عندما تجد الآلاف يحجون الى الساحات الكبرى لمشاهدة أحد صانعي التفاهة والبلادة مرددين بصخب أهوج كلمات لا معنى لها.. راقصين خلف المؤخرات الممتلئة والصدور المنفوخة التي أعيد تدويرها في قوالب السيليكون ،يستمر البليد والتافه في حصد الملايين ليصبح في وقت وجيز من أثرا أثرياء البلد، تاركا كحل الراس في جحيم الفقر والاستعباد في أبشع تجلياته.
عندما تذهب الى احدى المقاهي ، تجد أناس يسبحون في موج بعيد على ألواحهم الالكترونية الغالية الثمن وآخرون مقبعين على كراسي نخرة ورثة من كثرة الاستعمال غير مبالين بما تنفث أفواههم النتنة من زور القول تتوالى ضحكاتهم في همز ولمز للمارة… هنا تتأكد مليون بالمئة أن ذكاء بعض مالين الشكارة في نصب كمين المقاهي الكثيرة بالمنطقة لم يكن وليد الصدفة بل نابغ من معرفتهم المتميزة بعادات مرتفقيها.
عندما، تسكن حيا تنعدم فيه الإنارة العمومية والماء الصالح للشرب وقنوات الصرف الصحي ،تنبعث منه روائح تزكم الانوف لمخلفات الحيوان العاقل والغير العاقل، فاعلم أنك في مجتمع فقد رجاحة العقل وأضاع هوية العيش المشترك واحترام الغير. ستعرف حقا كم ضيعت من فرص النماء وكم كنت سجذجا الى حد بعيد. عندها ستعرف أيضا أنك تغوص شيئا فشيئ في الوحل.
عندما يكرم التافه ويهان المثقف ويتحول الى مادة دسمة للصحافة الصفراء ومروجي روتيني اليومي على قنوات اليوتوب وتستثمر الملايير في قضايا العهر والفسق والمجون، فاعلم أنك والله في بيئة ملوثة لا تصلح للعيش مطلقا…
لائحة العبث طويلة في مغرب يظن الجميع انه قطع اشواط كبيرة في مجال الديموقراطية وحقوق الإنسان، عبث يتكرر كلما قرأت او سمعت عن أناس يعتبرون ان نشر الإشاعة وضرب في الاعراض حق، وان الغش في الامتحانات الاشهادية حق، وان التطاول على الاستاذ والمؤسسة التعليمية حق، وان الافلات من العقاب حق، وان التلاعب بصحة الناس حق، وان هتك الاعراض ونهب الممتلكات حق، وان بيع وشراء الذمم ليلة الانتخابات حق. وان تنطط منتخبين لا يملكون تجربة ولا رصيد نضالي وتسييرهم لشؤون العامة حق…
بعد هذا كله ، تأكد أنك تعيش إنحطاطا حضاريا وهزيمة نكراء لا يصلح معها الا ما قد قيل من رثاء وهجاء عن أوضاع مجتمع ينخره الفساد ويتلاعب به الحقاد ، فما كان لنا عند اذ الا شعر اردناه مسك الختام، وخير بيان للأحمد البكري نريح به النفس وننعش على نغماته ذاكرة كانت منسية منذ زمان:
…تَمَلُّكُ رقِّ الحُرِّ بالثمنِ الغالي
أتتني أيادٍ منك في طيِّ بعضِها
لها أنت مسؤولٌ فلا تُلْغ تَسْآلي
وقد بقيَتْ لي بعد ذلك حاجةٌ
فهذا على أرضٍ وهذا على مالِ…
قلوش مولاي عبد الغني
