عنجهية وزير ميسور!

22 مارس 2023آخر تحديث : الأربعاء 22 مارس 2023 - 4:57 مساءً
admintest
كتاب وآراء
عنجهية وزير ميسور!

لم يعرف المغرب من قبل وزيرا يكرس كل جهوده في اتجاه التطبيع مع الفساد وحماية المفسدين من داخل منصبه وتحت قبة المؤسسة التشريعية، عوض الترافع عن أهم القضايا التي تشغل بال المواطنات والمواطنين وتقض مضاجعهم، مثلما هو عليه الحال اليوم في حكومة أخنوش بالنسبة لوزير العدل والأمين العام لحزب “الأصالة والمعاصرة” عبد اللطيف وهبي المثير للجدل، الذي أصبح كنار على علم من حيث التبجح بمنصبه الوزاري والعنجهية في التعامل مع الآخرين.
فعبد اللطيف وهبي صار اليوم من أشد الأشخاص اقتناعا بالمثل الشعبي القائل” “الراس اللي ما يدور كدية” أو ما يسمى في السياسة “تغيير المواقف والاستراتيجيات” أو “قلب الفيستة” وما إلى ذلك من الأمثلة، بعدما كان بالأمس القريب يملأ الدنيا صراخا من موقع “المعارضة” ويطالب بضرورة التصدي لجميع أشكال الفساد والريع، والضرب بيد من حديد على المفسدين وناهبي المال العام وعدم الإفلات من العقاب وتفعيل مقتضيات الدستور، وخاصة ما يرتبط بالشفافية والحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة…
حيث انبرى قبل أيام قليلة للدفاع عن نتائج مباراة منح الأهلية لولوج مهنة المحاماة، رغم ما خلفته من جدل واسع واحتجاجات صاخبة، تندد بما طالها من محسوبية وتشكيك في مصداقيتها ونزاهتها، ولاسيما أن قائمة الناجحين تتضمن أسماء أشخاص يحملون ألقاب شخصيات بارزة في سلك القضاء والمحاماة بما فيهم ابنه، الذي قال في شأنه ردا على سؤال أحد الصحفيين حول نجاحه: “ولدي باه لباس عليه قراه فكندا وعندو جوج إجازات” رافضا فتح أي تحقيق نزيه وشفاف للكشف عن الحقيقة حول الاتهامات الموجهة لوزارته، من أجل تحديد المسؤوليات وإيقاع الجزاءات الجنائية والإدارية في حق المتلاعبين بالنتائج من المتورطين والمتواطئين معهم أو العمل على إلغاء الامتحانات الكتابية…
وقد سبقت له أن هاجم جمعيات حماية المال العام ومحاربة الرشوة في مداخلة له بمجلس المستشارين يوم 19 أبريل 2022، متهما إياها بتقديم شكايات كيدية ضد بعض المسؤولين بغرض ابتزازهم. حيث أنه سارع حينها إلى توعدها وتهديدها بتمرير مشروع قانون المسطرة الجنائية يحمل تعديلات جديدة، من أجل التصدي لها والحيلولة دون استمرارها في تقديم الشكايات إلى القضاء في مواجهة المنتخبين الذين تثبت في حقهم شبهات فساد، من خلال ارتكاب خروقات تدبيرية أو ما يسجل ضدهم من تجاوزات مالية تمس المال العام أو اختلاسات أو أولئك الذين رفعت في شأنهم تقارير من مؤسسات الحكامة حول اقتراف جرائم مالية إبان فترات تسييرهم، ما لم يوافق عليها وزير الداخلية المؤهل الوحيد لمحاسبتهم…
وهو نفسه الذي عاد اليوم حتى قبل أن تتوقف تداعيات مباراة المحاماة وتهدأ الزوبعة التي أثارتها تصريحاته المستفزة، ليس لتبشير المرسبين في المباراة بقرار جديد يقضي بتنظيم مباراة استثنائية لفائدتهم، وإنما لمواصلة طريقه في اتجاه حماية المفسدين، حيث أنه قرر التمادي في غطرسته والعمل على توفير الحصانة القانونية لرجال الأعمال والسياسيين والبرلمانيين ورؤساء الجماعات، بواسطة إجراء تعديلات على القانون الجنائي والمسطرة الجنائية، تحد من فعالية الشكايات الموجهة ضدهم.
ففي معرض رده على سؤال كتابي بمجلس المستشارين مرة أخرى، أكد على أن وزارته جد مهتمة بموضوع الشكايات الكيدية والوشايات الكاذبة ضد السياسيين ورجال الأعمال، وأضاف كذلك بأن مشروعي مراجعة القانون الجنائي والمسطرة الجنائية، نصا على عدة مستجدات وتعديلات ترمي بالأساس إلى تقييد إجراءات البحث الجنائي بناء على ضوابط محددة تضمن الاستثمار الأمثل للوشاية الكاذبة وما إلى ذلك من المبررات التضليلية…
وهو ما أثار حفيظة عديد الفعاليات الحقوقية، حيث اعتبر بعضهم أن الوزير وهبي لم يعد له من هم آخر غير تشديد الخناق على المجتمع المدني، ومنع الجمعيات المواطنة من ممارسة دورها في المراقبة والتقدم بشكايات حول الفساد والرشوة ونهب المال العام إلى السلطات القضائية المختصة. مما دفع برئيس جمعية حماية المال العام محمد الغلوسي إلى توجيه اتهام مباشر له عبر تدوينة نشرها في صفحته الشخصية على الفيسبوك، ب”التدخل ضمن سلسلة من المرامي التراجعية في مجال مكافحة الفساد والإفلات من العقاب، من خلال إدخال تعديلات تهدف إلى حماية المرتشين ولصوص المال العام وتقويض المبدأ الدستوري القاضي بربط المسؤولية بالمحاسبة” محذرا في ذات الوقت من سعيه إلى محاولة توريط المؤسسة التشريعية في خدمة الفساد والتشريع له، في انتهاك صارخ لأسمى قانون في البلاد.
إن ما لا ينبغي لوزير العدل عبد اللطيف وهبي التمادي في تجاهله، هو أن المناصب لا تدوم لأصحابها مهما كانت عليا وذات شأن كبير، بقدر ما تدوم آثار العمل الجاد والمسؤول، فالتاريخ لا يرحم الانتهازيين والمتغطرسين. ومادامت له حساسية مفرطة من شكايات جمعيات حماية المال العام ومكافحة الفساد، فليعد إلى تقارير المنظمات الدولية وخاصة التقرير الأخير لوزارة الخارجية الأمريكية، التي تشير جميعها إلى تراجع مؤشر إدراك الفساد، رغم اعتماد البلاد توجهات وقوانين صارمة لمكافحة الظاهرة، مما يستدعي الانخراط في مرحلة جديدة تقوم على خلق دينامية مهمة في خدمة تنمية شاملة ومستدامة.
وعليه كذلك ومعه جميع المسؤولين الحكوميين ممن هم على شاكلته في الغرور والعنجهية، أن يتأملوا جيدا قوله تعالى في الآيتين الكريمتين 88 و89 من سورة الشعراء: “يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم” أفلا تعتبرون؟ !!
اسماعيل الحلوتي

الاخبار العاجلة