كلاشات

30 مارس 2023آخر تحديث : الخميس 30 مارس 2023 - 8:36 مساءً
admintest
كتاب وآراء
كلاشات

بقلم:عزيز لعويسي

في الآونة الأخيرة، اشتدت حرارة “الكلاشات”، التي لم تعد حكرا على المجال الفني وخاصة “الرابي”، بل امتدت أشعتها نحو عوالم السياسة، واقتحمت عنوة خلوة الصحافة، لتحولها إلى ما يشبه حلبة مفتوحة للقصف والقصف المضاد، البارع فيها من يتقن كفاية التسديد ويجيد مهارة الإزعاج والإرباك، ويتفنن في إثارة “طيكوك” الإثارة واللغط والجدل؛

قد يقول قائل أن هذه التجاذبات بما فيها من “قلة ما يدار”، تحاول على الأقل، تحريك المياه الراكدة لمشهد إعلامي بات رهينة إمبراطور التفاهة، وقد يقول قائل آخر، أن حرية الرأي وإبداء الموقف، مقبولة في زمن الاختناق السياسي والاجتماعي والثقافي والحقوقي، وقد يقول ثالث، أن الصحافي – مع وجود الاستثناء بالطبع – أحدث “تطبيعا” معلنا مع “البوز”، ولم يعد يجد حرجا في الركوب على صهوته، في زمن البؤس الثقافي والتواضع القيمي والأخلاقي؛

وسواء تعلق الأمر بالفن أو السياسة أو الصحافة، فالثابت أن المجتمع بات يعيش حالة من الارتباك إن لم نقل من الإفــلاس القيمي والأخلاقي والثقافي، بات فيها السياسي المسؤول من يجيد لعبة المناورة ويعرف من أين تؤكل الكتف، والبرلماني من يتقن فن المناورة والمشاكسة، ويثيـر الجدل واللغط، في مشهد برلماني رتيب، والصحافي الشاطر من يسبح مع التيار، حاملا شعار “العام زين”؛

في الوقت الذي ينشغل فيه السياسيون والبرلمانيون والصحافيون … بالكلاشات عديمة الجدوى والفائدة، أو يتمادون في إثارة زوبعة العبث، ما ظهر منه وما بطن، يحاول الخصوم وأعداء الوطن كسب النقط، ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، في معركة مفتوحة، لم تعـد تقبل بصناع العبث ومنتجي الانحطاط، في السياسة كانوا أو البرلمان أو الإعلام، ويكفي الإشارة في هذا الإطار، إلى متغيرات موقف الجارة الجنوبية بخصوص قضية الوحدة الترابية، وقبله انزلاق قيس تونس، وقبل هذا وذاك، ما تعرض ويتعرض له المغرب من استفزازات وضيعة وابتزازات رخيصة من قبل بعض بلدان الجوار الأوربي، دون إغفال رياح العداء القادمة منذ عقود من الشرق…

التحديات الخارجية تفرض الإقلاع عن عادات الكلاشات العبثيــة، والتحلي بما يلزم من المسؤولية والالتزام، تقديرا ليس فقط، لما يواجه الوطن من حملات ابتزازية متعددة الزوايا، بل واستحضارا لحساسية الاوضاع الداخلية، في ظل الارتفاع المهول وغير المسبوق في الأسعار، وما يترتب عن ذلك من اتساع مقلق لدائرة الفقر والبؤس والإقصاء الاجتماعي، ومن آثار على تماسك الجبهة الداخلية وعلى السلم الاجتماعي؛

المجتمع بما وصل إليه من محن متعددة المستويات، يحتاج أكثر من أي وقت مضى، إلى فاعلين سياسيين، قادرين على الاستماع إلى نبض الشعب، والاستجابة الفورية لقضاياه وانتظاراته، وإلى برلمانيين حقيقيين ينشغلون بقضايا وانتظارات المواطنين، بمسؤولية ونزاهة ونكران للذات، وإلى إعلاميين، يتحملون مسؤولياتهم المواطنة، في فضح كل ممارسات الفساد والعبث أيا كان مصدرها، والإسهام في الارتقاء بمستوى التربية والقيم والأخلاق والأذواق، إلى مجتمع مدني حيوي، يكون شريكا في أوراش البناء والنماء، وإلى منظومة أمنية وقضائية، تتصدى بصرامة وحزم لكل صناع الفساد ومنتجي العبث والتفاهة والانحطاط، وتقوي الإحساس الفردي والجماعي بدولة الحق والقانون والمؤسسات…

أما موضة “الكلاشات”، فلن تعيد أسعار الطماطم والبطاطس والبصل واللحوم البيضاء والحمراء والأسماك إلى سالف عهدها، ولن تخفف من حدة الفقر والبؤس، ولن تكبح جماح اليأس والإحباط وانسداد الأفق في أوساط شرائح واسعة من المجتمع، ولن تقوي الإحساس الفردي والجماعي بالكرامة والمساواة والإنصاف والعدالة الاجتماعية، ولن تخلصنا من جائحة الانحراف والجريمة …، لكنها بالمقابل، تزحزح صخور اللحمة الوطنية، وتعمق بـؤر العبث والانحطاط، وتخدش التربية والحياء، وتنسف القيم والأخلاق وتدمر الأذواق، وتنشر ثقافة الأنانية والوصولية والانتهازية والتفاهة والسخافة، وتمنح الأعداء والحاقدين والمتربصين فرصا للتطاول والتجرؤ والابتزاز والاستفزاز، وتحول التافهين والعابثين إلى نجوم ساطعة في سماء السياسة والفن والإبداع والإعلام، وتفرض على النجوم/اللاعبيـن الحقيقيين، التراجع والتواري عن الأنظار، في ملعب سيطرت عليه أقدام العبث والتفاهة والتواضع والانحطاط ..

كفاكم “كلاشات عديمة الجدوى”، فقد وصل المجتمع إلى حالة من “التخمة” بسبب العبث المستشري، ولم يعد يحتمل…، والوطن يحتاج إلى الضمائر الحية والسواعد الأمينة والعقول المواطنة النيرة والأقلام الصادقة، يحتاج إلى من يقدم الحل ويزرع الأمل ويصنع المستقبل بثقة وتبصر ومسؤولية ونكران للذات، يحتاج إلى مسؤولين حقيقيين يستحضرون الوطن آناء الليل وأطراف النهار، كفاكم نشرا لثقافة العبث والانحطاط.. كفاكم إنتاجا لحلقات الجشع والجدل واللغط والأنانية المفرطة .. فقد بلغ “سيل عبثكم” الزبى…

الاخبار العاجلة