20 فبراير، الربيع الذي لم يزهر

24 فبراير 2014آخر تحديث : الإثنين 24 مايو 2021 - 3:17 مساءً
admintest
كتاب وآراء
20 فبراير، الربيع الذي لم يزهر

عاد يوم 20 فبراير في نسخته الرابعة لعله يجد الربيع الذي كان قد غرسه وسقاه منذ أربع سنوات قد أزهر زهور التقدم والنماء وقد أخرج ورود العدل والرخاء وقد أثمر رجالا ونساء يصدقون وعودهم قبل أن يصدقهم غيرهم ، ويوفون بعهدهم قبل أن ينبههم غيرهم ، لكن هذا اليوم الذي كان حلما وصار تاريخا عاد بدون رجاله ولا نسائه وبدون شبابه ، عاد مشلولا بعد أن كانت له حركة حركت أصول الوطن وزعزعت مفاصله وأركانه ، وأرهبت رهبانه وعفاريته .
ها قد عاد اليوم الذي كان ما ان يذكر اسمه الا وجلت الأفئدة الضعيفة بفسادها ، وبلغت القلوب الخبيثة الحناجر خوفا على رصيدها المشبوه الذي جمعته في رمشة عين على حساب بؤس البؤساء، وحرصا على ممتلكاتها التي امتلكتها دون أن تسأل من أين لها ذلك .
في مثل هذا اليوم رقص ،من الفرح، البؤساء والمعطلون والمستضعفون ظنا منهم أنه قد جاء الخلاص من البؤس والفقر والعطالة والمحسوبية والارتشاء ،لكن هذا الرقم المتميز من ذاكرة الأيام يعيد دورته الرابعة وكأنه يوم كسائر الأيام ،لا أحد يلتفت اليه ، ولا أحد يكترث بعودته. حتى صانعوه تنكروا له . أما الذين ركبوا عليه ليصيروا أسيادا بفضله لم يذكروه بخير بعد وفاته ، بل صاروا يجلدون كل من ذكره أو خلده .
في مثل هذا اليوم ، استغل الشعب رياح الربيع العربي أو الديمقراطي الذي لم يزهر بعد ، فنادوا باسقاط الفساد، الا أن الشعب سقط ولم يسقط الفساد . سقط الشعب لأن البؤس مازال متربصا بأهله ، والذين استفادوا سابقا مازالوا يستفيدون حتى الان ، والذين أخذوا عفونا عنهم ، وصاروا منا وصرنا منهم ، والذين كانوا “مافيدهومش” صار كل شيء في يدهم.
لا شيء تغير . فالهواتف التي كانت ترن سابقا للتوسط والارشاء والتوظيف مازالت تؤدي دورها كما ينبغي ،والشوكلاط الذي كان يقتنى من مال وزارة التربية الوطنية في عهد الوردة مازال يقتنى من نفس الميزانية ، لكن في عهد الربيع ، مما يستدعي احداث تغيير طفيف في اسم الوزارة لتصير ” وزارة التربية للتلميذ والشكلاط للوزير” .
مطالب البيان التأسيسي للحركة التي “ماتت وتبريمات” بعدما غير معظم أصحابها معاطفهم اثر عمليات التجميل التي خضعوا لها خوفا وكرها أو طمعا لم يتحقق منه الا القليل القليل كتغيير الدستور وتغيير بعض الأشخاص والمناصب … وحيث أن الأشخاص في المغرب يتغيرون ويتلونون كالحرباء تبعا للمنصب الذي تربعوا عليه واستطابوا الجلوس على كرسيه الوثير عملا بنظرية التطور و التكيف لعالم التاريخ الطبيعي البريطاني “تشالرز داروين” التي تؤمن بأن الوظيفة تخلق العضو .أي أن الشخص عندنا سرعان ما يتخلى عن شعاراته وعن وعوده وعن عاداته في اللباس والأكل والكلام بمجرد ما تتغير وظيفته ويتطور مستواه الاجتماعي والاقتصادي . بل تجد منا من يحلق لحيته ويضبط ربطة عنقه أكثر من اللازم ،على غير عادته طبعا ، ليليق بالمهمة الجديدة ، بل وقد يتنازل عن الكثير من قناعاته من أجل البقاء فيها .
يوم 20 شباط ، أي شهر فبراير وليس شباط الذي خاطبنا عبر شاشة القناة الثانية ليرد على زميله في بيع الكلام والفكاهة البئيسة والتباهي بالأحفاد رقصا وارضاعا ،والتنابز بالألقاب وتبادل الشتائم، هو يوم أذن بدخول الربيع الذي ولد في تونس الى بلدنا ، لكن هذا الربيع لم يزهر لدينا بسبب انشغال النخبة بنفسها وبكراسيها خوفا على ضياع الفيلا والسيارة الفارهة وربطة العنق الأنيقة وحلاوة السلطة .
لكن في المقابل ، يمكننا أن نتساءل : هل ربيعنا الأخضر الذي لم يزهر أفضل أم أسوأ من ربيع مصر الذي اصفر قبل أوانه وذبل وانتهى الأمر ؟ وهل ربيعنا الذي أثمر ثمارا عالية لم يستطع الشعب القزم قطفها خير أم أسوأ من الربيع السوري الذي أنبت أشواكا طويلة أدمت أجساد الشعب الى أن أقبرت الدماء حضارة الشام العريقة فصار السوريون يكرهون فصل الربيع وهاجروا مساكنهم بحثا عن أي خريف .
بالطبع ، ربيعنا – وان لم يزهر بعد – أفضل بسنوات ضوئية من ربيعهم . وكي يزهر ربيعنا ويثمر لا بد للشعب أن يسقط الفساد الذي يصنعه بيده ويرعاه بنفسه ، ولا بد للنخبة أن تكف عن استبلاد الشعب والاستهانة به ، ولا بد للذين تقلدوا المناصب التي ما كانوا ليبلغوها لولا ربيع 20 فبراير أن يكفوا عن تكسير عظام الشعب واعتقال أجساده و أفكاره و أقلامه وأن يتوقفوا عن اضافة المزيد من الثقوب في جيوبه.

بقلم: عبد العزيز بوسهماين

الاخبار العاجلة