“التشرميل” أزمة تربية أم أزمة أمن؟

13 مارس 2014آخر تحديث : الإثنين 24 مايو 2021 - 3:21 مساءً
admintest
كتاب وآراء
“التشرميل” أزمة تربية أم أزمة أمن؟

” التشرميل ” أو ” المشرمل” مصطلحان ألفنا سماعهما في القاموس المطبخي المرتبط بألذ المأكولات ، الا أن هذين المصطلحين خرجا من نطاق المطبخ الضيق الى نطاق أوسع وأرحب ، ليصيرا دخيلان بالقوة على لغتنا المتداولة ، وليحتلا حيزا كبيرا من اعلامنا المكتوب والمسموع والمرئي .
هذان المصطلحان لن تجد لهما أثرا في قواميس اللغة العربية . ومن المؤكد أنه لم يسمع بهما فطاحلة اللغة ولا جهابدة اللسانيات . لكن الكل صار يتحدث هذه الأيام عن “التشرميل “، والكثير من شبابنا أعلن انضمامه الى “حركة المشرملين “.
” التشرميل ” كلمة تخرجت من السجون المغربية ،حيث أبدعها السجناء من داخل زنازينهم، تعبيرا منهم عن شدة الغضب ،كما أطلقها شباب أحزمة الفقر والأحياء الهامشية للمدن الكبيرة على زملائهم العائدين من المهجر والذين ظهرت عليهم علامات الثراء و” الترفيحة” انطلاقا من مظاهرهم الخارجية ، ثم زحفت هذه الكلمة لتغزو الأوساط الثرية منذ سنة تقريبا وانتشرت بين أبناء الطبقة الميسورة بسبب توفر المال والفراغ والاهمال الأسري لتصير عنوانا للتباهي ولتصبح كلمة ” مشرمل ” تعني الشخص الذي يرتدي أغلى الماركات العالمية في اللباس والاكسسوارات والأحذية الرياضية ( الكوبرا أو الأيرماكس ) التي لا يقل ثمنها عن 2500 درهم ، والذي يتوفر على دراجة نارية من نوع” كالاكسي” أو” اس أش” أو” ليوناردو” أو” ت ماكس”… والتي يصل ثمنها أحيانا الى 17 مليون سنتيم .وهذا “المشرمل” لن تكتمل “تشرميلته “طبعا الا باقتناص احدى الفتيات “المشرملات” ومرافقتها الى احدى مقاهي الشيشة أو احدى العلب الليلية ليوهم نفسه ويثبت للآخرين من نفس المحيط أنه ينتمي لنفس الطبقة .
الى هنا يبدو أن هذه الظاهرة لا تشكل خطرا كبيرا على المجتمع ، لكن ظاهرة “التشرميل ” لا تتوقف عند اللباس والحلاقة الغريبة والأوشام والاكسسوارات ، بل تتعدى ذلك الى التباهي بحمل أسلحة بيضاء وسيوف حادة وكريموجين وتكوين عصابات للنشل والخطف والسرقة من أجل الحصول على الهواتف الذكية ومحفظات النقود المملوءة لضمان لوازم ” التشرميلة” التي تقتضي التعاطي الى المخدارات الصلبة والسجائر والخمور الغالية وامتطاء الدراجات السريعة أو السيارات الفارهة . هذا المستوى المعيشي ” المشرمل” جدا لا يرضى عنه صاحبه بديلا حتى لا ينعت ب ” المكلمن” ـ وهوما يوصف به الشخص الذي يرتدي لباسا عاديا ويعيش على نفقة أهله حسب لغة المشرملين ـ ويتبنى نمطا سلوكيا أكبر من امكانياته المادية ، مما يجعل الشاب ” المشرمل” يحترف السرقة ويجعل الشابة “المشرملة ” تمتهن الدعارة .
ظاهرة “التشرميل” أصبحت منتشرة بين الشباب ومثيرة للانتباه بعد أن كانت مقتصرة على شباب بعض الأحياء الهامشية بمدينة الدار البيضاء ، وزحفت نحو أغلب المدن المغربية وغزت كافة الأوساط الاجتماعية والمؤسسات التعليمية بعد أن أسس لها أعضاء “حركة المشرملين” صفحات على موقع التواصل الاجتماعي ” الفيس بوك” و أعطوها أسماء مثل ” التشرميل بالكراميل ” أو ” التشرميل بالباشميل ” أو “سوق التشرميل” أو ” تشرميل لبس اخرو حبس ” وغيرها من صفحات التشرميل ، وبدؤوا يعرضون فيها غزواتهم في السرقة و غنائمهم ،مثل الحلي والأموال والساعات والهواتف الذكية …، التي غنموها من تلك الحروب التي يشنونها على بني جلدتهم من النساء الثريات وتلاميذ أبناء الميسورين ، وكذا التي يحصلون عليها من خلال السطو على بعض الفيلات والمنازل والمؤسسات المالية .كما صاروا لا يستحيون من عرض صورهم المقززة رفقة سكاكينهم وسيوفهم الطويلة تفاخرا بمنجزاتهم المتفردة في عالم الاجرام ، وتحديا لأجهزة الأمن ،وتحسيسا للمواطنين باللاأمن، وبعثا برسائل مشفرة مفادها أن اللصوصية لم تعد عملا فرديا مستورا ،بل صارت تفكيرا وأسلوبا في الحياة ،وأصبحت ميدانا للتباهي والتنافس حول الاتيان بما لم تستطعه الأوائل من اللصوص والصعاليك العرب التاريخيين مثل “الشنفري” و”تأبط شرا” و”السليك بن سلكة” ، وهؤلاء ، عكس أولئك ، جمعوا بين اللصوصية والشعر والكرم والشجاعة، بحيث أنهم كانوا يهبون ما يغنمونه للفقراء و أصحاب الحاجة .
