غالي الرخيص!

9 فبراير 2023آخر تحديث : الخميس 9 فبراير 2023 - 7:10 مساءً
admintest
كتاب وآراء
غالي الرخيص!

في مسرحية لا تقل رداءة عن تلك التي اعتاد النظام العسكري الجزائري الفاسد على إخراجها خلال الانتخابات الرئاسية، جرت يوم الجمعة 20 يناير 2023 انتخابات اختيار زعيم لجبهة البوليساريو الانفصالية، فوجدت “العصابة” الحاكمة نفسها مضطرة مرة أخرى في ظل الغليان المتصاعد داخل المخيمات وتعالي الأصوات الرافضة للمدعو إبراهيم غالي الملقب بابن بطوش، إلى النزول بكل ما تملك من أساليب المكر والخداع لإعادة انتخابه لولاية ثالثة، باعتباره الأصلح في الوقت الراهن للاستمرار في خدمة أجندتها السياسية المعادية لوحدة المغرب الترابية.
إذ أنه في سياق التوتر المتصاعد بين الجزائر والمغرب ووفق ما تم التخطيط له سلفا في جنح الظلام، وفي ختام أشغال المؤتمر السادس عشر لجبهة البوليساريو، أعيد انتخاب المجرم البالغ من العمر 73 سنة إبراهيم غالي المتهم بارتكاب جرائم تعذيب واغتصاب منذ عام 2008، زعيما لمليشيات البوليساريو الانفصالية لعهدة ثالثة تدوم ثلاث سنوات، بعد حصوله على 1253 صوتا من مجموع 2097 متقدما على منافسه البشير مصطفى السيد الذي حصل فقط على 563 صوتا، كما ورد في قصاصات الأخبار الخاضعة لهيمنة “كابرانات” العسكر الجزائري.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن انعقاد مؤتمر الجبهة الانفصالية مر في أجواء يسودها التوتر بسب تراكم الانتكاسات أمام الإنجازات الكبيرة الذي ما انفك المغرب يحققها في أقاليمه الجنوبية. إذ تم الاضطرار إلى تمديده برعاية جزائرية، قصد ترجيح كفة الرخيص غالي المرفوض من قبل الانفصاليين أنفسهم، وإلا ما كانت الجزائر لتتدخل بقوة عبر مناوراتها المعتادة لدعمه وإقصاء منافسه، معتمدة في ذلك على استعمال المال والوسائل والموارد والتجييش والتحقير والتشهير، وكذا اللجوء إلى البلطجة من طرف أفراد أسرة ابن بطوش وبطانته. حيث يرى الكثير من الملاحظين أن حرص العصابة الحاكمة في الجزائر على إعادة خادمها المطيع على رأس التنظيم الانفصالي يندرج في إطار تكريس التبعية الدائمة للجزائر.
وإبراهيم غالي ليس سوى “الزعيم” الشهير بتزوير هويته تحت اسم محمد ابن بطوش من أجل الدخول إلى إسبانيا للعلاج. فهو من مواليد عام 1949 في إقليم الساقية الحمراء، تولى قيادة جبهة البوليساريو منذ 9 يوليوز 2016 خلفا لمحمد عبد العزيز المراكشي. ينتمي إلى قبيلة الركيبات التي تعد من إحدى أهم قبائل بني حسان التي هاجرت إلى المغرب من الجزيرة العربية قبل عدة قرون، وينتهي نسبهم إلى “سيدي عبد السلام بن مشيش” أحد أشهر أقطاب التصوف بالعالم الإسلامي، الذي يوجد ضريحه قرب مدينة العرائش، ويعود نسبه إلى المولى إدريس الأكبر، مؤسس الدولة الإدريسية. حيث ولد أبوه ومعظم أبناء عمومته بإحدى المناطق المجاورة لمدينة مراكش، وتشير بعض المصادر إلى أنه ظل يتردد على مسقط رأس والده وجده لمدة طويلة قبل عام 1975 وقبل أن يتحول إلى مجرد مرتزق متنكر لأصله ووطنه، تم انتقاؤه بعناية لتعويض سلفه في قيادة “الجبهة” التي تخوض الحرب بالوكالة، وتستهدف إلحاق الضرر بوحدة المغرب والسعي إلى اقتطاع جزء من ترابه، بواسطة المال والعتاد الجزائريين.
ففي مناورة مكشوفة يقودها كالعادة من خلف الستار الرئيس الفعلي للجزائر ورئيس أركان الجيش السعيد شنقريحة، الرامية إلى محاولة حصر النزاع الإقليمي المفتعل بين المغرب وميليشيات البوليساريو، أعلن زعيم الانفصاليين غالي الرخيص خلال حوار أجرته معه شبكة الإذاعة والتلفزيون العمومية الإسبانية RTVE على هامش المؤتمر السادس عشر، عن رغبة الجبهة في التفاوض السلمي مع السلطات المغربية، بدعوى عدم قدرة “قواته” على المواجهة العسكرية ضد القوات المسلحة الملكية التي تمتلك ترسانة من الأسلحة المتطورة، معترفا بارتفاع منسوب الإحباط في أوساط المرتزقة بفعل تجاهل المنتظم الدولي لمطالبهم الانفصالية. مؤكدا على أن “البوليساريو وكل المقاتلين في صفوفهم لم يغلقوا الباب أبدا أمام المفاوضات والحل السياسي والسلمي للصراع” ثم أضاف “لسوء الحظ، أعداؤنا ليس لديهم الموقف نفسه” فأي وقاحة أشد من أن يصف “الكركوز” ابن بطوش أبناء موطنه الأصلي بالأعداء، لو لم يكن يحصل على مقابل مادي لخيانته الكبرى؟
وبصرف النظر عما تلا ذلك من ترهات في ذلك الحوار المخدوم، فإن ما بات معروفا اليوم بين شعوب العالم وقادتها بما فيها الشعب الجزائري الشقيق، هو أن قضية “الصحراء الغربية” صناعة جزائرية صرفة، وأن جبهة البوليساريو هي صنيعة المخابرات الجزائرية، التي غاظها كثيرا استرجاع المغرب أقاليمه الجنوبية دون إطلاق رصاصة واحدة، من خلال تنظيم المسيرة الخضراء، التي لقنت الخصوم والاستعمار الإسباني درسا بليغا في معاني الحكمة والتبصر لدى الراحل الحسن الثاني مبدع تلك المسيرة، وتضحية الشعب المغربي الكريم والأبي.
إن ما يحز في النفس هو تمادي “كابرانات” العسكر في تبديد ثروات الشعب الجزائري، الإجهاز على مستقبل الأجيال الصاعدة والتحرش المستمر ببلد جار تجمعهم وإياه عوامل مشتركة من لغة ودين وثقافة. بلد شارككم النضال ضد المستعمر الفرنسي، حيث شهد الكفاح المشترك وحدة المصائر والمسارات. وطالما اتخذت الجزائر من الحدود المغربية خلفية لجبهة التحرير الجزائرية في المقاومة. واستمرارهم في دعم كيان وهمي حمل بداخله بذور التفكك منذ النشأة الأولى، ولا أدل على ذلك أكثر مما يعيش على إيقاعه في السنوات الأخيرة من استقالات وصراعات داخل مخيمات تندوف وخارجها…
اسماعيل الحلوتي

الاخبار العاجلة