ماذا لو عاش بليز باسكال في عصر التضامن المغربي!

17 سبتمبر 2023آخر تحديث : الأحد 17 سبتمبر 2023 - 9:57 صباحًا
admintest
كتاب وآراء
ماذا لو عاش بليز باسكال في عصر التضامن المغربي!

بقلم: حسن أوتسكت

ثمَّة اقتباس للعالِم والفيلسوف الفرنسي بليز باسكال ” le style c’est l’homme- الأسلوب هو الرجل”، وكان المغفور له الحسن الثاني قد أتى على ذِكْرِ هذه المقولة في إحدى لقائته مع الصحافة الفرنسية، والتي كان يُجيد فيها تجليدها وتسليخها كُلَّما أطالت في استفزازاتها. و أنا أكتب هذه الأسطر التي أحاول أن تكن فيها الكلمات أشَّد مطاوعة للشعور، أجِدني مُقتنعًا إقتناعًا رياضيًا لا تشوبه شوائب، أن باسكال لو اِتًّسَعَ رصيده الإلهي من العمر وشارك معنا الزمان، وكان شاهداً على هذا الارتباط الذي يفوق في القوة قوة ارتباط الذرات فيما بينها، وهذا التضامن اللامشروط الإنساني من المجتمع المدني مع المتضررين من زلزال الحوز، والذي تجاوز جميع التصورات والإنتظارات والتوقعات، عندما يشاهد باسكال هذا التجنيد للمواد الأساسية والغير الأساسية من المدنيين والجمعيات إلى المتضررين، ويُطيل النظر في القوافل المحمَّلة بالمساعدات من جميع قرى المغرب ومُدُنه، والتي يتحدى عدادها أحياناً في الطرقات قدرة البصر، حيت تجاوزت حده.
عندما يتأمل باسكال في فيديو منتشر كالنَّارِ في الهشيم على مواقع التواصل الاجتماعية لرجل يحمل كيسًا نصف مملوء على درجته الهوائية ربما يحوي دقيقًا، والذي تبدو فيه هيئته كأنها جَسَّدت تواضع العالم بأسره وبساطته، ونظراته التي تُعكس في آن واحد أنّ الرجل وَهَبَ ما يملك وأنه تَمَنًّى لو كان قادراً على أن يُعطِّي أكثر مما أعطى.
عندما يَتَدَبَّر باسكال في مشهدٍ لامرأة أرادت أن تخلع خاتمًا من إصبعها لتَتَصَدَّقَ به على المتضررين، والتي يبدو من حالها أنه الأغلى في مَمْلكةِ مُمتلكَاتِهَا المادية، لكن مكانته أسمى من أن يكن له ثمن. حين يرى باسكال صورة لدُميةٍ ثُبِتَتْ عليها ورقة عَرَّفَت فيها صاحبَتُها ذات الأربع سنوات عن نَفسِها، وأنَّ الدُمية هي أغلى ما تملك، مُتَمنِّية أن تُعجب ذلك الملاك الذي ستحمِّلُها إليه الأقدار في جبال الأطلس المنكوبة، سيفكر باسكال في الشعور الذي سَكَنَ هذه الطفلة ذات الأربع سنوات وهي تخطو تلك الكلمات بأناملها، وعن تلك العاطفة الجامحة الذي دفعتها إلى الانسجام والوِئام في نسق التضامن وهي في الرابعة.
عندما يَنتهِ باسكال من تحليلاته لهذا التآزُر والترابط، والذي لم أَستَحْضَرَ منه سوى ما يُماثَلَ خلية أو خليتين من خَلايا جسم لكائن بشري، سيُدرِكُ حينها أن هناك شيءٌ يُميز هذه الأمة عن باقي الأمم، إنسانية مُفرطة من تلك المُتَعارف عليها، إيمان يتجاوز حدود القلب في مثل هذه المِحن، تربية تُعكس تاريخ أخلاق المغاربة منذ فجر التاريخ، مُواطَنة نَقَّبَتْ في الذاكرة الجماعية للمغاربية أحداث المسيرة الخضراء، وأثْبَتَت في عز الأزمة والدمار أنها تسري في أنفسهم سير الدم في الشرايين والأوردة. جميع هذه القيم هي التي تُشَّكِلُ بما يسمى بتَمْغَارَبِيتْ،والتي لم أَتي على ذِكر منها أيضاً سوى القليل والقليل.
أمّا باسكال فسيقف ليطلب من الموت أن يتمهل ثوانِي قليلة، حتى يَتسَّنى له أن يضيف لأقواله الهائلة الحكمة والعدد، قائلاً: ” la solidarité c’est les marocains- التضامن هو المغاربة”.

الاخبار العاجلة