عام كورونا

17 أبريل 2020آخر تحديث : الإثنين 24 مايو 2021 - 2:26 مساءً
admintest
كتاب وآراء
عام كورونا

بقلم ذ. عبد العزيز بوسهماين

لا شك أن سنة 2020 سترتبط في الذاكرة الشعبية للمغاربة بتسميات مختلفة مثل “عام الكوفيد “، ” عام كورونا “، “عام الدار”، ” عام الكمامة “، “عام حورية ” … وذلك على وزن “عام الحلبة “، ” عام البون ” ، “عام السيبة ” ، “عام المسيرة “…

انها بالفعل سنة ليست كباقي السنوات، ستصير ـ حتما ـ نقطة مرجعية للتقويم الزمني في تاريخنا تحت مسمى ” السنة الكورونية ” أو غيرها من المسميات، وستُدَرس في مقرراتنا على أساس أنها مرحلة فاصلة بين عصرين: العصر ما قبل كورونا، والعصر ما بعد كورونا.

ففي العصر الكوروني تم اكتشاف الانسان لبيته كفضاء للتعايش الأسري ، وليس فندقا للمبيت فقط ، ومن الضروري أن يكون متسعا وفيه غرف كافية لاحتواء استقلاليتنا وأنانيتنا وفردانيتنا،وأن تكون له شرفة كخط امداد بأشعة الشمس والهواء الكافي ونوافذ تُستعمل كقنوات إخبارية لنقل كل ما يحدث بالزقاقين الأمامي والخلفي،وخاصة عندما يحل “رواد الفضاء” أو “أصحاب النووي” لاختطاف أسرة ـ من الجيران ـ متهمة باحتضان “الكوفيد ” الممنوع .

في العصر نفسه، حين دخلت الناس مساكنها خوفا من “الكوفيد “، تم اكتشاف الانسان لأسرتــه كمجتمع صغير كان، قبل العصر الكوروني، مهضوما في كثير من حقوقه الطبيعية، وأنه كان عليه أن ينتبه لكثير من التفاصيل التي غابت عنه في ظل حالة التيهان التي كان يعيشها في مجتمعه الكبير الذي تجمد بفعل مخلوق مجهري صغير.

سيحكي أطفالنا لأحفادهم أن “ناس زمان” كانوا كلما أرادوا الخروج من بيوتهم بترخيص من “المقدم” وضعوا كمامات واقية على وجوههم ، أغلبها “من صنع أيديهم ” في ظل قلة ورداءة كمامات “المخزن ” ، خوفا من الكوفيد والمخزن في ان واحد .

دروس التاريخ في ارتباطها بالاقتصاد ستذكر أن المغرب بخير وعلى خير وأن الخضروات والفواكه والأسماك واللحوم كانت تجوب كل الأزقة والقرى بأثمان مناسبة ، وستؤكد كذلك أن المغرب عرف أكبر حملة للتضامن في التاريخ ، وكانت هذه الحملة عبر مرحلتين: الأولى تطوعية أطلقها الملك محمد السادس حفظه الله ورعاه فشارك فيها الوطنيون من أغنياء البلد وتخلف عنها بعض مصطنعي الوطنية ورغم ذلك امتلأ الصندوق وفاق التوقعات ، والثانية اجبارية أطلقها السي العثماني عفاه الله من رئاسة أية حكومة مقبلة ففرض ـ مستجيبا لأول مرة لمقترح النفايات بل النقابات ـ على الممرضين والأطباء والمعلمين وموظفي المؤسسات العمومية …اقتطاعات اجبارية من أجورهم دون مراعاة الاوضاع المادية لبعضهم التي قد تكون مزرية وتتخللها منعرجات و كدمات خطيرة .

التاريخ سيذكر في علاقته بالوضع السياسي أن المغرب عرف خلال العصر الكوروني هُدنة سياسية تامة الأركان، وأن الحركات الاحتجاجية والمطالب الاجتماعية تجمدت، وأن معتقلي السياسة والرأي نُسيَ ذكرهم ولبثوا في سجنهم سنوات أخرى، وأن الهيئات السياسية والمدنية والحقوقية …والمواطنين التزموا ” الكمامة ” إزاء كل القرارات الصادرة خلال حالة الطوارئ وعبروا عن رضوخهم للأمر الواقع حامدين شاكرين.

ستحكي الجدات لأحفادهن أنهن لم يعرفن قيمة المدرسة ولم يُقدرن المُعلم حق قدره الا خلال الحجر الصحي ، وأن أُسرا تقطعت أوصالها بسبب هاتف ذكي أو لوحة الكترونية أو بطاقة تعبئة من أجل متابعة الأبناء للتعليم عن بعد اُسوة بأبناء الجيران الذين يتباهون بذلك ويستعرضون امكانياتهم الالكترونية أمام الضعفاء الذين صاروا يحلمون بالحصول على ” كود الويفي ” أكثر مما يحلمون بالرغيف .

الكتب المدرسية والمؤلفات ستُضَمن نصوصا حول المعارك التي خاضها الأطباء والممرضين والمسعفين ورجال الوقاية المدنية … ضد الوباء الشبح وكيف سقط بعضهم صريعا لهذا القاتل. كما ستُضَمن صورا عن بطولات القوات والسلطات العمومية بكل أطيافها من أجل ادخال الناس مساكنها حتى لا يحطمها الطاعون القادم من الصين .

في هذا ” العام الكوفيدي” ، اكتشفنا حقيقة المثل الشعبي القائل ” المغطي بديال الناس عريان ” ، حيث اكتشفنا أنه لا فرنسا ولا أمريكا ولا غيرهما ستنقذنا من الوباء ، وأنه يجب أن نغير الاتجاه نحو العلم والعلماء ، واكتشفنا أننا نملك عقولا وأدمغة تستطيع اختراع أجهزة طبية متطورة وطائرات بدون طيار فقط يجب احتواؤها بدل تصديرها ،ويجب منحها الفرصة والامكانيات وتشجيعها بدل تشجيع أمثال ” اكشوان ان وان ” و ” نيـبــة ” وملاحقة أبطال تفاهة “حمزة مون بيبي “…

في العصر الكوروني اكتشف العالم ـ من جديد ـ أن الله موجود ، وانه يضع سره في أضعف خلقه ، فيُتعب به الجبابرة والطغاة والذين يظنون أنهم قد تحكموا فيها ، وأنه وحده قادر على انهاء هذا البلاء .

الاخبار العاجلة