كلمة الأمين العام الأستاذ عبد اللطيف وهبي خلال أشغال الدورة السادسة والعشرين للمجلس الوطني

28 مايو 2022آخر تحديث : السبت 28 مايو 2022 - 10:14 مساءً
admintest
مجتمع
كلمة الأمين العام الأستاذ عبد اللطيف وهبي خلال أشغال الدورة السادسة والعشرين للمجلس الوطني

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
أيتها الأخوات، أيها الإخوة أعضاء المجلس الوطني المحترمون.
لأول مرة بعد المؤتمر الرابع لحزبنا الذي انعقد في فبراير 2020، وبعد دورة المجلس الوطني الاستثنائية نونبر الماضي، نلتقي اليوم في دورة عادية للمجلس الوطني، بحرارة الحضور ودفئ الأخوة النضالية، وكلنا آمال وطموح حول الآفاق التي يفتحها أمامنا نضالنا الديمقراطي، بفضل إرادتنا الوطنية لخدمة مجتمعنا، ونصرة قضاياه في التنمية المستدامة والتقدم الاجتماعي والعيش الكريم، وكلنا رجاء في العلي القدير أن يرفع عنا هذا الوباء نهائيا، ولا يحرمنا من حياتنا العادية، ويديم على بلادنا وبلاد العالم نعمة الصحة والاستقرار.
أيتها الأخوات، أيها الإخوة
يأتي هذا اللقاء في ظروف داخلية ودولية دقيقة، إن لم نقل استثنائية وصعبة، لدرجة جعلت البعض يقول بأنه لا أحد يحسدنا اليوم على مشاركتنا في الحكومة في هذا السياق المحفوف بالمشاكل والتحديات، فما كدنا نخرج من مرحلة حالة الطوارئ التي فرضت على بلادنا جراء الحرب ضد كوفيد 19، والتي كانت لها تداعيات سلبية على اقتصادنا الوطني وإعمال العديد من الإجراءات الإدارية والمالية أتعبت ميزانية الدولة؛ فما كدنا نخرج من هذه الصعوبة الوبائية حتى انفجرت في وجهنا الحرب الروسية الأكرانية، مخلفة ورائها صعوبات جمة أبرزها ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الأساسية.
لقد خرجنا من المعركة ضد كورونا ونحن في حاجة إلى سياسة خاصة ومتميزة، تستفيد من هذه التجربة وتبلور حلولا تنسجم مع ما جاء في النموذج التنموي الجديد، الذي حاز على توافق كل القوى الحية لبلادنا من جهة، وتستفيد من الدروس المستخلصة من معركتنا ضد انتشار الوباء من جهة أخرى.
وعندما عبر المواطن المغربي عن تصوره لمرحلة ما بعد كوفيد 19، وأعطى صوته لبرامج اقتصادية واجتماعية لها أفق تنموي مشترك، داهمتنا من جديد أزمة اقتصادية أفرزتها الحرب الروسية الأوكرانية، ليجد اقتصادنا الوطني نفسه مجددا أمام تحديات غير مسبوقة، تستدعي المزيد من التضحيات، والمزيد من الإبداع في الحلول والبدائل، خاصة إذا علمنا حجم الإرث الثقيل الذي تركه لنا التدبير الحكومي الشعبوي لما يزيد عن عقد من الزمن.
وفي هذا السياق الوطني والدولي الصعب، تندرج كل سياسات الحكومة، لذلك يجب أن نتفهم كل المشاكل المطروحة والحلول المقترحة، فإذا كانت اللحظة السياسية في سنوات الأزمات دائما صعبة، فإنها اليوم أكثر صعوبة، والتاريخ اختارنا وحلفائنا لنكون على المحك، ولن نخلف الموعد.
