المقاربة الأمنية الجديدة بين الجد والهزل

6 مايو 2014آخر تحديث : الإثنين 24 مايو 2021 - 3:23 مساءً
admintest
كتاب وآراء
المقاربة الأمنية الجديدة بين الجد والهزل

من المؤكد أن أغلب المغاربة استحسنوا السياسة الأمنية الجديدة التي نهجتها الدولة مؤخرا تحت شعار ” اللي حصل اخلص ” وتحت رداء ” الله ايجيب شي فيكتيم هاذ الليلة ” تنفيذا للتعليمات الملكية الصارمة التي جاءت لتضع حدا للانفلات الأمني الذي صار يقظ مضجع المواطنين ويهدد أمن البلاد والعباد ، وبعد تخاذل المسؤولين الأمنيين ولامبالاة المسؤولين السياسيين والحكوميين .
فبعد أن عادت تجارة السيوف والسكاكين الي بريقها القديم لتصبح تجارة مذرة للربح ، وصارت الأعضاء البشرية تتطاير والرؤوس تتساقط من فوق الأجساد وكأننا في عهد الحجاج بن يوسف الثقفي ، ولم يعد ينقصنا سوى الخيول و المنجنيق ليكتمل المشهد الحربي ،بعد ذلك كله ، وفي ظل غياب القرار السياسي ، تنفس المغاربة الصعداء ،وحمدوا الله حمدا كثيرا ،مثلهم مثل السيد رئيس الحكومة، على التدخل الملكي في الوقت بدل الضائع واصدار تعليماته الشديدة اللهجة لوزير الداخلية للتصدي لظاهرة العنف والجريمة .فما كان لهذا الأخير الا أن يستنفر كافة أجهزته الأمنية لتنفيذ التعليمات من جهة وللعب دور المطافيء من جهة أخرى وذلك بايهام المواطنين بأن الظاهرة لا تعدو أن تكون صورا مفبركة على الفايسبوك وبأن الجرائم التي تقع عندنا جرائم عادية مقارنة مع دول أخرى كالمكسيك وكولومبيا… .
ولأن الادارة المغربية فاسدة على حد تعبير الكاتب العام للاتحاد الوطني للشغل محمد يتيم وهي من أوصلتنا الى الأبواب المغلقة ، ولأنها أيضا “بحال الكامون ” كما عبر عن ذلك السيد رئيس الحكومة خلال الجلسة الشهرية ، فقد عاشت حالة استنفار قصوى وسخرت جميع مواردها البشرية واللوجيستية ليل نهارـ على غير عادة أغلبها طبعا ـ من أجل التسابق والتنافس على تقديم أرقام عن عدد المعتقلين والمحجوزات لأن الأمر يتعلق بتعليمات ملكية ،وليس بعمل روتيني من صميم الواجب ونابع عن الضمير المهني .
فإلى متى تظل الادارة المغربية تعمل بشكل موسمي حسب درجة حرارة التعليمات الملكية بدل أن تقوم بالواجب بشكل تلقائي ومستمر ؟؟؟؟؟. مع تسجيل بعض الاستثناءات طبعا ، حيث أن هناك رجال قلائل صدقوا ماعاهدوا الله عليه…وما بدلوا تبديلا .
جميل أن نرى هاته الأيام الدوريات الأمنية المشتركة تجوب الشوارع والأزقة ،وتطوف المداشر القروية والمراكز الشبه حضرية ، وتعتقل كل من يثير الشكوك والشبهات ، وتوقف كل مستهلك للمخدرات والخمور وتفضح كل من وجد في وضع مخل بالأدب والأخلاق . وجميل أيضا أن يتم توقيف بعض مروجي العقاقير المهلوسة والمخدرات الصلبة والخمور والمسكرات . كل ذلك أعاد للمواطنين بعض الأمان الذي افتقدوه على حين غرة .
وجميل جدا أن يتم توقيف عدد كبير من “المشرملين ” الذين يعرضون أنفسهم على الفايسبوك ويتباهون بغزواتهم وغنائمهم المسلوبة غدرا وعنفا من أصحابها .
لكن ، هل هاته الاعتقالات والتوقيفات الواسعة كافية بأن تحد من ظواهر العنف والسرقة والقتل والانتحار والاغتصاب التي كثرث في بلدنا ليس مقارنة مع المكسيك و أمريكا وكولومبيا ولكن مقارنة مع مغرب الأمس ، مغرب الأمن والتماسك الأسري والاجتماعي ؟ وهل هذه المقاربة الأمنية الجديدة جديرة بأن تعيد للمغاربة ما ضاع من أمن و أخلاق وتربية ومواطنة ؟؟
