج، وكذا الارتقاء بحكامة الاستهداف بالبرنامج وأخيرا بالمساهمة في جهود التنمية القروي”؛

هي أرقام ومعطيات من ضمن أخرى وردت على سبيل المثال لا الحصر، لايمكن إلا أن نستحضر آثارها المتعددة الزوايا على حياة المستفيدات والمستفيدين، وخاصة على مستوى تحسين المؤشرات المرتبطة بالتنمية البشرية والاجتماعية والمجالية، وحتى لا نكون مقصرين أو نبخس الناس أشياءها، من اللازم الإقرار أن ما حققه ويحققه البرنامج من أهداف ونتائج، تحمل ويتحمل وزره وأعباءه “جنود خفاء” من المؤطرات والمؤطرين، يفتحون قلاع الظلام و الجهل بإصرار وعزيمة، وينشرون رسائل النور والأمل والحياة بثقة وتضحية وصبر ونكران للذات، إسهاما منهن/م، في مسيرة التنمية البشرية التي يقودها جلالة الملك محمد السادس بتبصر وسداد؛

وتقديرا لمهامهم المواطنة الجسيمة، كان يفترض أن يحاط هؤلاء الجنود، بمناخ مهني لائق، تتوفر فيه شروط الدعم والتحفيز ومستلزمات الاستقرار النفسي والمادي والاجتماعي، انسجاما والعناية الملكية السامية بهذا البرنامج الاستراتيجي، لكن الواقع يختلف تماما، استحضارا لما يعانونه من هشاشة وإقصاء، سواء تعلق الأمر بهشاشة عقود الشغل التي تربطهم بالجهة المشغلة، أو بهزالة ما يتلقونه من تعويضات مخجلة، أو بسيف التسريح أو الاستغناء الملقى على رقابهم، في ظل غياب إطار قانوني يؤطر عملهم ومهامهم، أو بتوقف ما يتلقونه من تعويضات نهاية كل موسم دراسي، أو بابتعادهم عن دائرة الحماية الاجتماعية وما يرتبط بها من تغطية صحية وتعويضات عائلية وتقاعد، بما في ذلك، حرمانهم من الانخراط في أي إطار نقابي، يرافع عن قضاياهم ومشاكلهم وانتظاراتهم، وبدون شك، ستزداد بؤرة الأسف والحسرة اتساعا، إذا ما استحضرنا أن البرنامج، وفي ظل معضلة البطالة وانسداد أفق التشغيل، بات يستقبل خريجي الجامعات من حاملي الإجازة والماستر، الذين يستثمرون كفاياتهم المعرفية والمنهجية والتواصلية، في تنزيل وأجرأة ما يتأسس عليه البرنامج من أهداف ومقاصد ومخططات واستراتيجيات؛ وهذا معناه أن واضعي البرنامج والساهرين عليه، اهتموا بالوثائق التربوية، ولم يهتموا بمن يحركها ويحيطها بالمشاعر ويمنحها الحياة؛

الموسم الدراسي المقبل، سيكون بدون شك، معمقا لبؤرة التوجس والقلق والترقب في أوساط هؤلاء المؤطرات والمؤطرين، بعدما أنهت الوزارة الوصية على القطاع، إلى عموم المواطنات والمواطنين، أنها فتحت التسجيل ببرنامج محو الأمية بالمساجد إلى غاية 29 شتنبر المقبل، وقد طالبت في إعلانها المنشور بموقعها الرسمي، الراغبين والراغبات في الاستفادة من دروس محو الأمية المبرمجة بالمستويين الأول والثاني بالبرنامج، إما التوجه إلى أحد المساجد التي يرغبون التسجيل بها، أو التوجه إلى مندوبية الشؤون الإسلامية القريبة من سكناهم، مصحوبين بالوثائق الضرورية (نسخة من البطاقة الوطنية للتعريف أو نسخة من عقد الازدياد، صورة شمسية حديثة، نسخة من شهادة النجاح في المستوى الأول بالنسبة للراغبين في التسجيل في المستوى الثاني؛)، التي تسلم إلى الإمام أو المؤذن إذا كان التسجيل سيتم بالمساجد، أو إلى المكلف بتدبير ملف محو الأمية بالمساجد إذا كان التسجيل سيتم بمقر المندوبية؛ كما يمكن للراغبات والراغبين في الانخراط في دروس البرنامج، التسجيل عبر المنصة الإلكترونية التي أعدتها الوزارة لهذه الغاية؛