لذلك نجد اليوم أن كل مكونات الأغلبية الحكومية ومنهم وزراءنا، لا يتبنون خطاب الأزمة، أو خطاب التباكي إزاء الواقع الصعب الذي يمر منه اقتصادنا الوطني، لأننا في حزب الأصالة والمعاصرة وفي الحكومة عموما، لا نعتبر الظرفية الصعبة التي تمر منها بلادنا من جراء التأثيرات المالية والعالمية التي حملت لنا ارتفاعا مهولا في أسعار كل المواد الأولية والأساسية، لا نعتبرها قدرا سيئا أو نفهمها كسوء حظ في السياسة، لأن مواطناتنا ومواطنينا لم يصوتوا على حزب الأصالة والمعاصرة إلا لكي يقدم لهم مناضلوه داخل الحكومة وفي كل مواقع المسؤولية، الحلول المثلى للمشاكل اليومية التي تعترض حياتهم، لهذا فإننا كديمقراطيين نملك من الوعي التاريخي ما يكفي لكي نفهم أن اللحظة الصعبة التي تقف أمامنا اليوم، وفي جميع الأحوال هي تشريف التاريخ لنا، لكي نساهم في تقدم بلادنا؛ فمن رحم الصعوبات تولد الإرادة الديمقراطية الوطنية الصلبة، القادرة على تحويل المعاناة إلى فعل سياسي، يدشن لمرحلة جديدة تضمن لمسار وطننا التنمية والتقدم.
لذلك يزداد شعورنا في حزب الأصالة والمعاصرة بالفخر والاعتزاز ونحن قوة بناءة داخل حكومة التحولات الاجتماعية الكبرى، قوة سياسية اقتراحية راسخة، لاسيما ونحن نحظى في المغرب بقيادة متبصرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله ونصره، حيث يحسدنا الكثيرون على هذه الكاريزما القيادية لمشروع مجتمع ديمقراطي حداثي، لطالما تجلى في العديد من المبادرات التنموية المتميزة، كان آخرها قرار جلالة الملك التمسك بالخيار الديمقراطي وبإجراء الانتخابات في وقتها رغم ظرفية الوباء، ومبادرة جلالته لبناء الدولة المغربية الاجتماعية، وإعادة بناء تصور جديد لنموذجنا التنموي.
أيتها الأخوات، أيها الإخوة:
مر على عمر الحكومة التي نحن أحد مكوناتها الأساسية عمرا غير طويل، وقد كان هذا الوقت كافيا ليظهر وزراءنا على حقيقتهم كمناضلين ديمقراطيين، وككفاءات سياسية عالية، حريصة على الوفاء بكل الالتزامات التي قطعها حزبهم على نفسه أمام ناخبيه في كل القطاعات، التي تحمل فيه مناضلونا مسؤوليتهم الحكومية، وأثبتوا للرأي العام الوطني أن حزب الأصالة والمعاصرة ليس ادعاء سياسيا، ولا بلاغة إيديولوجية تدغدغ عواطف العموم، إنما هو قوة سياسة مؤسساتية مسؤولة، قوة فاعلة واقتراحية، بنت نفسها بشكل مثين خلال عقد من الزمن، ناضلت وتمرست في المعارضة، واليوم تبادر بالمشاريع وتسهم في الحلول داخل الحكومة. فحزبكم مشروع مجتمعي ديمقراطي، تأسس على قيم ومبادئ نبيلة وراقية، لم تزحزحه الهزات والصراعات الداخلية، وعواصف الهجومات الخارجية، بل على العكس، خرج منها قويا، وتجدر بفضل صدقه وجديته وديمقراطيته وكفاءات نخبه داخل المجتمع والمشهد السياسي، وبات معادلة ورقما سياسيا قويا بشهادة خصومه قبل أصدقائه، وتحول لإرث سياسي ثمين لن ندخر جهدا في الحفاظ عليه، ودعمه ليكون قائد المشهد السياسي دون منازع خلال المحطات المقبلة.