الجواب بالنفي طبعا . حيث لا يمكن معالجة الداء اذا انتشر بالجسم بالقطع والبتر، والا ظل الجسم ناقصا ومعاقا ، ونحن لا نريد أن نعيش في بلد معاق ، نصف شبابه يتخرجون من السجون مجرمين كبار بعد أن دخلوها مجرمين صغار . لأن السجن لدينا صار مدرسة لتكوين المجرمين ، وذلك لاحتكاك السجناء طيلة مدة اقامتهم المريحة بالسجن بكبار المجرمين والخارجين عن القانون خصوصا بعد أن يطوف السجين كافة سجون المغرب وكأنه كلما ترقى وأنهى تكوينا معينا على يد أحد شيوخ الاجرام انتقل للبحث عن تدريب آخر على أيدي مجرمين آخرين منتشرين عبر باقي السجون ، وذلك عوض تصنيف السجناء حسب درجة اجرامهم ونوعية جريمتهم وانزال كل فئة بنفس السجن واخضاعها للتكوين النفسي والاجتماعي والثقافي الكفيل باعادة ادماجها في المجتمع ،أما الفئة الخطيرة التي تعودت الاجرام ولا يرجى منها اصلاح فيجب عزلها في سجن خاص حتى لا تختلط بباقي السجناء المبتدئين .
ثم انه حان الوقت لمراجعة الترسانة القانونية وتحيين بعض فصول القانون الجنائي بالشكل الذي يمكن من ردع مرتكبي الجرائم ومروجي المخدرات والعقاقير المهلوسة وغيرها والذين يتم ضبطهم واعتقالهم من طرف رجال الدرك أو الأمن مغامرين بحياتهم في كثير من الأحيان ،الا أن هؤلاء الموقوفين سرعان ما يعودون لنشاطهم وكأن شيئا لم يحدث ،مما يقتل الحافزية والدافعية لدى ضباط الشرطة القضائية،ويعرضهم لمضايقات وتهديدات واستفزازات من طرف اولئك المجرمين الذين لم يتم ردعهم بالعقوبة الحبسية الملائمة لجرائمهم ،ولم يتم استغلالهم في أشغال شاقة تعود بالنفع على المجتمع وتكسر شوكة أولئك . كما أن الفساد المستشري في أوساط المؤسستين الأمنية والقضائية بشهادة شهود من أهلهما ـ مع وجود استثناءات طبعا ـ يزيد الطين بلة ويشجع الكثير من الخارجين عن القانون للاستمرار في طغيانهم تحت ذريعة قدرتهم شراء بعض الذمم لتحصين أنفسهم من العقاب الزجري .
وفي نفس سياق الأمن والمقاربة الأمنية الجديدة التي يعرفها المغرب والتي أدت الى ملأ أغلب السجون فالموارد البشرية المكلفة بضبط الخارجين عن القانون تبقى عاجزة عن تحقيق الأمن وضبط كل الحالات بسبب قلتها وضعف تكوينها وبدائية وسائلها اللوجيستية ، ولتواطؤ المواطنين في غالب الأحيان مع هؤلاء المجرمين بصمتهم وعدم تبليغهم عنهم وعدم تقديم العون والدعم لرجال الدرك والأمن .
لجوء المغرب لهاته المقاربة الأمنية لن يجدي نفعا في ظل سياسة الهدم التي يمارسها الاعلام الرسمي بعرضه لبرامج تعليمية لفن الجريمة ولفن الافلات من قبضة العدالة ، ولبثه لمسلسلات منسلخة من هويتنا ومن ثقافتنا ومروجة لأفكار ومستويات معيشية تفوق بكثير مستوانا المعيشي ومختلفة عن عاداتنا وتقاليدنا .وبما أن هاته المسلسلات تحظى بمتابعة كبيرة جدا في صفوف النساء والشباب والرجال ،كذلك ،فهي تجعل أكثر من نصف المجتمع ينسلخ من هويته و يتنكر لعاداته ويشمئز من حياته ،وبالتالي ينتقم من نفسه عبر تعاطي المخدرات والفساد والذعارة ومن أسرته ومجتمعه عبر العنف والسرقة والنصب .
ان البناء الحقيقي لا يبدأ من السقف ،وان العلاج الصحيح لا يتم بقطع الرؤوس . بل البناء يبدأ بتقوية الأساس وتسليحه بالاسمنت والحديد .أي أن بناء المجتمع لا بد أن يبدأ بتأهيل الأسرة للقيام بدورها الذي استقالت منه ،ويمر عبر تقديم تربية أخلاقية ودينية صحيحة واكساب تعليم فعال ومواطن للناشئة ، وصولا الى توفير مناصب شغل وحياة كريمة للشباب الذي يعتبر القلب النابض للمجتمع .
هذا التناقض في التعاطي مع المواطنين أمنيا واعلاميا وتعليميا ومعيشيا يعطينا الانطباع بأننا نعيش في دولتين متناقضتين ،و يجعلنا نقول بكل يقين بأن أمن المجتمع وسلامته لا يمكن بلوغه عن طريق المقاربة الأمنية والضبطية والعقابية ـ وحدها ـ التي لجأنا اليها بعد ان اتسع الخرق على الراقع دون أن يتم تصحيح المسار ودون أن نبدأ البناء من حيث يجب البدأ ، ودون تجفيف منابع المخدرات و المسكرات و الحبوب المهلوسة التي تفسد البناء وتكلف خسائر مادية وبشرية أكثر ما تكلفه الحرب في أفغانستان أو سوريا .

بقلم : الأستاذ عبد العزيز بوسهماين

الاخبار العاجلة