مدارس البعثة الفرنسية والاجنبية في المغرب في خدمة من ولخدمة من؟؟

19 نوفمبر 2022آخر تحديث : السبت 19 نوفمبر 2022 - 4:21 مساءً
admintest
كتاب وآراء
مدارس البعثة الفرنسية والاجنبية في المغرب في خدمة من ولخدمة من؟؟

ذ: محمد بادرة

ترجع اسباب توطين التعليم الاجنبي في كثير من البلدان العربية والمغاربية الى عوامل دينية وسياسية في المقام الاول، اذ اتخذت في البداية طابعا تبشيريا كطريق لنشر مذاهب الديانة المسيحية (استهدفت البابوية تقوية نفوذها في الشرق عامة وفي مصر خاصة من خلال نشر المذهب الكاثوليكي تم استتبعته المذاهب المسيحية الاخرى) جرجس سلامة – تاريخ التعليم الاجنبي في مصر في القرنين التاسع عشر والعشرين) ص15
وحين تعرضت المنطقة لغزو استعماري في القرن التاسع عشر قامت القوى الاستعمارية وادواتها التبشيرية من القساوسة والمستشرقين والصليبيين ببسط نفوذها على الحياة الثقافية فصاحب الغزو العسكري غزو ثقافي مكثف اتخذ من التعليم عمادا له، ومن الدول التي كان لها اهتمام ومطامع استعمارية بالمنطقة العربية والمغاربية –خصوصا- انجلترا وفرنسا وكان لهذه الاخيرة النصيب الاكبر في نشر مدارس التعليم الاجنبي ببلداننا واقطارنا غير انه ما ان تحول التعليم في فرنسا من ديني الى علماني حتى اثر ذلك على المدارس التابعة لها في الخارج.
لقد كان الهدف الاساسي من انشاء هذه المدارس هو الحفاظ على تراثها وتقاليدها وعاداتها لذى ابنائها المقيمين خارج اوطانهم، لكن فيما بعد سمح لغير الفرنسيين والافرنجيين بتلقي التعليم والعلم من هذه المدارس، فولجها ابناء الاعيان وابناء الطوائف الدينية الاخرى وكذا ابناء الاثرياء في بلدنا فنشا افراد بل جيل من المغاربة تلقوا تعليمهم في هذه المدارس الاجنبية اغلبهم يجهلون الكثير عن تاريخ وطنهم ثقافة وحضارة ولغة و لا يجيدون التحدث باللغة العربية الفصحى.
لا يمكننا ان ننسى ثانوية “ليوطئ” كأول مدرسة ثانوية فرنسية مشهورة في الدار البيضاء تحمل اسم اول مقيم عام فرنسي في المغرب، كان تاريخ انشائها سنة 1921 مما يبين ان العمل الاستعماري لا ينفصل عن العمل التربوي للمستعمر ولوانه الان لم يعد بلدنا مستعمرا الا ان الزمن لم يمحو الاصل الكولونيالي لهذه المؤسسات وهي دائما (تدعي انها تشتغل في اطار منهج تثاقفي وهو منهج يسعى الى اغتراب ثقافي للتلاميذ المغاربة الذين يدرسون في هذه المؤسسات الفرنسية، وهم يعيشون في ارض بلادهم اذ يتحدث الكثير منهم اللغة الفرنسية اكثر مما يتحدثون بلغتهم الوطنية ويعتبر اتقان اللغة العربية الفصحى في هذه المؤسسات بمثابة الشيء المستحيل لان منهج الدراسة في هذه المؤسسات يشجع ضمنيا التفوق الايديولوجي والسلوكي للغة الفرنسية على اللغة العربية. والمنهج التثقيفي هو احد الادوات التي يستعملها المستعمر لضمان استمرار واستقرار نموذجه الغربي حيث كان يهدف الى خلق سيطرة مزدوجة ترتكز على تربية نخبة محلية لدعم مصالحها الاقتصادية والسياسية..) حمزة ابن البشير السبتي
وتعد شبكة المؤسسات التعليمية الفرنسية في المغرب واحدة من اوسع الشبكات التعليمية الفرنسية في العالم فهي تضم اكثر من 40 مدرسة او مؤسسة تعليمية وثقافية مع عشرات الالاف من التلاميذ المغاربة.