وإذا كنا نلاحظ أن وزراءنا يحضون بالمتابعة الصحفية والنقد داخل المشهد الإعلامي والسياسي المغربي أكثر من غيرهم، فإن هذا إن أدل على شيء فإنما يدل على أننا وزراء سياسيين مسؤولين، مناضلين في الحكومة، ولن نكون في يوم من الأيام وزراء إداريون صامتون كما كان الأمر مع البعض في الحكومات السابقة، فالنقد الموجه لأدائنا الحكومي “إن اتفقنا جدلا على أنه نقدا” هو مقياس على أننا نتبنى مبادرات إصلاحية نعتقد بأهميتها لتقدم بلادنا، رغم ما قد تثيره من خلافات بيننا وبين بعض مكونات المجتمع، فلا نرتضي أسلوب الشعبوية التي تروم إرضاء عامة الناس بالجمود وغياب المبادرة وافتقاد المواقف الصريحة، فلم نأتي للحكومة لنرضي هذا الطرف أو ذاك، بل لننجز الإصلاحات التي نراها ضرورية في المجالات التي لنا فيها مسؤوليات، ولنطبق البرنامج الحكومي الذي تعاقدنا حوله مع حلفائنا في الأغلبية، لذلك فإن وزراءنا لا يستغربون عندما ترتفع أصوات لتقاوم هذا القرار أو ذاك، لأننا جميعا نعلم أن الإصلاح له ثمن، كما أن له خصوم، تارة بدون نوايا سيئة وتحت جهل بالأفاق التي يفتحها، وتارة أخرى بدواع الأنانية السلبية.
إن دخول حزبنا للحكومة، وقبوله تحمل المسؤولية في ظرفية صعبة كان محط نقد لبعض الأصوات التي تعاني من ضعف شديد في الثقافة الديمقراطية، ورأت في دخولنا الحكومة سلوكا غير منسجم مع تصورنا الديمقراطي الذي اشتغلنا به عندما كنا حزبا معارضا للحكومات السابقة.
إن الأصوات التي تنتقد دخولنا في التحالف الحكومي وتذكرنا بمواقفنا حين كنا حزبا معارضا للحكومة السابقة، لم يسبق لها أن كانت أصواتا مؤيدة لنا أو مناصرة لمواقعنا آنذاك، فإذا كانت مواقفنا المعارضة بالأمس تنال إعجاب هذه الأصوات فلماذا لم نسمع بالأمس مساندتها لنا؟
إن الدخول أو الخروج من الحكومة في حياة سياسية ديمقراطية كالتي نعيش في المغرب، أمر مرهون بصناديق الاقتراع وبالقرار الشعبي الديمقراطي الذي تفرزه هذه الأخيرة، وعندما شرفنا المواطن بالمرتبة الثانية الهامة في نتائج الانتخابات الأخيرة، فإنه منحنا شرعية تأشيرة الدخول للحكومة، وترجمة برنامجنا الانتخابي إلى قرارات سياسية تخدم مصالحه. فالديمقراطي لا يسمع سوى لصوت شعبه الذي يخرج من صناديق الاقتراع، لأن الانتخابات في المجتمعات الديمقراطية هي التي تصنع الوقائع السياسية وتملئ المؤسسات، وما دون ذلك فإنه لا يحدث سوى تفاصيل وسجالات سياسوية لا يأبه بها التاريخ.
الإخوة المناضلون :
عندما نقول أن هذه الحكومة هي حكومة الإصلاحات الاجتماعية الكبرى فإننا لا نبالغ ولا نزايد على أحد، بل نشير إلى السيرورة الإصلاحية التي دشنتها هذه الحكومة منذ توليها مقاعد المسؤولية، صحيح أنه لم تجد بعد تحسينها الكامل على أرض الواقع لأنها تحتاج إلى بناء قانوني ومؤسساتي وتنظيمي يستغرق وقتا كي يشيد، وهذا ما تستغله بعض الأصوات هنا وهناك في قنوات التواصل الاجتماعي، ملوحة بأن المغاربة لم يرون أي إصلاح في واقعهم المعيشي اليومي.
