وزير العدل ينحاز للطبقة المتوسطة!

21 يوليو 2022آخر تحديث : الخميس 21 يوليو 2022 - 4:45 مساءً
admintest
كتاب وآراء
وزير العدل ينحاز للطبقة المتوسطة!

منذ تعيينها من طرف ملك البلاد محمد السادس في 8 أكتوبر 2021، لم تفلح حكومة عزيز أخنوش رئيس حزب “التجمع الوطني للأحرار” في شيء، عدا في عملية دعم مهنيي النقل الطرقي التي بلغت مرحلتها الرابعة منذ أن أطلقتها ابتداء من شهر مارس 2022، بدعوى الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين، في ظل تواصل مسلسل ارتفاع أسعار المحروقات ومعها سائر أسعار المواد الغذائية واسعة الاستهلاك، في حين أنها مازالت إلى اليوم عاجزة عن تفعيل ما جاءت محملة به من وعود، تتوخى من خلالها تجاوز التداعيات الاقتصادية التي خلفتها جائحة “كوفيد -19″، تحسين ظروف العيش، الرفع من الرواتب والأجور، مكافحة الفساد، تقليص معدلات الفقر والبطالة والفوارق الاجتماعية والمجالية…
فبعد مرور تسعة شهور بالتمام والكمال من التخبط والارتجال، لم تزدد الأمور للأسف إلا سوء والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية إلا تدهورا، مما ساهم في تنامي الشعور بالإحباط وارتفاع منسوب الاحتقان والغضب، وأدى ليس فقط إلى تنظيم وقفات ومسيرات احتجاجية منددة بالغلاء الفاحش والقمع والفساد ومطالبة بالعيش الكريم والحرية، بل إلى خوض عدد من المركزيات النقابية إضرابات وطنية عامة، احتجاجا على الارتفاع المهول في أسعار المحروقات وما رافقها من ارتفاع أسعار جل المنتجات والمواد الغذائية التي بلغت أعلى المستويات بشكل غير مسبوق، والمطالبة بخلق فرص شغل ملائمة للعاطلين من خريجي الجامعات والمعاهد ومراكز التكوين المغربية والزيادة في الأجور والمعاشات…
إذ أنه لم يعد مقبولا أن تستمر الحكومة في الهروب إلى الأمام بدل الانكباب الجاد والمسؤول على ابتكار حلول ملائمة للخروج من الأزمة القائمة بأقل الأضرار، متذرعة بالإرث الثقيل للحكومة السابقة، الظروف الاقتصادية الدولية الراهنة والحرب الروسية الأوكرانية وارتفاع أسعار المواد الأولية في السوق العالمية، وكذا ارتفاع تكاليف النقل الدولي وموجة الجفاف التي ضربت الموسم الفلاحي، عوض إيلاء هذا الملف “الشائك” الذي أضر كثيرا بالقدرة الشرائية للطبقات الفقيرة والمتوسطة ما يليق بمعالجته من أهمية بالغة، ولاسيما أن هناك عديد المخرجات العملية التي لن تكلفها أكثر من التوفر على إرادة سياسية قوية. كأن تعمل مثلا على إعادة تشغيل مصفاة “سامير” بمدينة المحمدية، تسقيف أسعار المحروقات، خفض الضريبة على القيمة المضافة بحوالي 50 في المائة بصفة مؤقتة، التراجع عن الضرائب التي تقررت في ميزانية 2022، رفع الأجور والمعاشات، تحقيق العدالة الاجتماعية، إعادة توزيع الدخل وتسريع وتيرة تفعيل السجل الاجتماعي الموحد. والحرص على جعل الأمن الغذائي والدوائي ضمن أولويات الدولة الاجتماعية، دون إغفال تحديد أثمنة بيع المنتجات الأساسية حسب الضوابط القانونية، عبر تسخير آليات الرقابة والضبط في اتجاه ضمان منافسة شريفة ومحاربة المضاربة والاحتكار، وتأمين الحفاظ على القدرة الشرائية.
إذ لا أدل على ما وصلت إليه الأوضاع من تأزم يهدد الاستقرار وينذر بالانفجار في كل لحظة وحين، ما لم يسارع التحالف الحكومي الثلاثي إلى تدارك الأمور، أكثر مما ورد من تحذير صريح وواضح على لسان وزير العدل عبد اللطيف وهبي الأمين العام لحزب “الأصالة والمعاصرة” حول تأثر الطبقة المتوسطة بارتفاع الأسعار وانعكاس ذلك على استقرار المجتمع، وذلك يوم الثلاثاء 28 يونيو 2022 بالرباط، خلال اللقاء الختامي للقاءات الجهوية التي تنظمها المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان حول الاستعراض الدوري الشامل. حيث أشار إلى أن الأزمة الحالية لا تمس فقط بالطبقة الفقيرة باعتبارها الضحية الأولى، بل تصيب كذلك الطبقة المتوسطة التي تعتبر مناط الاستقرار السياسي والمؤسسات في الدولة.
ولم يقف سيادة وزير العدل عند هذا الحد، بل زاد قائلا بأن التوقعات تشير إلى استمرار أزمة ارتفاع أسعار الطاقة خلال الشهرين القادمين، وأن موضوع الغلاء حاضر بقوة في عمل الحكومة خلال اجتماعاتها الأسبوعية، حيث كثيرا ما تنقسم الآراء بين المطالبة بالزيادة في الأجور وتخفيض الأسعار. لافتا إلى أنه سبق لها أن طرحت للنقاش في لقاءاتها قبل اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية مسألة تغيير النمط الاقتصادي المعتمد، بهدف جعله أكثر استجابة للتغيرات الراهنة والتطلعات الوطنية. ناسيا أن المغاربة ليسوا بحاجة إلى أحلام اليقظة ولغة الخشب، بقدر ما هم أكثر حاجة إلى إطلاق مبادرات اجتماعية تكون في مستوى الأزمة التي تعيش على إيقاعها البلاد. إذ كيف يعقل أن يتواصل ارتفاع أسعار المواد الأساسية، في ظل تزايد معدلات الفقر والبطالة وتجميد الأجور والمعاشات؟ فالمغاربة يريدون إحقاق الحقوق والتوزيع العادل للثروة، وأن يتحمل أصحاب القرار مسؤوليتهم السياسية والتاريخية. إذ أنه في حالة تواصل صمت الحكومة وعدم اتخاذها إجراءات صارمة لصون كرامة المواطنين وحماية قدرتهم الشرائية، فإنها ستكون لا محالة أمام تهديد التماسك الاجتماعي بالبلاد.
إن الانحياز الأكبر الذي يأمل المغاربة في أن يتحقق سريعا على أرض الواقع ودون انتقاء، هو الانتصار لقضاياهم العادلة والاستجابة لتطلعاتهم العاجلة، بدءا بمراجعة أسعار المحروقات وما ترتب عنها من غلاء فاحش، لم يعمل سوى على مفاقمة أوضاعهم الاجتماعية. التقليص من معدلات الفقر والبطالة والفوارق الاجتماعية والمجالية، ومكافحة مختلف أشكال الريع والفساد على الصعيدين المحلي والجهوي، السهر على تطبيق الجهوية الحقيقية، تنزيل توجهات النموذج التنموي الجديد وإحداث قطيعة مع الخيارات الفاشلة التي أوصلت البلاد إلى ما هي عليه من ترد، فضلا عن إحداث التغيير المأمول ومباشرة الإصلاحات الكبرى سياسيا واجتماعيا من أجل بناء صرح الديمقراطية وإحقاق العدالة الاجتماعية.
اسماعيل الحلوتي

الاخبار العاجلة