من تناقضات “الزعيم” ميارة!

26 يوليو 2022آخر تحديث : الثلاثاء 26 يوليو 2022 - 10:06 مساءً
admintest
كتاب وآراء
من تناقضات “الزعيم” ميارة!

لم يمض كثير من الوقت على خروج الأمين العام لنقابة “الاتحاد العام للشغالين بالمغرب” التابعة لحزب الاستقلال، ورئيس مجلس المستشارين النعم ميارة، لانتقاد الحملة الشعبية التي تم إطلاقها على صفحات التواصل الاجتماعي منذ يوم الخميس 14 يوليوز 2022، المطالبة بخفض سعر البنزين والغازوال ورحيل رئيس الحكومة عزيز أخنوش، لفشل حكومته في إيقاف مسلسل الارتفاع المطرد للمحروقات، وما ترتب عنه من زيادات رهيبة في باقي أسعار المواد الأساسية.
حيث أنه لم يتردد “الزعيم” غير الأممي كثيرا في وصف هاشتاغ “أخنوش ارحل” الجاري تناقله على نطاق واسع بين المواطنات والمواطنين داخل وخارج المغرب عبر الشبكة العنكبوتية ب”الشعارات الجوفاء” المجهولة المصدر، والتي تعتبر في نظره أسلوبا سمجا لا يخدم بالمطلق مصلحة الوطن، ويضر أيضا باستقرار الاقتصاد الوطني…
فإذا بنا نفاجأ بذات المركزية النقابية التي يقودها ميارة الزعيم النقابي والقيادي بحزب علال الفاسي، تدعو الحكومة التي يعتبر حزب الاستقلال أحد أضلاعها الثلاثة بكامل الصراحة والوضوح، إلى التدخل الفوري للحد من آثار موجات الغلاء المتصاعدة والمتسارعة، والحرص الشديد على ضبط الأسعار ومراقبتها بحزم وصرامة. مستنكرة بشدة ترك المواطن المغلوب يواجه مصيره لوحده أمام تلاطم أمواج الأسعار وتحت وطأة تهاوي قدرته الشرائية، واكتفاء الحكومة بتبرير استمرار الغلاء الفاحش عبر ترديد أسطوانتها المشروخة حول تداعيات جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية وتقلبات السوق الدولية، التي لم تعد تقنع أحدا عدا أصحاب المصالح الخاصة.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل زاد “البيان الناري” الصادر عن واحدة من بين أكبر المركزيات النقابية الأكثر تمثيلية، الذي نجهل إلى الآن خلفيات صدوره في هذه الظروف الصعبة التي توجد فيها بلادنا فوق صفيح ساخن، بأن شدد على ضرورة التدخل العاجل لوقف ما وصفها ب”مهزلة أسعار المحروقات” دون أن يغفل ذكر بعض المقترحات من قبيل: تأميم شركة “سامير” لتكرير البترول بمدينة المحمدية، تسقيف أسعار المحروقات، تخفيف معدل الضريبة وتحديدها من هامش الربح، محاربة احتكار التوزيع في أيدي عدد محدود من الشركات مع اعتماد الشفافية التامة بخصوص “تركيبة السعر”.
ولا يفوتنا هنا التذكير بأنه فضلا عما أبداه من تناقض في تقييمه للأمور، فإن الزعيم النقابي والقيادي السياسي، هو نفسه من خاطب جموع العاملات والعمال المغاربة منذ حوالي شهرين في كلمة ألقاها بمناسبة احتفالات الشغيلة المغربية بفاتح ماي، يقول فيها بأن الاتفاق الموقع بين الحكومة والنقابات إلى جانب كونه يضمن السلم الاجتماعي، يدشن لمرحلة جديدة من الثقة المتبادلة من أجل تفعيل العدالة الاجتماعية، صون كرامة الطبقة العاملة، تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد وخلق فرص الشغل للعاطلين.
فأين تبخر كل ذلك الكلام الجميل عن التدشين للمرحلة الجديدة المتميزة بالثقة المتبادلة، العدالة الاجتماعية وكرامة المواطن وغيرها، إذا كنا مازلنا نعيش اليوم في حالة استنفار قصوى أمام ليس فقط غلاء المعيشة المقلق والمؤرق، بل كذلك تفاقم الأوضاع واستشراء الفساد وتزايد معدلات الفقر والأمية والبطالة، ولاسيما في أوساط حاملي الشهادات من خريجي الجامعات والمعاهد المغربية، واتساع دائرة الفوارق الاجتماعية والمجالية، فضلا عما خلفته حرائق الغابات الملتهبة في مناطق الشمال من خسائر فادحة ومآس اجتماعية مؤلمة، وما يلوح في الأفق من “أزمة عطش” قد تخنق حتى ساكنة المدن الكبرى وليس فقط القرى النائية، إثر تراجع حقينة السدود بسبب ندرة التساقطات المطرية وموجة الجفاف التي ضربت بلادنا هذه السنة بصفة خاصة؟
ثم أليس من باب التناقض الصارخ أن تتحدث نقابة “الاستقلال” عن “مهزلة أسعار المحروقات”، بينما يوافق زعيمها “ميارة” قبل أسابيع على اقتناء 11 سيارة من النوع الرفيع لفائدة أعضاء مكتب مجلس المستشارين الموقر، كلفت ميزانية ضخمة في ظل تأزم الأوضاع ضاربا عرض الحائط بمنشور رئيس الحكومة الداعي إلى ضرورة “شد الحزام” وترشيد النفقات، وهو الذي يفترض فيه أن يعلم بحسه الاستشرافي مدى حاجة البلاد إلى مزيد من التضحيات في اتجاه العناية بالفقراء، مد الطرقات والمسالك في المناطق الريفية النائية وتعبيدها، السهر على ربطها بالماء الصالح للشرب، تسوية أوضاع العمل الهش لعشرات الآلاف من المواطنين في مختلف المجالات وتوسيع التغطية الصحية والاجتماعية…؟ مما اعتبره عدد من فعاليات المجتمع المدني هدرا للمال العام، رافضين السماح بتمرير مثل هذه الصفقات “المشبوهة” ولاسيما في ظرفية اقتصادية واجتماعية صعبة.
إن ما يؤسف له حقا هو أنه بالرغم مما ظل يوليه ملك البلاد محمد السادس من اهتمام بالغ بالأحزاب السياسية والمنظمات النقابية، بلغ حد الرفع من الدعم العمومي لها حتى تكون في مستوى النهوض بمهامها في لعب دور الوساطة من خلال نقل هموم وانتظارات المواطنين، وخاصة في الشق المتعلق بصناعة النخب السياسية القادرة على تحمل مسؤولية تدبير الشأن العام بصدق وأمانة، والمساهمة الفعالة في تأطير المواطنين. بيد أن لا شيء من ذلك تحقق للأسف، في ظل ما نشهد اليوم من مناكفات وتدني مستوى الخطاب السياسي وتهافت على المناصب والمكاسب، بعيدا عن قضايا وانشغالات المواطنين، وأدى إلى النفور من الانخراط في العمل السياسي والعزوف عن المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية.
ثم إنه حتى لو افترضنا جدلا أن هناك بعض المنفلتين الذين لا هم لهم عدا إثارة الفتن والنقاشات العقيمة من خلف شاشات حواسيبهم وهواتفهم النقالة، وأنه يجوز على مضض وصفهم بالغوغائيين وشعاراتهم بالجوفاء، فمن المسؤول عن ذلك؟

اسماعيل الحلوتي

الاخبار العاجلة