النظام الأساسي وإشكالية التعليم الأولي

19 ديسمبر 2023آخر تحديث : الثلاثاء 19 ديسمبر 2023 - 7:02 مساءً
admintest
كتاب وآراء
عبد الواحد البياز

بقلم: د. عبد الواحد البياز*

لقد أضحى النظام الأساسي لقطاع التربية الوطنية مادة دسمة للنقد والتحليل من قبل المهتمين بقضايا التربية والتكوين و هو ما يصب بشكل إيجابي في مسلسل “تجويد” هذا المولود الذي لازال يصارع من أجل الخروج للعلن و اكتساب التأييد و ذلك بعد أن تم تجميده على حد تعبير القائمين على القطاع. من هذا المنطلق و من واجب البحث العلمي و النقد البناء تأتي هذه المقالة لتتطرق لنقطة من بين مجموعة من النقط التي تهم تجويد هذا المشروع و تتعلق بمكانة التعليم الأولي ضمن النسق العام لنظام التربية و التكوين من منظور النظام الأساسي الخاص بقطاع التربية الوطنية.
و للإشارة فقد تم اعتبار التعليم الأولي من منظور الرؤية الاستراتيجية و كذا الميثاق الوطني للتربية و التكوين أساسا حقيقيا في عملية إصلاح النظام التربوي. كما كرس تقرير البرنامج الحكومي حيزا مهما من فقراته لهذا الشأن. فمن جهته أكد الميثاق على ضرورة العناية بالطفولة المبكرة من خلال إلزامية التحاق الأطفال الذين اكتملوا سن الرابعة بالتعليم الأولي، بهدف تمكينهم خلال عامين من اكتساب المهارات الحسية الحركية و التعبيرية و اكتساب القيم و الاستئناس باللغة باعتماد الأنشطة المتنوعة. إلا أنه و بالرغم من الأهمية التي ما فتأت توليها الوزارة الوصية لهذا التعليم من خلال الدعوات الرسمية الرامية لإلزاميته و تعميمه إلا أن التكوين الأساسي و المستمر للفاعلين بهذا القطاع الحساس لم يحض بأي حيز ضمن مواد هذا النظام الأساسي. فبغض النظر عما إذا كان الأمر متعلقا ببعض أساتذة التعليم الابتدائي الذين أنيط بهم القيام بهذه المهمة، إلا أن هذه الفئة من الأطر هي التي تشكل الأرضية الحقيقية لإصلاح الهرم التعليمي و التي تلقى على عاتقها تنمية قدرات الأطفال و تكييفهم مع بيئة المدرسة و مساعدتهم على اكتساب القيم و المبادئ الأولية التي تشكل عماد نظام التربية و التكوين.
و بالحديث عن هذا البناء المسمى بمنظومة التربية و التكوين لا بد من الإشارة إلى أن أي بناء متين يستدعي اعتماد أساس قوي يضمن استقرار الهيكل و يحول دون تضرره جراء الارتجاجات العرضية و التأثيرات الخارجية. لذلك كان من الضروري، من وجهة نضر علمية أكاديمية، الإشارة إلى ضرورة إدراج التعليم الأولي و كذا الأطر العاملة به ضمن فقرات النظام الأساسي الجديد بالنظر للدور المحوري الذي يلعبه هذا التعليم على مستويين أساسيين. فعلى المستوى الأول فإن التعليم الأولي يساعد على تهييئ ولوج الأطفال إلى التعليم و كذا على تحفيز و تعزيز طاقاتهم المعرفية عبر اعتماد سيناريوهات بيداغوجية تهم اكتساب التفكير المنطقي في حل المشكلات و تعلم الكتابة و الحساب. أما على المستوى الثاني فإنه يساهم بشكل ملموس في تعزيز الارتباط بالمدرسة و تيسير الانفتاح على المحيط و التفاعل مع الأقران و بناء اللبنات الأولى للشخصية و كذا إلى تطوير المهارات الاجتماعية باعتماد الأنشطة المحفزة لهذه الغاية. و الجدير بالذكر أن الأطفال المستفيدين من سنوات التعليم الأولي يميلون بشكل ملموس أكثر من غيرهم إلى الاندماج الإيجابي و الفعال في المرحلة الابتدائية و هو ما يسهم دون شك في تيسير نجاحهم في مساراتهم الأكاديمية و التكوينية.
من هذا المنطلق، صار من الضروري، رغم المجهودات المبذولة و الإمكانيات المرصودة لتطوير التعليم الأولي، إعطاءه الأولوية اللازمة ضمن النسق العام لقطاع التربية الوطنية من خلال استصدار مراسيم تكميلية من أجل توضيح آليات الاشتغال بهذا القطاع الاستراتيجي، تترجم بتبني حكامة ناجعة تقطع مع تعدد المتدخلين في هذا المجال الحيوي بهدف تحقيق الجودة و الإنصاف، و باعتماد التأهيل المهني مدخلا أساسيا للنهوض بهذا التعليم، من خلال تكوين الأطقم التربوية المؤهلة باستقطاب الخبراء في مجال الطفولة المبكرة، و تجويد البنيات و التجهيزات الأساسية على غرار المعمول به دوليا في هذا الباب، مع إيلاء الأهمية لإدماج الأطفال دوي الاحتياجات الخاصة و مواكبة أسرهم. كما تترجم أيضا بتوحيد البرامج مع مراعاة الأبعاد البيداغوجية و الاختلافات المجالية و كذا الخصوصيات المتعلقة بالهوية و الثقافة المحلية. و تتوج بإعادة النضر في الوضعية المادية للعاملين بهذا التعليم و كذا الطرق والوسائل الديداكتيكية التي تؤثر بصفة مباشرة في المردودية.

* مختص في هندسة التربية والتكوين والاستراتيجيات المعلوماتية بنظم المعلومات.

الاخبار العاجلة