بجهة سوس ماسة تضررت قطاعات عديدة بسبب انتشار فيروس “كورونا” وما واكب ذلك من تدابير اتخذتها الحكومة للحد من ذلك التفشي، أبرزها الإغلاق النهائي لبعض المحلات والمؤسسات في القطاع السياحي وما يرتبط بذلك، إلى جانب قطاع تنظيم وتموين الحفلات والملاهي الليلية وغير ذلك، مما أدى إلى توقف عدد من الأنشطة وفرض عطالة على اليد العاملة في تلك القطاعات، مع ما يعني ذلك من توقف مورد الرزق دون سابق إشعار.

sousse massa social3 - جريدة سوس 24 الإلكترونية

حسن، عامل سابق بإحدى الوحدات السياحية بمدينة أكادير، قال: “لم نصدق قرار الإغلاق المستمر إلى اليوم، ظننا أن أياما قليلة ستمر ونعود إلى نشاطنا المعتاد، انتظرنا أسبوعا واثنين ثم شهرا واثنين وثلاثة لننتقل إلى حساب السنوات: السنة الثانية على التوالي من المعاناة. أجبرنا على البحث عن سبل أخرى لكسب المعيش اليومي، فبعد أن كنا مستقرين اجتماعيا، أصبحنا اليوم نقاتل فقط من أجل القوت اليومي”.

وفي حسرة تابع المتحدث “اضطررت إلى تحويل ابني من مدرسة خصوصية إلى مدرسة عمومية، كما اضطررت إلى بيع سيارتي بعد أن نفد بعض المال المتوفر. كنا ننتظر أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه ونرجع لمزاولة عملنا، لكن لم يكن إلا الأسوأ. الانتظار القاتل دفعني إلى البحث عن عمل آخر، على الأقل أوفر من خلاله المصروف اليومي، أما الالتزامات الأخرى وما كنا معتادين عليه من مستوى معيشي وسيارة وأسفار، فذلك أجلناه إلى حين يتحقق فرج الله”.

حسن لم يكن إلا نموذجا مصغرا من العمال الذين وجدوا أنفسهم في عطالة دائمة، وأغلبهم لا يتقنون إلا ذلك العمل بحكم التخصص، وهو ما دفع بعضهم إلى ابتكار أساليب أخرى لقتل العطالة، حيث هناك من لجأ إلى استغلال سيارته المتنقلة لإعداد القهوة بالطرقات أو لإعداد الوجبات السريعة والعصائر أو عربات لإعداد مختلف أنواع الرغيف، حيث قال محمد، الذي التقته هسبريس على الطريق الوطنية رقم 1: “كما تلاحظون، سيارتي جهزتها بآلة لتحضير القهوة، حتى أضمن مدخولا يوميا أعيل به أسرتي”.

وتابع محمد “كنت مسؤولا بملهى ليلي، وجاءت الجائحة ففرضت الإغلاق. ألفنا توفير كافة المتطلبات اليومية لي ولأسرتي، منها أداء واجبات الكراء والاشتراك في الهاتف والأنترنت وغير ذلك، لكن كل شيء كان كأنه حلم، تدحرجنا في ترتيب السلم الاجتماعي إلى درجة الصفر. في البداية أرسلت أسرتي إلى مسقط الرأس، واخترت السكن عند أخي، بعدما أصبحت عاجزا عن أداء السومة الكرائية، ولما طال الأمر، كان البحث عن بديل، وهو تحضير القهوة في سيارة متنقلة”.

sousse massa social2 - جريدة سوس 24 الإلكترونية

كثيرة إذن هي القصص الإنسانية في هذا الصدد، وكثيرة هي الفئات التي فرضت عليها الجائحة تغيير موارد رزقها. هناك من اختار التجارة بديلا، وهناك من تحول مرغما إلى سائق سيارة أجرة أو حافلة، ثم من اقترض لإحداث مقهى أو مطعم أو تسييره. كما ذهبت فئة إلى امتهان الوساطة في البيع والشراء، وآخرون لا تزال العطالة تنهش أجسادهم، ولدى كل شخص، رجلا أو امرأة، قصة معاناة بطلها عطالة مفروضة وقصة أخرى من وحي البحث عن استمرار كسب العيش اليومي.