إن استعجال الحكومة لتظهر إصلاحاتها الاقتصادية والاجتماعية في ظرفية لازلنا نواجه فيها التداعيات الاقتصادية والمالية للحرب ضد كوفيد 19 من جهة، ويعاني فيها الاقتصاد الوطني من انعكاسات الارتفاع الصاروخي لأسعار المواد الأولية والأساسية من جراء الحرب في أوكرانيا من جهة أخرى، هو استعمال ينم عن موقف هدفه الوحيد خلق غموض في أذهان المواطنات والمواطنين حول السياسة في بلدها، مما يزيد من تقوية ثقافة الشك والريبة إزاء المؤسسات الوطنية، وهي الثقافة التي نعتبرها عائقا أساسيا أمام التطور الديمقراطي الذي ينشده المغاربة، فالضجيج التشكيكي الذي يروجه البعض في وسائل التواصل الاجتماعي حول العمل الحكومي، لا يمكن أن يخفي حقيقة الواقع الذي نعيشه بمكتسبات متميزة ومهمة.
إن الانتصارات التي حققها المغرب لربح قضيته الوطنية وانتزاع الاعتراف الدولي بعدالتها بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله نجدها في انسجام وتكامل تامين مع النجاحات السياسية والاقتصادية التي دشنتها هذه الحكومة لبناء الدولة الاجتماعية، ورد الاعتبار للشغل من خلال الاتفاق الأخير بينها وبين الفاعلين الاجتماعيين والاقتصاديين لتعزيز السلم الاجتماعي ببلادنا، والرفع من القدرة الشرائية للمواطنين، ومجابهة التحولات الطاقية نتيجة الانعكاسات الدولية، وإقرار برامج للتشغيل دائمة ومؤقتة كبرنامجي “أوراش” و”فرصة”، ومباشرة إصلاح التعليم، والمنظومة الصحية والإدارة الرقمية، وتحسين مناخ الأعمال والانكباب على اختلالات السكنى والتعمير المتراكمة لعقود، وإعادة الاعتبار للثقافة والهوية المغربية بمختلف روافدها، وغيرها من أوراش الإصلاح التي تخوضها الحكومة بثبات وعزيمة، ورغم ما كلفته الظرفية الصعبة لميزانية الدولة فلازالت الحكومة متشبثة بأهدافها الإصلاحية التي وعدت بها، ويكفي أن نشير هنا إلى قدرة الحكومة على التحكم في التضخم في مستوى 4 بالمائة رغم الظرفية الصعبة.
الإخوة المناضلون :
إن حزبنا يستثمر كل الواجهات المؤسساتية ليترجم توجهها الإصلاحي، ويعمق مصداقية الديمقراطية، فسواء داخل البرلمان بمجلسيه أو في مجالس الجهات والأقاليم أو الجماعات الترابية، فإن مناضلينا حرصين على تجسيد البرنامج الإصلاحي الذي نال ثقة الناخب المغربي، ففريقي حزبنا في مجلسي البرلمان يقدما اليوم حصيلة نضالية تشريعية ورقابية يحق لحزبنا الافتخار بها أمام الرأي العام الوطني، كما أن خطابنا السياسي داخل هذين المجلسين المحترمين يظل خطابا سياسيا منسجما مع قيمنا السياسية القائمة على خدمة المواطن واحترام أصول الحوار الجدي والصدق في الدفاع عن قضايا التنمية والتقدم الاجتماعي ببلادنا، بهذا فإن حزبنا اليوم يجسد قوة سياسية ديمقراطية لها أثرها على كافة مستويات النضال المؤسساتي و المدني.
