هل من انتفاضة ضد الرداءة والتفاهة؟

3 أكتوبر 2022آخر تحديث : الإثنين 3 أكتوبر 2022 - 5:11 مساءً
admintest
كتاب وآراء
هل من انتفاضة ضد الرداءة والتفاهة؟

ذ.نصر الله البوعيشي

انتشرت في الآونة الأخيرة على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي ظاهرة ما يعرف ب “البوز” أو الشهرة الاجتماعية من طرف بعض “المجرمين والمجرمات ” الذين قضوا مددا كبيرة في السجن بسبب جرائم خطيرة تصل حد القتل . لم يعد الامر يقتصر فقط على فيديوهات غير الهادفة التي يقبل عليها مع الاسف الشديد عدد كبير من شبابنا وشاباتنا الذين أصبحوا يلهثون بشكل فظيع وراء الفضائح و متابعة اشخاص تافهين اكتسبوا شهرة من خلال فعل جنوني او من خلال فضيحة اقترفوها أو حتى عمل غبي اوصلهم إلى قائمة الأعلى مشاهدة على منصة اليوتيوب .، وقد تخصصت بعض المواقع المعروفة مؤخرا في عرض استجوابات مع مجرمين محترفين ومجرمات محترفات بأجساد موشومة وتسريحات غريبة يتفننون من خلالها في تقديم الجرائم التي اقترفوها والتي كانت سببا في دخولهم السجن ويفتخرون بالفترات الطويلة التي قضوها بين جدرانه ومغامراتهم داخل العنابر وحروبهم الدموية مع زملائهم السجناء بسبب سيجارة يقدمون ذلك بكل زهو وبكل افتخار ، غير نادمين ولا تائبين بل ويصرحون بانهم مستعدون للاستمرار في السرقة والضرب والجرح والقتل اذا اقتضى الحال ولا تتضمن هذه الفيديوهات في اغلبها أي تحذير للشباب من السقوط في براثن الجريمة او من تعاطي للمخدرات . فلا تستغربوا اذان أذا خرج شبابنا الى الشارع ملوحين بسيوفهم معترضين سبيل المارة نهارا جهارا بوجوه مكشوفة بدون خوف ولا وجل إنهم يسعون الى دخول السجن وانهم وسيعاودون الكرة مائة مرة والا فما لا معنى للرجولة وللشهامة ؟ وما هي الى الشهرة ام لم تكن دخول السجن مرات ومرات ؟
هل هذه هي قيم الحرية والتواصل والحق في التعبير ؟ هل تحولت مواقع التواصل الاجتماعي من فضاء لتداول المعلومات الصحيحة والدقيقة و تبادل الافكار و التعريف بالنماذج الناجحة وفضح لممارسات الفساد هل تحولت من مجال للترفيه الهادف الى التنكيت المبكي والمحزن وهل تحول هذا الفضاء من منصات للتعليم والتعلم والتثقيف ونشر المعرفة ، الى فضاء لنشر الرذيلة والتفاهات والجهل والشعوذة وعرض المؤخرات ونشر فتوحات المجرمين واللصوص والمهربين واعلانات المشعوذين والنصابين والمحتالين هل تحولت الى بوق لنشر الشائعات والنيل من اعراض الناس او الذين نختلف معهم من حول مواقع التواصل الاجتماعي الى دكاكين لبيع المستحضرات المهدئة والمسكنة والمعالجة بعيدا عن المراقبة الطبية مستغلة بعض الوجوه المعروفة برضاها او بغير رضاها العلم عند الله لأنه في هذا العالم الافتراضي كل شيء ممكن ، الا تدعونا هذه الاستخدامات التي حولت فضاء مواقع التواصل الاجتماعي الى سوق للمتلاشيات الى التساؤل الى اين في غياب مراقبة صارمة على هذه المحتويات وفرض قيود عليها وحظرها اذا اقتضى الحال لما تبثه من سموم في صفوف الشباب ولما تنشره من ضحالة فكرية.
في الماضي لكي تأخذ صورة فانت محتاج الى آلة تصوير وفيلم وتحميض واخراج ثم ينتهي الامر بالصورة في الالبوم الشخصي او في احسن الحالات في جريدة ورقية اذا كان صاحبها صحفيا أو مراسلا تقتصر مشاهدتها على عدد قليل من قراء تلك الجريدة ، أما اليوم يكفي التوفر على هاتف بسيط رخيص لالتقاط الصورة او الفيديو ونشرها مباشرة على مواقع التواصل الاجتماعي ليشاهدها المئات وربما الالاف وقد تصل المشاهدات الى الملايين ، وقد رأينا كيف ان بعض الناس بدل ان يهبوا لنجدة ضحايا حوادث او الكوارث يكتفون بالتفرج عليها من خلال اخذ صور بعدسات هواتفهم لتحقيق السبق بل وهناك قنوات