الحسين الفرواح، أستاذ مبرز في الاقتصاد بالتعليم التقني العالي، قال، إن “الوضع الاقتصادي والاجتماعي بجهة سوس ماسة في فترة جائحة “كورونا” لا يختلف كثيرا عن باقي جهات المملكة الإحدى العشرة. فحسب المعطيات المتوفرة إلى حدود اللحظة، كثيرة هي القطاعات المتأثرة سلبا بتداعيات جائحة “كورونا” ومتحوراتها، منها على الخصوص قطاع السياحة ومختلف سلاسل القيمة المرتبطة بها (الصناعة التقليدية، التنشيط السياحي، وكالات الأسفار، ممونو الحفلات والأعراس…)”.

وأضاف أن “هذه القطاعات التي أصيبت بشلل شبه تام، خصوصا بعد إغلاق الحدود، ومع ارتفاع عدد الإصابات بمتحور “أوميكرون”، أدت إلى ارتفاع نسبة البطالة خلال الفصل الثالث من سنة 2021 بالجهة إلى 11 بالمائة، لتحتل المرتبة الرابعة في معدل البطالة على مستوى الجهات، خصوصا لدى الشباب وأصحاب الشواهد العليا والنساء، وتقول بعض التقارير إن قطاع الصيد البحري والفلاحة (الصناعات الغذائية خصوصا) أنقذ جهة سوس ماسة من العواقب الوخيمة للجائحة والجفاف (ندرة الموارد المائية) على مختلف مناحي الحياة. ورغم المؤهلات التي تتوفر عليها جهة سوس ماسة، فهي لم تحقق بعد القفزة النوعية التي ينشدها السكان لخلق مزيد من القيمة المضافة في القطاعات الواعدة”.

sousse massa social1 - جريدة سوس 24 الإلكترونية

وأوضح الفرواح أنه “نظرا للارتباط الوثيق للسياحة وباقي سلاسل الإنتاج المرتبطة بها بالوافدين من الخارج وضعف السياحة الداخلية، فقد كان هذا القطاع الأكثر تضررا، رغم بعض التحسن في الفصل الثالث من 2021، حسب معطيات المندوبية السامية للتخطيط في مذكرة حول الوضعية الاقتصادية بالمغرب. وحسب هذه الأخيرة، عرفت القيمة المضافة للقطاع الثالثي (الفنادق والمطاعم، النقل، التجارة والخدمات…) ارتفاعا بنسبة 6.6 بالمائة في الفصل الثالث من سنة 2021 بعد انخفاضها بنسبة 7.9 بالمائة خلال نفس الفصل من سنة 2020”.

“هذه الوضعية الاستثنائية كان لها أثر سلبي جدا على العمال والحرفيين، الذين أدى بهم الأمر إلى التخلي عن أنشطتهم المهنية، خاصة الأعراس والصناعة التقليدية، في ظل تراكم الواجبات من ضريبة وكراء وماء وكهرباء وواجبات مهنية، لكن بعض القطاعات ساهمت في التخفيف من التداعيات السلبية للجائحة على الصعيد الوطني، منها القطاعات التصديرية (صناعة السيارات والفوسفاط ومشتقاته والصناعات الغذائية…)، وشكلت تحويلات المغاربة القاطنين بالخارج ظاهرة غير مسبوقة قد تتجاوز 95 مليار درهم مع نهاية 2021، على أمل أن يحقق الاقتصاد الوطني أكبر نمو اقتصادي بـ 6.7 بالمائة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط سنة 2021، حسب جل توقعات المؤسسات الوطنية والدولية، ليكون الاقتصاد المغربي قد عاد إلى وضعية ما بعد الجائحة. وشكل انتعاش الطلب الداخلي قاطرة للنمو الاقتصادي الجيد بالمغرب خلال السنة المنتهية في سياق ارتفاع نسبي للتضخم وانخفاض حاجيات الاقتصاد الوطني للتمويل”، يختم الأستاذ المبرز في الاقتصاد.