توجس وقلق وترقب هؤلاء، له ما يبرره من الناحية الواقعية على الأقل، بعدما ظلوا منذ انطلاق دروس البرنامج، يتحملون مسؤولية الحملة التواصلية المباشرة مع المستفيدات والمستفيدين في بداية كل موسم دراسي، من أجل دفعهن/م الى التسجيل بالبرنامج، بكل ما تحمله هذه العملية من متاعب وأعباء على مستوى البحث والتواصل والإقناع والتشجيع والتحبيب والترغيب، والبعض رأى في هذا “المستجد” غير المسبوق، إقصاء للمؤطرات والمؤطرين من عملية سنوية، راكموا من خلالها الكثير من الخبرات والتجارب على مستوى التواصل الميداني مع المستفيدات والمستفيدين وطرق إقناعهم وترغيبهم في الإقبال على دروس البرنامج، والبعض الآخر رأى فيه، توجها غير معلن، قد يروم الاستغناء عن خدمات الكثير من المؤطرات والمؤطرين، الذين وجدوا في البرنامج منذ انطلاقته، فرصة عمل ومورد رزق على قلته، يحفظ ماء الوجه، في ظل معضلة البطالة وانسداد أفق التشغيل، والبعض الثالث، اعتبر أن فتح قنوات جديدة للتسجيل (الإمام أو المؤذن، المكلف بتدبير ملف محو الأمية بالمساجد بمقر المندوبية، التسجيل عبر المنصة الإلكترونية التي أعدتها الوزارة لهذه الغاية)، بدل القنوات الاعتيادية (المؤطرات والمؤطرون)، هو إجراء “غير قابل للتطبيق” على مستوى الواقع، أو على الأقل، ستصادفه مجموعة من الصعوبات الواقعية والإكراهات العملية، اعتبارا للصعوبات والمتاعب التي تصادف عادة المؤطرات والمؤطرين، لما ينزلون إلى الميدان ويتواصلون بشكل مباشر مع المواطنات والمواطنين لدفعهن/م إلى الانخراط في دروس البرنامج، في ظل بنية “سوسيواقتصادية” و”ثقافية”، تجعل من “الميدان” و”التواصل المباشر مع الساكنة”، الخيار الأنسب والناجع، مقارنة مع قنوات التسجيل الجديدة، مما قد يؤثر حسب هذا الرأي، سلبا على مستقبل البرنامج وعلى الأهداف التي تحكمت في إطلاقه؛

وإذا كان من الصعب لأوانه، الخوض في تفاصيل هذا “المستجد” والنبش في حفريات الدافع أو الدوافع التي تحكمت في اتخاذه، فما هو ثابت ومؤكد، أن المتدخلين في البرنامج وفي طليعتهم “المؤطرات” و”المؤطرون”، يفترشون “الهشاشة” ويلتحفون “التواضع”، ويشتغلون وهم مكرهين في ذلك، بدون هوية “قانونية” و”تنظيمية” واضحة تحميهم وتأويهم، وهذا الوضع “المهني” غير اللائق، لم يعد مقبولا الاستمرار فيه، ولا ممكنا التطبيع معه، وذلك لاعتبارات مختلفة منها: المرجعية السامية التي تؤطر البرنامج”، و”العناية البالغة التي يوليها صاحب الجلالة الملك محمد السادس للبرنامج منذ انطلاقته”، و “المهام الجليلة التي يتحملها “المؤطرات” و”المؤطرون” في سبيل محاربة ظلام الأمية، ونشر رسالة النور والأمل والحياة، بشكل يجعل منهن/م مساهمين حقيقيين في معركة التنمية”، و “ما تعرفه المملكة من مسيرة تنموية رائدة، ومن ثورة ملكية اجتماعية غير مسبوقة، تروم وضع المغاربة قاطبة في صلب مشروع الحماية الاجتماعية، الذي لابد أن يطال جميع المواطنات والمواطنين على قدم المساواة”، فضلا عن “حالة الهشاشة ما لم نقل الفقر، التي تعيشها هذه “الشغيلة”، في ظل السياق الاجتماعي والاقتصادي الصعب؛

وإذا لبسنا بذلة القاضي أو المحامي للدفاع عن جنود برنامج محو الأمية بالمساجد، فلأنهم كغيرهم ممن يحمل رسالة التعليم، جنود لا يقلون أهمية عن الجنود الساهرين على حماية الحدود، لأنه يحاربون “العدو الصامت” الذي يعيق الوطن (الأمية، الجهل)، ويحرمه من بلوغ مرمى التنمية الشاملة، وأقل ما يستحقون، التفاتة حقيقية، تخلصهم من أغلال “هشاشة طال أمدها”، وتمكينهم من إطار قانوني وتنظيمي حافظ للكرامة، يضمن ما يتطلعون إليه، من استقرار مادي ونفسي واجتماعي، لأن من ورائهم أسر وأبناء وأعباء، وفي المجمل، أية التفاتة تشمل هذه الشغيلة المكافحة والمناضلة في صمت، لن تكون إلا اعترافا بما تسديه للوطن وللمجتمع من خدمات نبيلة ومهام جليلة، ومواكبة لما تشهده منظومة التربية والتكوين بكل مستوياتها، من دينامية إصلاحية غير مسبوقة، وقبل هذا وذاك، تثمينا وتقديرا لبرنامج تنموي رائد، يعد مفخرة من منجزات جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده.

الاخبار العاجلة