التعليم .. والخطر القادم منه وإليه

7 يوليو 2014آخر تحديث : الإثنين 24 مايو 2021 - 3:07 مساءً
admintest
كتاب وآراء
التعليم .. والخطر القادم منه وإليه

يبدو أن قدر التعليم ببلادنا قدر مشؤوم وفشله أمر محتوم ، ويبدو أن حظه وزراء اذا رأيتهم تعجبك أجسادهم واذا سمعت لهم أو رأيت أفعالهم أشفقت على التعليم وأهله وطلبته .
الحقيقة أنه لا يختلف اثنان حول الوضعية المزرية التي وصل اليها التعليم ببلادنا ،وهذا ما أكده التقرير الأخير لليونيسكو ، منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة ، والذي رسمت من خلاله المنظمة صورة قاتمة السواد حول التعليم المغربي حاليا ، وكشف التقرير أن حالة التعليم المغربي لا تختلف عن حالته خلال سنة 2011 ، وأننا لا زلنا نصنف في المراتب المتأخرة في أغلب المؤشرات عربيا وافريقيا رغم أن المغرب يعتبر ثالث بلد عربي انفاقا على التعليم بنسبة 5.5 من الدخل القومي .
وحتى لا نتوه في الأرقام والاحصائيات والترتيبات التي جاءت في التقرير حول وضعية التعليم المغربي والتي جعلت الملك يدق ناقوس الخطر خلال خطاب 20 غشت 2013 ويدعو الحكومة لجعل ملف التعليم خارج جميع الاعتبارات والمزايدات السياسية ،دعونا نتساءل عن دور الوزراء الجدد في تحسين وضعية وصورة التعليم المغربي ، وعن الخطر القادم من و الى هذا القطاع الذي يعتبر شريان المجتمعات وعصبها.
صحيح أن مسلسل الاخفاق والفشل في المنظومة التعليمية متجدر في التاريخ ، وراجع الى سياسات الوزارات الوصية على القطاع في الحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال . ولعل أكثر ما أساء الى المنظومة التربوية هو استغلال المناهج التعليمية سياسيا لصالح اجندات حزبية أثبتث الأيام أنها كانت مخربة لهوية الأمة في كثير من الأحيان ،واستغلالها ايديولوجيا ومجتمعيا لتفريخ أنواع محددة من البشر للحفاظ على الطبقية السائدة والمصالح المتوارثة ،الى أن حصلنا اليوم على نسبة 44 في المئة من الأمية في صفوف الكبار مافوق السن الخامسة عشرة ، ولم نستطع تجاوز نسبة 56 في المئة من نسبة المقروئية بالنسبة للمغاربة الكبار ما فوق 15 سنة ـ حسب التقرير السالف .
في نفس السياق ، فقد كان وزير التعليم في النسخة الأولى من الحكومة الحالية ،والذي عودنا على البذاءة والسفاهة ، كان على حق حينما قال بأن أوباما لا يملك مثل مدارسنا . بالفعل أوباما لا يملك مدارس بدون أبواب ولا أسوار ولا نوافذ ولا طرقات ولا نقل ولا تجهيزات ولا وسائل …تلك مدارس ورثها الوفا عن أسلافه وتركها لوارثه .أما أوباما فمدارسه مجهزة ومكيفة ، ووزراؤه لا يأكلون الشكلاط ولا يتفوهون بكلام خادش للكرامة أمام التلاميذ وخادش للحياء داخل القبة ،ولا يحبطون عزائم حاملي الشواهد .
وبالعودة الى تقرير اليونيسكو الأخير الذي شبه الأمس باليوم ،نتساءل عن لمسة الوزراء الجدد في نفظ القليل من الغبار عن مؤسستنا التربوية الرديئة . وبعد التفتيش قد نعثر على انجاز مهم وهو تقليم أظافر النقابات التعليمية والقضاء على الاضرابات التي كانت تتسبب في هدر الزمن المدرسي للمتعلمين ،وسنعثر أيضا على انجاز أهم و هو برنامج أعرج مازال خادمه المركزي يتثاقل في الاستجابة ومازال يحتاج الى برنامج لتطويره ، كما يمكننا العثور كذلك على بعض التحفيز المادي للطلبة الجامعيين وتدشين عدد من المعاهد العليا وتأهيل البنية التحتية لبعض الجامعات كما سنجد طبعا كلاما كثيرا … ضمنه ما قاله السيد الداودي مؤخرا حول المجازين والشعب الأدبية ،حيث وصف المجازين بالعالة ،والشعب الأدبية بالخطر القادم الى المغرب .
