التطبيع الرسمي مع الفساد

9 يناير 2014آخر تحديث : الإثنين 24 مايو 2021 - 3:29 مساءً
admintest
الأخبار
التطبيع الرسمي مع الفساد

الفساد مصطلح مضاد للصلاح، يقصد به خروج الشيء عن الاعتدال والاستقامة أو توقفــه عن أداء الوظيفة التي وجد من أجلها. والفساد لغة مرادف للتلف والعطب أو الخلل والاضطراب أو القحط والجدب.
الفساد كلمة اقترنت تاريخيا بوجود الانسان بدليل استفهام الملائكة بشكل استغرابي حينما أخبرها الله تعالى أنه جاعل في الأرض خليفة بقولها: ( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ). وهذا قد يكون دليلا قاطعا على أن الفساد لم يظهر الا بعد خلق الانسان.
وبالتالي يمكننا القول جازمين أن الفساد منتشر انتشار الانسان في البر والبحر والجو بدليل قوله تعالى: (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس).
والفساد مهما كان، أخلاقيا أو سياسيا أو…، فهو أمر مرفوض ومستهجن بالوجدان والفطرة، ولذلك نجد الانسان يرفض صفة الفساد في الأشياء كلها، وينفر منها ويسعى إلى إصلاحها ما أمكنه ذلك، كما يكره أن ينعت بالفساد رغــم سقوطه فيه.
ولا شك أن نجاح وتقدم الشعوب رهين بمدى قدرة مسؤوليها على محاربة الفساد ومعاقبة المفسدين. وهذا ما يفسر ازدهار وتقدم بعض الدول المصنفة والتي أعملت الديمقراطية في محاربة الفساد ولو كان مقترفوه كبار المسؤولين.
واذا كان لكل بلد فساده، ولكل بلد طريقته في التعامل معه ومعالجته، فللمغرب فساد أًصيل ومتنوع. فمنه الأخلاقي، والاقتصادي، والفكري، والصحي، والقضائي، والاعلامي، والسياسي …. وأشد الفساد مضاضة هو ذاك الذي تتورط فيه المؤسسات أو يصنعه أو يرعاه من كلفوا بمحاربته.
الفساد في المغرب شجرة ترعرعت في ترابنا وتجدرت وظلت تثمر ثمارا فاسدة الى أن خرجت حركة 20 فبراير تطالب باسقاطها واجتثاثها من جذورها مستغلة الشرارة التي أوقدها البوعزيزي يوم 17 دجنبر 2010 حينما أحرق نفسه وأشعل نار الثورات العربية التي أوشكت أن تأتي على الأخضر واليابس. وبالفعل تمت الاستجابة لشعار “الشعب يريد اسقاط الفساد” فتم تعديل الدستور الذي أعطى صلاحيات واسعة لرئيس الحكومة، وتنفسنا الصعداء بتعيين السيد بنكيران رئيسا للحكومة بعد أن وضع أغلبية المغاربة تقثهم فيه وفي صقوره البواسل لتفعيل الشعار السابق ورد الحقوق الى أصحابها. الا أنه سرعان ما تكيف بنكيران مع عفاريته وتماسيحه فغازلهم من قنديله عبر قناة الجزيرة بمقولته المشهورة “عفا الله عما سلف” قبل أن يفسر فلسفته تلك لأحمد منصور بقوله بالحرف “الذين أخذوا، لو ذهبت تبحث عندهم لا تجد شيئا”.
الرئيس المحترم استدرك زلة لسانه تلك ووضح لمجلس المستشارين بعد أن عاب عليه المغاربة ذلك بأنه لم يقصد أنه سيسامح السارق لأنه لم يأخذ ماله الخاص.
