لا للعنف ضد المخزن

30 يناير 2014آخر تحديث : الإثنين 24 مايو 2021 - 3:31 مساءً
admintest
كتاب وآراء
لا للعنف ضد المخزن

يبدو أن العنف قد طور من أدائه بشكل ملموس ومعكوس في بلادنا هذه الأيام . ففي الزمن الماضي البعيد وحتى القريب كنا نألف سماع حوادث ممارسة العنف من طرف المخزن تجاه المواطنين. وهذا لا يعني أن المواطنين أنفسهم كانوا لا يتورعون عن ممارسة العنف ضد بعضهم البعض كلما سمحت لهم الفرصة لذلك عدوانا و نكاية في بعضهم أحيانا وتفريغا لشحنات العنف المادي والمعنوي الذي كان يمارس عليهم من طرف المخزن أحيانا أخرى .
و المخزن المقصود هنا هو ذلك المفهوم المخيف المرتبط في مخيلتنا بالسلطة والتسلط والذي يتمثل في الادارة بشكل عام و يتجسد في جهاز السلطة التشريعية والتنفيذية بشكل خاص ، والذي من المفروض أن يكون وأن يستقر في عقولنا على أنه الملجأ الآمن والحكم الضامن للحقوق و الحافظ للنظام العام .
و مصطلح المخزن ،هذا ، بدأ استعماله في الاضمحلال منذ بداية الألفية الثالثة ، وذلك ما عبر عنه محمد اليازغي عندما كان كاتبا أولا لحزب الاتحاد الاشتراكي حين أعلن موت “المخزن “مباشرة بعد وفاة الملك الراحل الحسن الثاني ،في اشارة منه الى نهاية حقبة مخزنية بامتياز ، ما كان صوت فيها يعلو فوق صوت المخزن ، الا أن هذا المصطلح عاد استعماله الى الواجهة في السنتين الأخيرتين لكن تحت مسمى ” الدولة العميقة “.
وفي الحقيقة ، فالمخزن كمفهوم وكجهاز لم يمت ،ولا ينبغي له ذلك ، بل ظل حيا يرزق ، لكن بجلباب غير الجلباب المألوف ، وبمخالب لينة بعض الشيء ،والا فلما يتم تكسير أضلع المتظاهرين و كل من احتج أو سولت له نفسه المطالبة بحقوقه … ولولاه لأكل بعضنا بعضا ،وانتهى الأمر .
ونظرا للسمعة النمطية والجبروتية التي كان يحظى بها المخزن والتي نقشها المخزن لنفسه في أذهان أجدادنا وأبائنا والذين تركوا مسافة أكثر من كافية بينهم وبينه وعلمونا كيف نمشي جنب الحائط ولا نرفع رؤوسنا أمام رموزه ،فالمخزن ظل محميا ومحصنا من شتى أنواع العنف الذي قد يلحقه من طرف المواطنين .
ولأن المواطنين كانوا يعتبرون الوزراء جزأ لا يتجزأ من المنظومة المخزنية ظلوا يعطونهم حقهم من التوقير، وظل الوزراء محصنين من العنف المادي وحتى المعنوي ، خصوصا أن تحركاتهم كان يحسب لها ألف حساب ،بحيث كان الوزير يتنقل في موكب مهيب وكان الناس يُحشدون حشدا لاستقبال السيد الوزير المحترم الذي كان اذا وقف أهلع ،واذا تكلم لغة الخشب أسمع ،واذا أخطأ لم يُصفَع بيد ولم يُقذف بحجر.