إن ما تعاني منه اليوم ديمقراطياتنا والعمل الحكومي على وجه الخصوص، ليس الوضعية الاقتصادية والمالية الصعبة الناجمة عن وضع دولي متأزم، بل ما تعاني منه الحكومة اليوم هو غياب نقاش ديمقراطي عميق حول أهم القضايا والتحديات التي تعترض مسار بلدنا في التنمية، لأن الحكومات الديمقراطية القوية تحتاج إلى معارضة ديمقراطية قوية، ليستنير الرأي العام الوطني بالنقاش والحوار ويعرف أهمية المنجزات والبرامج، فالحكومة اليوم ضحية معارضة، إما ضعيفة باهتة تنتظر صحوتها لكي تناقش وتوضح أهمية عملنا، وإما معارضة بعض الأصوات الرديئة على قنوات التواصل الاجتماعي غير سياسية ولا فكرية ولا إيديولوجية، إذ تستغل هذه الأصوات سهولة استعمال قنوات التواصل الاجتماعي لتبث خطابا لا علاقة له بالسياسة، و لا بالفهم الديمقراطي، وبالتالي لا تستحق الانتباه لأنها تشيع حوار التظليل والرداءة ليس إلا. فالحياة السياسية في مختلف الدول الديمقراطية تقف على قدمين متوازنين: أغلبية مسؤولة، ومعارضة يقظة. وإذا اختل ميزان هذا التوازن، تكون الانعكاسات سلبية على الحياة السياسية برمتها، والضحية في النهاية هي مشاريع الإصلاح وبرامج التنمية.
حضرات السيدات والسادة:
من موقع إيماننا العميق أن أدوارنا النضالية داخل المؤسسات الدستورية وداخل المجتمع لن تكون ناجعة وفاعلة إلا من خلال بناء مؤسسات حزبنا، متينة وقوية، الأمر الذي يسعفنا في تنظيم أنفسنا ورسم علاقات مؤسساتية واضحة فيما بيننا، تمكننا من الإسهام بدورنا في تأطير المجتمع، وفي خدمة قضاياه من مواقعنا المختلفة. فقد أولينا كقيادة جماعية للحزب منذ تولينا المسؤولية، أهمية قصوى للبناء المؤسساتي للحزب، مدخله الأساس مصالحة مفتوحة مع جميع المناضلات والمناضلين، وعمقه إعمال قيم ومبادئ الشفافية والاستحقاق والديمقراطية، فسطرنا برنامجا دقيقا للجموع العامة والمؤتمرات المحلية والإقليمية، في خارطة طريق دقيقة تضمنتها المذكرة التنظيمية المعدة في الموضوع، منوهين في هذا الصدد بتقدم أشغال إعادة الهيكلة بصورة جيدة داخل أغلب الجهات، وبصورة متدبدبة داخل بعض الجهات المتبقية التي ندعوها للرفع من دينامية تجديد هياكل الحزب، لتكون في مستوى الزخم التنظيمي الذي يعيشه الحزب، بعزيمة وإرادة صادقتين، تتجاوز الخلافات والحسابات الضيقة إلى آفاق النضال الجماعي الرحب.
وفي هذا الإطار ندعو السيدات والسادة أعضاء المجلس الوطني ومختلف المناضلات والمناضلين، إلى الانخراط بقوة في عملية المؤتمرات الجهوية التي سننطلق في تنظيمها خلال الأيام القليلة المقبلة، والتي نراهن على أن تكون محطات نضالية بارزة داخل الساحة الوطنية، تعكس من جديد الحجم القوي والمكانة السياسية الكبرى لحزبنا في المشهد السياسي الوطني.
أيتها الأخوات، أيها الإخوة:
إنه بالقدر الذي نرحب بالدينامية التنظيمية التي تعيشها عملية إعادة هيكلة التنظيمات الحزبية محليا وإقليميا، بالقدر نفسه وبالطموح ذاته نحن عازمون على توطيد بناء التنظيمات الموازية للحزب، وعلى رأسها التنظيم النسائي، وهي مناسبة نثمن فيها عاليا الإرادة القوية التي تتملكها مناضلات الحزب، المجسدة في اللقاءات التواصلية الجهوية النوعية والهامة التي عقدت داخل العديد من الجهات، حيث النقشات العميقة والأعمال التحضيرية المسؤولة التي تؤهل حزبنا لتأسيس منظمة نسائية جادة، قوية ومستقلة، ستلعب لا محالة دورها الكامل في صناعة القرار الحزبي، وحضورها القوي في تدبير عملية انخراط المرأة البامية في الحياة السياسية عموما وفي العملية الانتخابية خصوصا.