محترفة اصبحت تتواجد في اماكن الجرائم والحوادث حتى قبل حدوثها( هذه مبالغة لأبين سرعة تواجها في عين المكان ) ولا نرى اثرا لكاميرات هذه القنوات في الانشطة الفنية والثقافية وفي الاضرابات والوقفات الاحتجاجية . هذا ناهيك عن مئات الكاميرات المبثوثة في الشوارع وفوق السطوح وفي مداخل البنيات والمتاجر والادارات التي تصور على مدار الساعة كل نملة تدب فوق الارض الف عين تترصد وتتلصص وترصد تحركات الناس وتنشر احيانا محتوياتها للعموم دون اذن او علم من المعنيين بالأمر بالرغم من وجود قانون منظم .
قد يتخوف البعض – وتخوفهم في محله – من أن دعوتي إلى مراقبة بعض المحتويات المنشورة علي مواقع التواصل الاجتماعي وحظر الأنشطة الخطيرة على المجتمع المتداولة عبر حساباتها سيكون مناسبة للحكومة من خلال الأجهزة الامنية إلى استهداف المعارضة السياسية والى انتهاك خصوصية الاشخاص والى التضييق على حرية التعبير والى التجسس على المراسلات الشخصية والتنصت على المكالمات والرسائل النصية وما الى ذلك من الخصوصيات والى حذف وحظر كل رأي مخالف .
ان من متطلبات أمننا واستقرارنا الوطني حماية قيمنا المجتمعية من هذا المسخ الذي يطالها و من هذه التفاهة المعروضة يوميا ومن هذا النكوص الاخلاقي الذي تعج به بعض المواقع والتي اصبحت معه مراقبة محتوى وسائل التواصل الاجتماعي أمرًا بديهيًّا بل وضرورة واجبة لا يمكن إنكارها ولكن على أساس أن أعمال رصد وتحليل وتعقب ما ينشر يجب ان يكون في اطار قانوني وتحت اشراف قضائي بعد صدور قانون خاص واضح البنود والمواد لا لبس فيه ولا يحتمل تعدد القراءات والتأويلات يكون الهدف منه الحيلولة دون انحراف الرقابة لممارسات تمييزية أو تجسسية او اجراءات انتقامية او حدا من حرية التعبير رقابة تحقق التوازن بين حرية استخدام مواقع التواصل الاجتماعي والحد من مخاطرها .
أنا متفق مع من يقول بانه لا يمكن أن يتم الاعتماد على نزاهة الأجهزة التنفيذية ، ولكن اذا تم بناء منظومة رقابة متكاملة تجمع بين وضع قوانين ترسخ القواعد الدستورية الكافلة لحقوق الأفراد وحماية خصوصياتهم وترشيد الأداء الأمني، وتفعيل أدوات الرقابة والمساءلة من ناحية، والإشراف القضائي من ناحية أخرى وتفعيل ادوار الديمقراطية التشاركية من خلا اشراك جمعيات المجتمع المدني في رصد الاختلالات والتبليغ عن المحتويات التي لا تحترم القانون والكشف عنها وإعمال قواعد المحاسبة بشأنها فانا اعتقد انه يمكن ان نستمر على ضمان حرية التعبير والحفاظ على الخصوصية وفي نفس الوقت تنظيف مواقع التواصل الاجتماعي من الكلام التافه والشخصيات التافهة والفن التافه ومع الاسف حتى الاعلام الذي يمكن ان نفر اليه او نستنجد به من هذه التفاهة تافه وبرامجه تافهة . اذن لا بد من رقابة ، و هذا لا يعني بانه ليس هناك رقابة على مواقع التواصل الاجتماعي بل هناك عدة رقابات ولكنها حتما لا تصب في مصلحة المواطن ولا تهدف الى حمايته بقدر ما تهدف الى اما الى التجسس عليه وانتهاك خصوصياته ومراقبة حسابات الخصوم السياسيين أو تتبع توجه السوق التجارية والمنتوجات الاكثر استهلاكا لجني مزيد من الارباح او الرقابة من اجل ترصد وتحليل للاتجاهات داخل مواقع التواصل لما لها من أهمية بالغة لنشاطات بعض المؤسسات العالمية . ولكن لا أحد يراقب المحتويات التافهة التي افسدت الأذواق والاخلاق.
لقد فتح ابناؤنا عيونهم على هذه الرداءة التي جعلت من التافهين ابطالا ومن المجرمين رموزا ، واصبحوا اطفالنا وشبابنا لا يعرفون ابطالهم الحقيقيين وفنانيهم المبدعين وعلماءهم المرموقين وادباءهم المشهورين . فهل من ثورة ضد هذه الرداءة وهل من انتفاضة ضد التفاهة لصالح مستقبل شبابنا؟

الاخبار العاجلة