الجهل والتراث.. احتضار الحضارة

8 يوليو 2022آخر تحديث : الجمعة 8 يوليو 2022 - 12:36 مساءً
admintest
كتاب وآراء
الجهل والتراث.. احتضار الحضارة

بقلم: حسن أوتسكت

أعيش في حضارة ميتة، تقدس الأموات ولا تعير ذرة من الإهتمام لتراثهم، حتى وإن عادوا للتراث فتجدهم لم يأخذوا منه إلاّ ما لم يعد صالحًا لزمننا.

إن مشكلتنا في دراسة التاريخ هي أننا لا نعلم كيف نستنبط منه ما يلائم ظروفنا و أوضاعنا، إن التاريخ يُدرس لكي يُستفد منه لحاضرنا ومستقبلنا، غير هذا ما هو إلا تبديد في الفراغ للجهد والزمن الذي لا يعوض.
إن مشكلتنا ليست في تراثنا، مشكلتنا في الجسر الذي بنيناه بيننا وبين هذا التراث من أجل قرائته، وهذه الصلة اليوم مترجحة بين علاقة تحقيرية وقدحية للتراث وبين علاقة عصبية وتقديسية للتراث، وفي مجتمعنا تطغى فيه هذه الأخيرة، أي الرؤية التبجيلية والتقديسية للتراث، وهي رؤية لا تاريخية لأنها لا تخرج التراث من التاريخ، كأنه ليس صناعة تاريخ محدد في المكان والزمان والظروف والشروط، هذه النظرة تجعلنا أسرى في حاضرنا ومستقبلنا دائما إلى الماضي وأفكار القدماء وإجتهادتهم ومنظوماتهم المرجعية، وتضعنا أمام معادلة لا يمكن أن تكن مقبولة لدى أي ثقافة أو مجتمع يسعى للتقدم في هذا العالم الجديد الذي يختلف ب 180 درجة عن عالم القدماء. فالباحث الذي يدرس تاريخ مجتمع ما دون دراسة إجتماعية ودون تأريخ مكاني وزماني، فكل ما سيأتي به في نهاية الأمر هي إستنتاجات وإستنباطات عقيمة لمجتمعنا، شبّه لنا المفكر العربي الكبير الراحل علي الوردي، هذه الفئة التي تقبل هذه القراءة للتراث، أنها لا تختلف في تفكيرها عن ذلك الجيش الذي يستعد للحرب ويتدرب على السيف والرماية وركوب الخيل، إستعداداً لمواجهة جيش مسلح بأحدث الأسلحة. هذا المفكر الذي لو أخذ ما كتبه من فكر حقه لدى العقل العربي، لما وصلنا إلى ما نحن عليه الآن من تصحر علمي وإنحطاط معرفي وجمود فكري وتفاشي الإرهاب ولائحة العبث لا شئتم طويلة، هذا المثال الذي أتى به الراحل علي الوردي في كتابه “مهزلة العقل البشري” والواضح كوضوع غروب الشمس في أمسية خريفية جميلة، وضح لنا أكثر كيف يُقرأ التراث، فالجيش الذي يتدرب على الرماية والسيف وركوب الخيل في زمن ازدهر فيه التقدم وصناعة الأسلحة، فعل ذلك إنطلاقا من قرائته للتراث، كغزوات حدثث قبل 14 قرن، ونسي أنه في عالم ازدهر فيه العلم مقارنة بزمان النبي محمد ﷺ، و تتحارب فيه الأمم بأسلحة فائقة المدى وليس بالسيوف، وتسافر فيه البشرية بمواصلات أكثر راحة وأسرع من الحمير والبغال.
الحضارة التي أعيش فيها، تقدس الجهل وتمجده، وكل ما يتطلب فهمه الإنغماس بين طيات العلم والسفر في فضاءه وبين مجراته، ولأنهم أيضا يفتقرون لأساطيل الإبحار إلى محيط العلم، فيكتفون بقولهم إن الله وحده من له القدرة على فهم ذلك، وحين يبتلون بمرض معدٍ، ولأنهم لا يملكون مختبرات ولا يتوفرون على مورد بشري ملم بالعلوم، فيقولون إنه من عند الله، وكل ما جاء عنده لا حول لنا ولا قوة لنا، والبحث عن الدواء هو بمثابة تحدي الله، لكن سرعان ما يتضرعون ويتوسلون الأمم الأخرى الموجودة وراء المحيط أن تمنحهم دواء لهذا الداء، الأمم التي خلقت بيئة علمية ملائمة لإنسان القرن الواحد والعشرون، الأمم التي تتحدى الطبيعة وليس الله لمحاربة الأوبئة والأمراض وتغزوا الفضاء، أمّا نحن الذين نجد في تراثنا الديني حديث نبوي يقول “إن الذي أنزل الداء أنزل معه الدواء”، رجعنا للوراء لأننا لا نملك أدوات البحث عن الدواء، أما الحديث الذي يقول “العلم فريضة على كل مسلم” ضربنا به عرض الحائط منذ زمان، لكننا نحتفظ بذكر أحاديث الحيض والنفس والسفور، ونبدد فيها زمنًا على الفضائيات، ونكتب مئات الكتب عن ذلك، إننا أشبه برجل عاري، يملك ثوب كبير لكنه لا يعرف الطريق لحياكة ملابسه، فبدلاً من أن يفكر في أمر ملابسه وكيف سيساعده الثوب على ذلك، راح يتوسل الناس بخاتم لأصبعه. لقد ذبحنا حضارتنا بسيف الجهل من الوريد إلى الوريد.
ألم أقل لكم أنني أعيش في حضارة ميتة؟

الاخبار العاجلة