وفي نفس السياق ندعو شباب الحزب، إلى تجاوز حسابات وحزازات الماضي، وركوب قطار الدينامية التجديدية التي تعيشها هياكل الحزب، والشروع بشكل مستعجل في أعمال تحضيرية ديمقراطية، مفتوحة في وجه جميع شباب الحزب، للقيام باستقراء موضوعي وشجاع لأعطاب المحطة السابقة، وأخد ما يلزم من دروس وعبر منها، للانطلاقة نحو بناء المستقبل ووضع تصور جديد للتنظيم الشبابي للحزب، ومن تم تأسيس إطار شبابي للعطاء والتضحية والنضال، يكون أداة النهضة والتطور داخل الحزب ، ومحركا للإصلاح والتغيير داخل المجتمع، وليس عبئا ريعيا يفرمل تطور الحزب.
أيتها الأخوات، أيها الإخوة.
إننا في حزب الأصالة والمعاصرة نؤمن بشدة بأن قوة الحزب ومستقبله ليس رهينا بمدى متانة بنياته الترابية والجهوية والإقليمية والمحلية والوطنية فحسب، بل لابد من بناء شمولي يصل اللجان وجميع البنيات، وعلى رأسها لجان الحكامة والمراقبة، لذلك نحن مدعوون وبصورة مستعجلة لاستكمال بناء اللجن الجهوية للتحكيم والاخلاقيات داخل مختلف الجهات، من الأعضاء المشهود لهم بالنزاهة والكفاءة والأخلاق، تكون في مستوى الرهانات التي يضعها الحزب على هذه الهيئات، لفرض احترام النظامين الداخلي والأساسي للحزب، وإعمال مقتضياتهما في مجالات التأديب، والحرص على معالجة الخلافات بين المناضلين وفق القانون؛ وذلك لربح رهان تنقية الحزب من المخلين بمبادئه ومواثيقه العليا.
وفي إطار العمل على ضرورة بناء باقي التنظيمات الموازية، لتكون أدوات فاعلة وحقيقية، تسهم فعلا في توسيع حضور الحزب داخل المجتمع، وتحقق قربه من المواطنات والمواطنين. وضعنا تصورا إداريا وسياسيا جديدا للمؤسسة الوطنية لمنتخبات ومنتخبي حزب الأصالة والمعاصرة، هو في اللمسات الأخيرة، سنعرضه على الجمع العام الوطني الذي نعتزم تنظيمه للمنتخبات والمنتخبين خلال الأسابيع القليلة القادمة، حتى نتمكن بشكل جماعي من إخراج هيئة حقيقية لدعم المنتخبات والمنتخبين في ممارسة مهامهم الانتخابية والسياسية من مختلف مواقعهم.
حضرات السيدات والسادة:
لا يخفى علينا جميعا الأدوار الوطنية الكبيرة التي يلعبها مغاربة المهجر وإسهاماتهم التنموية والاقتصادية داخل الوطن، والتي أظهرتها بجلاء أزمة وباء كوفيد 19، حيث كان الإسهام الاقتصادي الواضح لمغاربة العالم يعكس بقوة حجم وفائهم للوطن، ومدى تشبعهم بقيم التآزر والتضامن.
ومن موقع ضرورة احترام الحقوق المنصوص عليها دستوريا للمغاربة المقيمين في الخارج وواجب تمتيعهم بحقوق المواطنة كاملة، بما فيها حقوقهم السياسية وحقهم في الترشح للانتخابات، والعمل على ضمان مشاركتهم الواسعة في المؤسسات الاستشارية ومؤسسات الحكامة وغيرها من المؤسسات.
وبغاية توطيد العلاقات المتينة لهم مع الهوية المغربية الأصيلة وصيانة مصالحهم وفسح المجال لهم للإسهام في السياسات العمومية المناسبة لمصالحهم.