هذه المدارس والمؤسسات التعليمية الفرنسية اصبح يتسع نفوذها حتى اصبحت احد المظاهر الواضحة لطبقية التعليم في مجتمعنا فهي تخدم اقلية من ابناء المجتمع وتمثل النخبة فيه، اما الولوج اليها فيفرض على العائلات التي لها ابناء يدرسون فيها امكانيات وموارد مالية ومادية مرتفعة ليس لذى الفئات المتوسطة والصغيرة مثل تلك الامكانيات المادية لتدريس ابنائها فيها، لذا فهي ليست مفتوحة الا لمن هم اغنى واثرى، وبذلك فهذا النموذج التعليمي الفرنسي هنا لا يحترم القيم الديموقراطية الفرنسية كما هي هناك في فرنسا (تعليم نخبوي) …انها تخلق منطق “الحكرة” التي تسيطر من خلاله طبقة مهيمنة تتحدث بلغة المستعمر السابق على طبقات اجتماعية اخرى ادنى مما ينعكس سلبا على بنياننا العمراني – الاجتماعي حتى انه في تداولنا اللغوي الشعبي يتم التفريق بين (ولاد لا ميسيون) اي ابناء البعثة الفرنسية و(ولاد مدارس الشعب) اي ابناء المؤسسة العمومية، لكن قبل هذا وذاك كلهم ابناء هذا الوطن لا يختلفون الا في التنشئة التربوية واللغوية بين مؤسستين متعارضتين قيميا وسلوكيا ولغويا,
ان اخوف ما نخاف منه ان يتم خلق اجيال من المتعلمين الذين يعيشون مغتربين عن وطنهم، فلا يشعرون بالانتماء اليه، يفكرون بعقلية الاخر ويخضعون لثقافته بعد ان يتخلوا عن طابعهم القومي والوطني وهنا يكون لعوامل التنشئة الاجنبية في المدارس السر الرئيسي في ذلك.
هذه الازدواجية اللغوية او الازدواجية في التنشئة التربوية انما نقصد بها وجود تعليم فرنسي او اجنبي جنبا الى جنب مع تعليم وطني يمثل كل منهما اطارا فكريا مختلفا باختلاف اللغة الام او اللغة الوطنية واختلاف التنشئة التربوية والاجتماعية والفكرية.
فماهي مكونات هوية المتعلمين في هذه المؤسسات في خضم التداخل اللغوي والصراع الثقافي وثنائية الانتماء ؟
وماهي اليات مقاومة هؤلاء لكل اشكال الاندماج في النسق الاجتماعي للآخر؟
وهل نستفيد من هذه النخب المغربية التي تتخرج من هذه المؤسسات ؟
هذه التساؤلات وغيرها تنطلق من اشكالية البحث المفترضة انه كلما ابتعد المغربي عن هويته كلما تمكن المجتمع الفرنسي من استيعابه وابتلاعه !!!
ان اللغة تعتبر الوعاء الحاوي للثقافة وهي وسيلة التفكير الذي يحدد رؤية العالم وقوانينه لذلك شكلت معرفتها اهم ركيزة لتحصين الهوية والذات والشخصية وان الدفاع عنها واجب بالضرورة يضمن للامة استمراريتها ويحفظ لها مكانتها المنوطة بها بين الامم الاخرى كما جاء في قانون ابن خلدون اللغوي( ان غلبة اللغة بغلبة اهلها وان منزلتها بين اللغات صورة لمنزلة دولتها بين الامم).
اللغة تحمل الثقافة وتنقل التراث وتوطد العلاقة بالوطن الام وتعزز الافتخار بالتاريخ وبالانتماء ومن ثم فان تجريد الانسان من لغته هو في الاصل مساس بهويته واضعاف لمقوماتها الاساسية فكلما تخلى الفرد في مثل هذه المؤسسات عن لغته الاصلية كلما كانت علاقته مع الفرنسي قوية، وبالعكس كلما تمسك هذا الفرد بلغته الاصلية كلما كان محصنا في هويته اثناء اختلاطه بالأخر. فانقطاع الفرد عن لغته يجعل من لسانه عجميا (فرنسيا) يكتسب من خلاله قيم ومعايير ونظم المجتمع الاخر، لان اللغة كأداة للتواصل والاتصال هي كذلك اداة اختراق للأنساق الفردية وحدوث التبعية.
لا شك – كذلك – ان من خطورة هذا التعليم الاجنبي تكمن في رسالتها الثقافية والسياسية حيث تعتمد الدولة الاجنبية على هذه المدارس والمعاهد التابعة لها لنشر ثقافتها كوسيلة لتوثيق وجودها السياسي بها وتقوية نفوذها كما تسعى لخلق اجيال من المواطنين تتجه بولائها نحو الدولة التي تعلمت بمدارسها، وما هو امر واخطر ان هناك مدارس اجنبية تابعة لدول عديدة كالولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا واسبانيا… مما يفرز افرادا او اجيالا غير متجانسين من المتعلمين يختلف انتماؤهم باختلاف الدول المؤسسة والموجة والمسيرة لتلك المدارس التي تعلموا بها قواعد اللغة وقواعد السلوك، وعندئذ فان هؤلاء قد لا يعرفون الا القليل عن وطنهم و يعرفون الكثير عن تلك البلاد الاخرى التي قد يبتعدون عنها من حيث المسافة لكن يقتربون منها لغويا وسلوكيا ووجدانيا وليس مرجع ذلك فقط ان المدارس الاجنبية كانت تهتم فقط بالمواد التي تتعلق بالدولة التي تنتمي اليها وتغفل المواد الوطنية رغم ما لذلك من اثر على فكر المتعلم وتوجيه انتمائه العاطفي والفكري معا، وانما السبب الرئيسي يكمن في اللغة، واللغة ليست مجرد وسيلة تعبير او وسيلة مخاطبة بل ان اللغة هي انعكاس للفكر، انها بنيان فكري متكامل يعكس ثقافة امة ويعبر عن تراث حضارتها.