قد يكون السيد الوزير على صواب في الأمرين معا ، حيث أن الدولة عاجزة حتى في عهد حكومة الخلاص عن استيعاب المجازين وتوفير فرص شغل لحاملي الشواهد العليا ، وكذلك حيث أن الشعب الأدبية تفرخ أفرادا يتكلمون ويكتبون كثيرا أكثر مما يعملون ،وطبعا لن يجد هؤلاء ما يتحدثون عنه أفضل من انجازات الحكومات ولا يجدون ما يكتبون عنه أحسن من أقاويل و أفاعيل الوزراء .
الخطر الحقيقي القادم الى المغرب من التعليم لا يكمن في الحصول على الاجازة الأدبية ، بل في المنتوج البشري الذي صار يفرخه النظام التعليمي ،والذي أصبح متشبعا بالفراغ الأخلاقي والروحي والمهني الواجب لكل متعلم أدبيا كان أم علميا ولكل موجز أو حامل لشهادة مهما علا شأنها . الخطر يكمن في المنتوج البشري الذي يبتعد يوما بعد يوم عن المواطنة الحقة ،ويفقد يوما بعد آخر رصيد الضمير المهني والوازع الأخلاقي في أداء المهام وخدمة الصالح العام .انه منتوج مفتقد للتربية والتكوين وان كان يتكلم لغة العلم .
الخطر القادم الى التعليم هو الويفي والفايسبوك والاعلام الرسمي والمهرجانات في آخر السنة الدراسية والبطاقات الهاتفية التي تباع بشكل عشوائي . والخطر المحدق بالمدرسة والاعدادية والثانوية والجامعة هو المخدرات والبولاط الملونة والمشروبات الروحية والدعارة المدرسية .
السؤال الملحاح هو : ماذا فعلت حكومتنا لمحاربة كل أشكال التمييع والتخذير والتهريج و الافساد والفساد والغش الذي يحيط بالمؤسسة التعليمية ؟ ماذا فعلت الحكومة من أجل تغيير المناهج والبرامج البائدة و جعلها ملائمة للعصر ولسوق الشغل الذي يتحدث عنه السيد الداودي المحترم ؟ وما هو التوجيه الملائم والمستمر الذي يستفيذ منه التلاميذ والطلبة من أجل جعلهم يقتنعون بالتوجه نحو الشعب العلمية والتكنولوجية والتقنية التي يحتاجها السوق ؟ وأين هوالسوق الذي نتحدث عنه ؟
واذا كانت الشعب الأدبية تشكل، فعلا ، خطرا على المغرب فللسيد الوزير كامل الصلاحية لحذفها من أسلاكه حتى نكف عن تخريج علماء ومفكرين ومنظرين و أساتذة في الاجتماع والفلسفة والتاريخ والأدب واللغات ،وحتى ينقرض الكتاب والشعراء ورجال القانون والصحافة ورجال الدين، مادمنا قد صرنا بلدا تكنولوجيا وصناعيا ،ومادمنا قد أصبحنا ، في ظل اكتشاف البترول ، في حاجة لعلماء الفيزياء والكيمياء والرياضيات وغزو الفضاء ..
أن يقول وزير ذو شأن كبير بأن الشعب الأدبية تشكل خطرا على المغرب يعني أن سيادة الوزير لا يعترف بأهمية الآداب والعلوم الانسانية في تنمية الثقافات الانسانية وفي خلق التوازن المعرفي والروحي والثقافي للمجتمعات ،ويعني كذلك أن خريجي الشعب العلمية تتقاطر عليهم الوظائف والمناصب بمجرد تخرجهم لدرجة يحتارون في الاختيار بينها ،ويعني أيضا أنه لا يوجد في مجتمعنا معطلون يحملون شواهد عليا في العلوم الفيزيائية والرياضية والكيميائية والتقنية …أم أنه كلام ملقى على عواهنه ، وأن اللسان ما فيه عظم ؟؟
التعليم في حاجة الى رجال ونساء من أهله ، يعرفون داءه ويصفون له الدواء الشامل، وفي حاجة الى ارادة سياسية عادلة تروم انتشال المجتمع برمته من مستنقع الأمية والجهل الفكري والوظيفي والانحلال الأخلاقي ، وتهدف الى تفعيل الحكامة الحقيقية في نظامنا التربوي وربط المسؤولية بالمحاسبة .

بقلم : ذ. عبد العزيز بوسهماين

الاخبار العاجلة