العنف الجسدي ضد المخزن الذي تفجر مؤخرا، كان متوقعا ،ولم يأت دفعة واحدة ، بل سبقه عنف لفظي ومعنوي جاءت به رياح التغيير بعدما سمح المخزن ـ مرغما ـ للمواطنين بهامش كبير من حرية الكلام المباح ، فصار المخزن في شخص بعض رجال السلطة يتعرض للسب والقذف وحتى للضرب والجرح والصفع من طرف بعض المواطنين الغاضبين واليائسين أومن طرف بعض المتعجرفين والمحتمين بأموالهم أو أنسابهم ،لأن المخزن ـ بيني وبينكم ـ يفقد سلطته وهيبته أحيانا تحت تأثير مخدر يدعى ” الدرهم ” خاصة كلما زادت الجرعة .
العنف الجسدي الذي تعرض له المخزن مؤخرا مهما كانت دوافعه شيء مرفوض ومنبوذ بالعقل والنقل ، لأننا لا يجب أن نحاسب جسد رئيس الحكومة وأجساد وزرائه لنعاقبهم بضرب أو رفس أو جرح لقاء طريقة تسييرهم للشأن العام ، بل يجب محاسبة أعمالهم ومنجزاتهم والرد عليها في الصناديق التي وضعتهم على رقابنا بما صنعت أيدينا .
فالعنف الذي تعرض له وزير السكنى أمر خطير ، سواء تعرض له بصفته مسؤولا حكوميا أو بصفته مسؤولا حزبيا، وسواء تعرض له كذلك من طلقة لأحد الخصوم الحزبيين أو من طلقة لنيران صديقة . كما أن تلك الحادثة لا تبشر بالخير وتطرح عدة تساؤلات حول هوية وجرأة القناص ،هذا، المحترف في الرمي بالحجر والذي يجب أن يكون بين أطفال الحجارة في القدس عوض أسا الزاك لِيًرينا قدراته في جباه الصهاينة . كما يطرح سؤالا مهما اخر : لماذا يلجأ بعض المغاربة الى العنف للتعبير عن استيائهم أو سخطهم في حين يلجأ الأوروبيون الى أساليب حضارية في الاحتجاج السلمي عن طريق رفع شعارات مكتوبة ، وفي أسوأ الحالات يلجأون الى رمي الطماطم والبيض الفاسد ، ليس تجاه رأس المسؤول وانما في طريقه .
حوداث العنف ضد المخزن في شخص رئيس الحكومة ووزير الصحة ووزير السكنى ووزير التجهيز…، والتي يردها المحللون الى القرارات اللاشعبية التي اتخذتها حكومتا السيد بنكيران ،الطليقة و الحالية، والتي أجهزت على ما تبقى في جيوب الطبقة الفقيرة والمتوسطة ، هذه الحوادث قد تدفع الحكومة الى تخصيص ميزانية خاصة بالحراس الشخصيين للمسؤولين الحكوميين وسترفع من اجراءات تحركاتهم كما في السابق مما سيزيد الطين بلة ، وقد تجعل هؤلاء المسؤولين ينتهون عن المشي في الأسواق والسفر في القطارات ، ويمتنعون عن ارتياد المطاعم الشعبية لأكل البيصارة والمغامرة باختراق حشود المتظاهرين ،ويتوقفون عن زيارة المقابر … كما ستجعل بعضهم يحتاط كل الاحتياط اذا ما فكر في عقد لقاء مع منخرطي حزبه لأن في صفته المزدوجة يختبيء الشيطان . واذا ماحدث ذلك فسترتفع طبعا تكلفة كل وزير ،وسنؤدي أكثر فأكثر من جيوبنا المثقوبة .
لهذا ، رجاء لا تعنفوا وزراءنا مهما لنا أساؤوا لأنهم بشر مثلنا ، ولأننا نحن من صنعناهم بأيدينا ، ولحسن الحظ جعلنا لهم تاريخ صلاحية يوشك أن ينفذ .
ورجاء من هروات المخزن أن ترأف بضلوع وعظام الأساتذة الموجزين وحاملي الشهادات مهما كانت مطالبهم ماداموا يحتجون بشكل سلمي .
فالعنف لا يصنع الا العنف .

بقلم عبد العزيز بوسهماين

الاخبار العاجلة