التعليم الاجنبي يمثل(دولة داخل دولة، ونظام داخل نظام)لها استقلاليتها وفلسفتها الاجنبية تستمدها من مبادى التعليم الاوربي العلماني، مما ينعكس سلبا على المنظومة التربوية عندنا حتى اصبح التعليم لدينا يعاني ازدواجية تقوم على وجود نظامين من التعليم احدهما اجنبي والاخر وطني في مجتمع واحد !!!
اما اثرها على نمط حياة الفرد الذي استلب فكره وسلوكه فان ذلك يؤدي الى ربط جسور
التواصل والاندماج مع ثقافة الاخر، ويؤدي الى حدوث تناقضات يعيشها المغربي في بلده فبالإضافة الى التناقض في انماط التنشئة التربوية فانه قد يعاني من اضطراب الواقع لأنه في الوقت الذي يرى فيه تعاملا على كل من يريد ان يقيم شعائر الدين يجد في المقابل ان العطل المدرسية والوطنية معظمها قائم على اساس ديني، لكنه يرى زملاءه واصدقاءه الفرنسيين كيف يحتفلون بعيد ميلاد المسيح بطقوس لا صلة لها بعاداتنا وتقاليدنا.
وفي هذا الشأن يرى (ج. كيل)ان(الاسلام يطبع هوية المغاربي، يطبع سلوكه ويميزه عن النمط الفرنسي ومن تم يصعب استيعاب المغاربة، لذلك ينبغي امتصاصهم واحدا واحدا ) وهذا الامتصاص لن يتم الا اذا تم تجريدهم من دينهم وتقاليدهم وعاداتهم ولغتهم. لأنه كلما كان الالتزام بالدين قويا كلما كان الشعور بالانتماء الى المجتمع الفرنسي ضعيفا والانتماء يعني في جوهره تبني نمطية سلوكية معينة لمجتمع معين.
ولحماية ابنائنا ومتعلمينا من الاستيلاب اللغوي والثقافي والديني تم عقد اتفاقية في سنة 2000 حول تدريس اللغة العربية في المدارس الفرنسية في المغرب بهدف اجبار المؤسسات التعليمية الفرنسية على توفير تدريس(اللغة والثقافة العربية) للتلاميذ المغاربة لكن هذا الاتفاق لم يحقق كل مبتغاه، لان كثير من تلاميذ هذه المؤسسات لا يجيدون القراءة والكتابة والابداع باللغة العربية الفصحى التي يعتبرها الدستور المغربي لغة رسمية للدولة وان كانت هناك استثناءات خصوصا من التلاميذ المغاربة الذين ينضمون الى التعليم الفرنسي في مرحلة متأخرة (الاعدادي – الثانوي) بعد ان يكونوا قد استفادوا واخذوا قسطا مهما من قواعد اللغة العربية الفصحى في مؤسساتنا الوطنية التعليمية العمومية .
لا شك ان خطورة هذا التعليم الاجنبي تكمن في اهداف ذلك النوع من التعليم الذي يحمل رسالة لها جانبها السياسي والثقافي واللغوي، وتعتمد تلك الدول على هذه المؤسسات لنشر ثقافتها ولغتها كوسيلة لتوثيق وجودها السياسي بها وتقوية نفوذها الاقتصادي والمالي مما سيحرمنا من الاستقلال التام عن النفوذ الاجنبي.
ان تفوق هذه المؤسسات التعليمية الاجنبية تسبب في حدوث فجوة تربوية عميقة بين التعليم الاجنبي والتعليم المغربي، وهذا التفوق يبدو واضحا على كل المستويات تخطيطا وادارة وطرائق ومناهج وتقويم…اما مؤسساتنا فتجني الفشل تلو الفشل مما يدفع بعض العائلات التي ينتمي بعضها الى الطبقة المتوسطة وحتى الصغيرة منها، اللجوء الى هذه المؤسسات الاجنبية عبر تقديم تضحيات مالية كبيرة (الاقتراض) لتعليم ابنائها كيفما كانت التضحيات المادية دون ان تعي خطورة ما قد يحصل لأبنائها من اغتراب وانقطاع لغوي ووجداني وثقافي عن البلد الام …

الاخبار العاجلة