ماذا بعد انخفاض أسعار الزيوت والمحروقات؟!

5 أغسطس 2022آخر تحديث : الجمعة 5 أغسطس 2022 - 11:39 صباحًا
admintest
كتاب وآراء
ماذا بعد انخفاض أسعار الزيوت والمحروقات؟!

أمام حالة الاختناق التي ظلت لشهور تكتم أنفاسه وتعصر قلبه، بفعل توالي الزيادات في أسعار المحروقات التي بلغت أرقاما قياسية إثر اندلاع حرب روسيا على أوكرانيا في أواخر شهر فبراير 2022، وما نجم عن هذه الأسعار الحارقة من غلاء مفرط في باقي المواد الأساسية الأخرى، وفي ظل هزالة الأجور والرواتب وتزايد معدلات الفقر والبطالة، صار المواطن المغربي يبحث لنفسه عن جرعة أكسجين تخلصه من وضعه المتأزم وتحرره من وطأة الضغط النفسي…
إذ أنه وفي الوقت الذي تتلاحق فيه الاحتجاجات في الشارع وعبر وسائط التواصل الاجتماعي، مستنكرة ما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية من ترد صارخ، ساعد على تفاقمها تصاعد موجة غلاء الأسعار الفاحش، ومطالبة بوقف هذا الاعتداء السافر على القدرة الشرائية للطبقات الفقيرة والمتوسطة، انتظر المغاربة خروج الحكومة عن صمتها الرهيب وتفاعلها مع مطالبهم المشروعة والعمل على الوفاء بوعودها والتزاماتها، بيد أن شيئا من ذلك لم يتحقق. مما ساهم في تأجيج نيران السخط والاستياء وأدى إلى رفع هاشتاغ ” أخنوش إرحل” وإطلاق حملة على منصات التواصل الاجتماعي تنادي بخفض أسعار المحروقات إلى ما قبل الأزمة الروسية/الأوكرانية، ولاسيما بعد تراجع أسعار النفط والحبوب في السوق الدولية…
وبينما اكتفت الحكومة بدعم مهنيي النقل الطرقي، بدعوى التخفيف من عبء معضلة الغلاء المتواصل والحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين قصد مواجهة الظرفية الراهنة، التي تتميز باستمرار ارتفاع أسعار المحروقات وسائر المواد الأساسية والغذائية، فإنه تجدر الإشارة إلى أن ملك البلاد محمد السادس وسيرا على عادته في إطلاق المبادرات الإنسانية الرفيعة، وعلى غرار ما أقدم عليه من خطوة إيجابية في مواجهة الأزمة الصحية التي عرفها العالم، جراء اجتياح فيروس كورونا المستجد كافة بقاع الأرض مع مطلع سنة 2020، التي أشاد بها الكثير من قادة وشعوب بلدان العالم، حيث أبى إلا أن يعطي تعليماته السامية بإحداث صندوق خاص بتدبير تداعيات الجائحة فور ظهور أول إصابة مؤكدة في المغرب، لم يتأخر ثانية في الدعوة إلى تقديم العون للفلاحين لغرض حمايتهم من تقلبات الأسعار، التي طال لهيبها جميع المواد الزراعية بما فيها البذور والأعلاف والأسمدة وغيرها، خاصة أن المغرب سجل هذه السنة بسبب ندرة التساقطات المطرية جفافا لم يعرف له مثيلا منذ ثمانينات القرن الماضي، أثر بشكل لافت على محصول الموسم الفلاحي.
ولم يفت العاهل المغربي أن يغتنم فرصة توجيه خطاب للأمة مساء يوم السبت 30 يوليوز 2022 بمناسبة الذكرى 23 لتربعه على عرش أسلافه الميامين، لاستحضار الأزمة العالمية والوضعية الاقتصادية والاجتماعية الصعبة لفئات عريضة من المجتمع المغربي، مشيرا في هذا الصدد إلى ضرورة الاهتمام بجلب الاستثمارات القوية والمجدية التي من شأنها خلق الثروة وتوفير فرص شغل مناسبة للعاطلين، ولافتا انتباه المؤسسات الدستورية ذات الصلة المباشرة بمراقبة الأسعار وضمان تنافسية اقتصادية شريفة، وهيئات إنفاذ القانون لمحاربة كافة أشكال الاحتكار والمضاربة. كما أنه لم يترك المناسبة المباركة تمر دون أن يدعو، السلطة التنفيذية إلى التحرك في اتجاه التعجيل بتسريع وتيرة ورش السجل الاجتماعي الموحد، تنزيل المشروع الكبير لتعميم الحماية الاجتماعية وإقرار إجراءات كفيلة بالتخفيف من حدة غلاء الأسعار الذي أنهك كاهل المواطنين…
وتيمنا بالمثل القائل “أول الغيث قطرة”، فإن أسعار المحروقات لم تلبث أن بدأت تتراجع بمحطات الوقود في ذات يوم الخطاب الملكي الذي صادف هذا العام حلول السنة الهجرية 1444، وهو ما يبشر بالخير حتى وإن بدا حجم الانخفاض ضئيلا مقارنة مع الزيادات السابقة، حيث تناقصت أثمنة بيع اللتر الواحد من الغازوال ب”64” سنتيما، فيما عرف سعر البنزين انخفاضا بلغ 1,18 درهما في اللتر الواحد.
وعلى هذا الأساس، هناك من يرى أن انخفاض سعر الغازوال والبنزين فرضه ضغط الحملة الرقمية التي تم إطلاقها في الفضاء الأزرق بتزامن مع وسم المطالبة برحيل رئيس الحكومة “أخنوش”، وهناك من يرى أنها مرتبطة بتراجع أسعار النفط الخام في السوق الدولية منذ منتصف شهر يونيو الماضي، وهناك كذلك آخرون وهم كثر ممن يرجحون بأن يكون مرد هذا الانخفاض الذي لم يشمل فقط أسعار المحروقات، بل شمل أيضا أسعار زيوت المائدة، هو ما تضمنه الخطاب الملكي من إشارات وتحذيرات قوية، التي بدأت تعطي ثمارها بخصوص الزيادات المستمرة في الأسعار منذ الشهور الأولى من السنة الميلادية الجارية. حيث يلاحظ أن المحروقات ماضية في تسجيل تراجع أسعارها، كما أن شركة “لوسيور كريستال” أعلنت بدورها عبر بلاغ صادر في فاتح غشت 2022 عن خفض أثمنة منتوجاتها المصنعة من مادة “عباد الشمس” بنسبة 15 في المائة، جراء الانخفاض الذي شهدته دوليا…
إننا بقدر تفاؤلنا بالخطاب الملكي واستبشارنا بانخفاض أسعار المحروقات وبعض الزيوت من انخفاض، حتى وإن كان انخفاضا غير ذي بال ولا يرقى إلى مستوى تطلعات الجماهير الشعبية، من حيث محدودية نسبته مقارنة مع نسب ما سبقه من زيادات خيالية وعدم شموله باقي أسعار المواد الأساسية، فإننا فضلا عن رفضنا “تضارب المصالح” لسنا راضين عن أداء الحكومة المتدبدب والمتسم بالتخبط، وعدم قدرتها على معالجة الملفات ذات الارتباط الوثيق بالمعيش اليومي للمغاربة وفي مقدمتها غلاء الأسعار، مما يقتضي إعادة النظر في أسلوب تدبيرها للشأن العام، والانكباب الجاد على بحث السبل الكفيلة بالنهوض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وحل المشاكل المطروحة بحدة…
اسماعيل الحلوتي

الاخبار العاجلة