فضيحة القرن بمصحة دكتور الفقراء!

6 أبريل 2022آخر تحديث : الأربعاء 6 أبريل 2022 - 11:31 صباحًا
admintest
كتاب وآراء
فضيحة القرن بمصحة دكتور الفقراء!

يذكر العديد من المواطنين المغاربة كيف أنهم أصيبوا بخيبة أمل كبيرة، عندما بلغ إلى علمهم ذات يوم من شهر يونيو 2021 خبر صادم باعتقال الدكتور “كريم التازي” صاحب مصحات متعددة الاختصاصات بمدينة الرباط، أثناء محاولته اقتحام أبواب أحد المطاعم الكبرى بالهرهورة عنوة وهو في حالة سكر طافح، اعتقادا منهم أن الأمر يتعلق بالدكتور “الحسن التازي” الاختصاصي في التجميل بمصحته الخاصة في مدينة الدار البيضاء، والملقب ب”دكتور الفقراء” لما اشتهر به من أعمال إنسانية جليلة في علاج المحتاجين والمعوزين…
ولم يمر على ذلك الحدث العرضي كثير من الوقت ليصابوا بصدمة قوية وحقيقية، على إثر تلقيهم هذه المرة الخبر اليقين بأن الدكتور الشهير “حسن التازي” في طب جراحة التجميل بمدينة الدار البيضاء، تم إلقاء القبض عليه بمعية سبعة أشخاص آخرين يوم السبت 2 أبريل 2022، وأنه يقضي أول أيام الشهر الفضيل رمضان في استضافة سجن “عكاشة” بمدينة الدار البيضاء، رفقة زوجته وشقيقه ومستخدمين آخرين بمصحته، فيما يتابع مستخدمون آخرون في حالة سراح.
ترى من يصدق مثل هذا الخبر الذي نزل كالصاعقة على رؤوس الكثير من المواطنات والمواطنين؟ وكيف تم الزج بأشهر الأطباء في عالم الإحسان في غياهب السجن على بعد ليلة واحدة من حلول شهر الصيام والقيام؟ لقد جاء اعتقال “الدكتور” ومن معه في قضية تتعلق بالنصب والاحتيال والتزوير واستعماله في فواتير وهمية، بناء على قرار قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، يقضي بمتابعة المتهمين بتهمة “الاتجار في البشر لوجود الاعتياد واستغلال الحاجة”، حيث تأكد من خلال الأبحاث والتحريات المكثفة من طرف مصالح الأمن الوطني، أن الأمر يتعلق بقيام المتهمين باستدراج أشخاص واستغلال حالة ضعفهم وهشاشتهم، مما يشكل عصابة إجرامية تعمل على جمع تبرعات مالية تحت غطاء تسوية تكاليف علاج مرضى معوزين بذات المصحة التي توجد في ملكية “الدكتور التازي” والتي يشتغل فيها المتابعون…
وكما أن تلك الأبحاث الأمنية تشير إلى أن المشتبه فيها الرئيسية التي ليست في واقع الأمر سوى حرم بطل فضيحة القرن، متورطة من قمة رأسها إلى أخمص قدمها في كونها كانت مكلفة بربط الاتصال المباشر بالمرضى المفترضين، والتقاط صور لهم بمبرر مساعدتهم في الاستفادة من العلاج، وذلك قصد استغلال تلك الصور في جمع التبرعات التي تزيد قيمتها اليومية عن 20 مليون سنتيم، معتمدة في تبريرها لتلك المبالغ المالية الضخمة على فواتير وتقارير مزورة.
فالفضيحة الشنيعة التي لم يكن يتصور حدوثها حتى أشد المشككين في ما يقوم به “دكتور الفقراء” من أعمال في إعادة البسمة لأفواه الفقراء ضحايا حوادث السير والاعتداءات الإجرامية، كشفت بوضوح أن استغلال “العمل الإحساني” في النصب والاحتيال بات ظاهرة اجتماعية متفشية في مجتمعنا، حيث يعمد بعض منعدمي الضمير في تحويل مآسي وفقر المواطنين وحاجتهم إلى وسائل سهلة لتحقيق مكاسب مادية وتنمية أرصدتهم في البنوك دون موجب حق.
حيث أننا بتنا نصطدم خلال السنوات الأخيرة بأشخاص من مختلف الفئات والمراكز الاجتماعية يلجؤون إلى استغلال ضعف أو مرض أو فواجع الكثير من المواطنات والمواطنين، إذ منهم من يغتنم فرصة مواعيد المناسبات الدينية من قبيل شهر رمضان وعيد الأضحى، ومنهم كذلك من يغتنم فرصة الدخول المدرسي وعددا آخر من المناسبات الأليمة في جمع التبرعات المالية والاستحواذ عليها. مما جعل عملية جمع التبرعات أو المساعدات المالية تعرف انحرافات خطيرة وأفقد العمل الإحساني أهدافه النبيلة، وأدى بكثير من الحقوقيين وغيرهم إلى المطالبة بضرورة ضبط مثل هذه الأعمال ذات الطابع الاجتماعي.
فبالرغم من أن الحكومة قامت بمراجعة قانون جمع التبرعات والإحسان العمومي، وإصدار قانون جديد تحت رقم: 18.18 المتعلق بتنظيم عمليات جمع التبرعات من العموم وتوزيع المساعدات لأغراض خيرية، والذي تنص مادته الأولى على تحديد شروط دعوة العموم إلى التبرع، وقواعد تنظيم عمليات جمع التبرعات وأوجه استخدامها، وشروط وقواعد توزيع المساعدات لأغراض خيرية وإجراءات المراقبة الجارية عليها. فإنه مازال للأسف مجمدا في الرفوف في وقت تقتضي الضرورة القصوى التعجيل بإخراجه إلى حيز التنفيذ من أجل حل الكثير من الإشكالات.
والتحايل والغش والنصب من العملات الرائجة في أوساط الكثيرين الذين لا يترددون في الركوب على فقر ومشاكل المواطنين، ويجعلون منها فرصا ذهبية لتحقيق أهدافهم الشخصية عبر جمع التبرعات من داخل المغرب وخارجه، بعيدا عن الرقابة القانونية والمسطرية الضرورية، ولعل من بين الأمثلة البارزة في هذا المضمار هناك الحادث المفجع الذي ذهب ضحيته الطفل ريان داخل بئر عميق، حين أبى البعض إلا أن يستغله للاحتيال وجمع التبرعات والاسترزاق باسم “أسرته المكلومة”.
إن عصابة الدكتور التازي الإجرامية فضلا عن أنها تؤكد على أن بلادنا تعاني الكثير من مظاهر النصب والاحتيال في جمع التبرعات وكسب الثروات المادية الهائلة باسم العمل الإحساني، فإنها تدعو كذلك إلى المزيد من اليقظة والاحتراس، ولاسيما أن البعض صار يعتمد “الإحسان العمومي” مهنة لأغراض ربحية وتحقيق الثراء السريع في غياب الرقابة القانونية الصارمة، مستخدمين في ذلك مختلف الوسائل المتاحة بما فيها وسائل التواصل الرقمي بحرفية كبيرة. وعليه تستدعي الضرورة الملحة الضرب بقوة على أيدي كل من ثبت تورطه، حتى يكون عبرة لمن تسول له نفسه استغلال فقر أو مرض المواطنين.

اسماعيل الحلوتي

الاخبار العاجلة