ظاهرة “التشرميل” هاته التي اتخذت من الجريمة منبعا للتمويل واتخذت من “الفيس بوك” منبرا لاعلان التمرد واستفزاز الأجهزة الأمنية صارت ظاهرة مخيفة تهدد ثقة المواطنين في أمنهم وتبث الرعب في نفوسهم على أنفسهم وعلى أبنائهم وممتلكاتهم .
بعد كل هذا ، يمكن الآن أن نفهم القصد من مصطلح” التشرميل” المستعار من قاموس الطبخ والذي لا شك أن له علاقة بالتقطيع والتشريح والفرم والترقيد . واذا كان لـ “التشرميلة ” في المطبخ علاقة بالسمك والدجاج والغـنمي والبكري ، فمصطلح “التشرميل” الذي نحن بصدد الحديث عنه له علاقة بتشريح وتشرميل اللحوم البشرية ، وذلك ما يوحي به فعلا “المشرمل ” عند تلويحه بسيفه الطويل قائلا : ( غادي نشرملك ).
السؤال المطروح بعد تشخيص ظاهرة ” التشرميل ” الغريبة هاته، والتي أدت الى ارتفاع معدلات الجريمة بشكل ملحوظ وانتشارها حتى في المدن الصغيرة وبعض المراكز ، هو هل هذه الظاهرة تصريح صريح بأننا نعاني من أزمة تربية أم أننا بصدد أزمة أمن ؟؟ ثم من هي الجهة الواقفة وراء هذه الظاهرة ؟
طبعا ، لا يمكننا اتهام أية جهة بالوقوف وراء الظاهرة ، لأنه ليس لها توجها ايديولوجيا وانما لها توجها اجراميا . الا أنه يمكن أن نتهم أنفسنا جميعا بالضلوع فيها ، وذلك لأنها تكشف عن أزمة قيم في المجتمع المغربي عامة والأسرة المغربية خاصة .كما أن الظاهرة تعلن عن انهيار مؤسسات التربية وتشكك في نجاعة الأجهزة الأمنية وفي فعالية المؤسسات السجنية واعادة الادماج .
نقول ذلك بسبب تخلي الأسرة أولا ،و بشكل شبه نهائي، عن التربية وعن المراقبة والتوجيه . حيث نتساءل عن دور أسرة “المشرمل “أو المشرملة ” في مراقبة ومحاسبة أبنائهم عن أفعالهم وعن ممتلكاتهم الغالية الثمن ، ونتساءل أيضا عن دورها في التنشئة الأخلاقية وفي غرس القيم الدينية والوطنية والانسانية في نفوس أطفالها قبل أن يتسع الخرق على الراقع .
كما نتحسر ثانيا على مآل المؤسسات التعليمية التي صارت ” تهتم ” بالتعليم أو بالأرباح المادية وقدمت استقالتها من دورها في التربية والقيم ، والتي قوت التلميذ على المدرس بمذكرات وقوانين ، وغلت يد هذا الأخير ببرامج ومناهج أثبتت فشلها في تكوين وتخريج مواطنين صالحين لأنفسهم ولبلدهم .
ونتوجه ثالثا بالنقذ الجاد والحاد للمؤسسة الأمنية والضبطية التي تتحمل مسؤولية ردع مؤسسي هاته الحركة واعادة ادماجهم والتي نسائلها عن دورها قبل أن تتحول سلوكات شاذة هنا وهناك الى ظاهرة منظمة ومعلنة صارت تهدد الأمن العام وسلامة المواطنين ؟ ونتساءل كذلك عن دور الشرطة الالكترونية ،التي تتوفر على تقنيين ومهندسين مختصين في الهندسة المعلوماتية والانترنت والمدربين في أمريكا وأوروبا في مجال مكافحة الارهاب المعلوماتي، في تعقب مؤسسي صفحات “التشرميل” على “الفيس بوك ” لارهاب المواطنين ، ونشر هذه العدوى الخبيثة عبر جميع التراب المغربي .
ان هذا “التشرميل ” الذي يبدأ باللبس وينتهي ب”الحبس” سواء كان ظاهرة منظمة ، وهو كذلك ، أم كان سلوكات طائشة مفبركة بتقنية “الفوتوشوب “كما تقول المديرية العامة للأمن الوطني ، فان السلوكات الاجرامية الناتجة عنه واقع لا مفر منه ، وان ذلك ينبيء بموت الأسرة وانهيار المؤسسات ،لأن ممارس ” التشرميل” يكشف أن لا أسرة له ، ولم يستفذ من أي تعليم أو تكوين وبالتالي فهو ضحية مجتمع قبل أن يتمرد ويصبح له ضحايا .

بقلم الأستاذ : عبد العزيز بوسهماين

الاخبار العاجلة