ومع ذلك، هرمـنا في انتظار اللحظة التي نسمع فيها أخبارا سارة عن محاربة الفساد وعن سجن المفسدين واسترجاع أموال وعقارات وأراضي تم السطو عليها وضرائب وقروض تم التهرب من تسديدها … واذ نحن في قاعة الانتظار الكئببة تلك سمعنا مفرقعات هنا وهناك تخرج من بنادق الصقور فاستبشرنا خيرا وحلمنا معا بأن نستيقظ ونجد أنفسنا في بلد كبلد أردوغان على الأقل، فاذا بتلك الطلقات ليست لمحاربة ريع المأذونيات والمقالع أو لتحرير المِلك والاعلام العموميين أو لاسترجاع أموال مهربة الى الخارج أو لاصلاح القضاء… ، بل هي تبوريدات سياسية تلاها قانون يحمي ناهبي ومهربي الأموال ويعطيهم ضمانات لادخال الأموال المسروقة واستثمارها في الداخل.
وليكتمل المشهد، أطلقها رئيس الحكومة مدوية حين فضحه لسانه، بعدما استفزته نائبة برلمانية استقلالية مانحة له مجموعة من الأصفار في تقويمها للحصيلة الحكومية، فصرح بأنه يعلم علم اليقين لائحة مهربي الأموال الى الخارج ويعلم أصحاب الشقق في باريس الا أنه لن يفضحهم، قاصدا بذلك رفقاء الأمس في الحكومة.
أليس ذلك تطبيعا صريحا ورسميا مع الفساد الذي نادينا باسقاطه؟ وأليس في ذلك جريمة التستر على مجرمين وشبكات تهريب وتبيض أموال والتي بلغت في الثلاثين سنة الأخيرة ما يقرب 25 مليار دولار حسب رئيس الهيأة المركزية للوقاية من الرشوة والتي نحن في أمس الحاجة اليها بدل اقتراض مبلغ 15 مليار دولار من الخارج في ظرف عامين.
أين هو استقلال القضاء الذي يترأسه أحد أكبر الصقور والذي أثار الجدل بخروجه مع حركة 20 فبراير مطالبا باسقاط الفساد؟ أليس من واجبه اعطاء أوامره للوكيل العام لدى محكمة النقض للتحقيق مع رئيس الحكومة في ادعاءاته، مع تمتيعه بالسراح المؤقت ضمانا للفرجة التي يوفرها لنا مرة كل شهر، هذا ان لم يتمادى في رغبته منع البث المباشر للمهزلة الشهرية تلك المخصصة لتسوية الحسابات الشخصية والحزبية على حساب انتظارات الشعب.
ألا تتعامل النيابة العامة التي يرأسها المحامي المحترم و المشاكس بسياسة الكيل بمكيالين عندما تغض الطرف عن تستر رئيس الحكومة على مجرمين، وتغض الطرف عن محاولة تزوير ادريس لشكر لآيات الله رغم كون المغرب دولة اسلامية مالكية تتبنى القرآن الكريم كوثيقة رسمية للتشريع في مدونة الأسرة والارث، وتغض الطرف كذلك عن جريمة التمييز العنصري المعاقب عليها في الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والتي ارتكبها أبوزيد في حق العرق السوسي والتي جعلت أحد رجال الأعمال السوسيين بالخارج يعرض مبلغ 75 ألف أورو لمن يأتيه برأس أبوزيد وكأننا عدنا الى عهد حرب البسوس التي دامت أربعين سنة بين قبيلتي تغلب وبني شيبان في النصف الأخير من القرن الخامس الميلادي، وتغض الطرف عن ترهات بعض أشباه المفكرين الذين يخوضون فيما لا يعلمون …. في حين تفتح تحقيقا مع السلفي أبو النعيم الذي أبدى رأيه وان كنا نختلف معه بالجملة في طريقة جداله و في مضمون كلامه؟؟؟
ألم يحن الوقت لقطع دابر الفساد مهما كان صاحبه؟ والقطع مع مبدأ ” أفسد تسلم “؟؟

بقلم عبد العزيز بوسهماين

الاخبار العاجلة