وبعد استقراء موضوعي للمقاربات المحدودة لتفاعلنا كأحزاب سياسية مع حقوق مغاربة العالم؛ لكل ذلك، وجب علينا اليوم الاهتمام أكثر بمناضلاتنا ومناضلينا من مغاربة العالم وجعل قضاياهم من القضايا الجوهرية ضمن اهتماماتنا داخل حزب الأصالة والمعاصرة، بما تطرحه من ضرورة تجديد مقاربة انخراطهم وتمثيليتهم السياسية والتنظيمية داخل حزب الأصالة والمعاصرة.
وبهذا الخصوص نؤكد أن قيادة الحزب ستعمل على تغيير النظام الأساسي للحزب بما يتوافق والمكانة النضالية اللائقة لمغاربة العالم، لذلك نحن عازمون على تنظيم أيام مفتوحة لإعادة تسجيل انخراط المناضلات والمناضلين من دول المهجر بالحزب، واستقطاب نخب جديدة، في أفق عقد مجلس وطني يجمع هؤلاء صيف السنة الجارية، سنجعله فضاء فكريا مناسبا لتسطير أنجع السبل لحضورهم داخل مؤسسات الحزب وفي مختلف السياسات العمومية، وكذلك لانتخاب مجلس فدرالي يسهر على تدبير شؤونهم داخل الحزب.
حضرات السيدات والسادة:
نعلم جيدا أنكم كمنتخبين وكمناضلين لن تؤدوا رسالاتكم النضالية على الوجه الأكمل دون سند قوي من بنية إدارية حزبية ناجعة وفاعلة، تكون رهن إشارة جميع المناضلات والمناضلين على قدم المساواة، ودعم واجهاتهم النضالية المختلفة، وهو الذي لمسناه بشكل واضح في الإدارة والطاقم الإعلامي وإسهامهم البين في النتائج المحققة خلال الاستحقاقات الأخيرة، غير أن موقع الحزب اليوم الذي اختلف اجتماعيا وترقى سياسيا نتيجة المشاركة لأول مرة في الحكومة، بدأ يطرح علينا رهانات جديدة كفاعلين سياسيين وعلى الإدارة كذلك، لذلك قمنا بتقييم أولي لأداء إدارة حزبنا مركزيا وجهويا وإقليميا، في ارتباط تام مع التجديد الذي يعرفه التنظيم الحزبي إقليميا وجهويا، الأمر الذي مكننا من خلخلة بعض البنى الراكضة داخل إدارات حزبنا في بعض الأقاليم والجهات، وإعادة بنائها وفق المعطيات الجديدة، ووفق قيم المبادرة والنجاعة بنفس العزيمة التي تملكتنا لتسوية الوضعية الاجتماعية لجميع مستخدمي وموظفي الحزب رغم ما طرحه ذلك من تحديات مادية جمة، كلها هانت في سبيل تعزيز كرامة الطاقم الإداري وتحريره من سيطرة البعض، وجعله في خدمة جميع المناضلات والمناضلين على السواء، دون تمييز أو إقصاء.
حضرات السيدات والسادة:
تلكم صورة واضحة عن الإكراهات التي تواجهها بلادنا داخليا وخارجيا، وحصيلة موضوعية لما يقوم به حزبكم داخل الحكومة، وتشخيص دقيق لأوضاع حزبنا وحالة بنياته الموازية، وللتحديات والرهانات المستقبلية المطروحة عليه تنظيميا وسياسيا وحتى ماديا، في حصيلة عمل نعتبرها في قيادة الحزب وبكل موضوعية جد مشرفة، نضعها اليوم رهن إشارتكم لتقييمها وتقويمها بمنظار الصراحة والواقعية، حتى نسهم جميعا في بناء حزب وطني ديمقراطي عتيد، قادر على الإسهام في تنمية الوطن و تحقيق كرامة الشعب، تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله ونصره..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته…

الاخبار العاجلة