صرخة من قلب إحدى الداخليات!

5 أبريل 2023آخر تحديث : الأربعاء 5 أبريل 2023 - 8:57 مساءً
admintest
كتاب وآراء
صرخة من قلب إحدى الداخليات!

ونحن في هذا الشهر الفضيل رمضان الذي يفترض أن تعم فيه أرقى مظاهر التدين من حيث التضامن والإحسان إلى من هم في حاجة إلى الرعاية والمساعدة صغارا كانوا أم كبارا، فإذا بنا نفاجأ بصورة صادمة لوجبة إفطار بئيس من إحدى داخليات بلادنا، التي انتشرت كالنار في الهشيم على منصات التواصل الاجتماعي، حيث تعالت أصوات الاستنكار منددة بما يلاقيه أطفال في عمر الزهور من إهمال وتجويع…
ولعل ما رفع من حدة صدمتنا أكثر من صورة وجبة الإفطار المستفزة، هو ما تتعرض إليه التلميذة التي التقطت الصورة من داخل داخلية بظهر السوق في تاونات من تهديد بالطرد والمتابعة القضائية، لا لشيء سوى أن المسكينة شعرت بالقهر والإهانة، فأطلقت تلك الصرخة المدوية يحذوها الأمل الكبير في أن تصل إلى آذان كبار المسؤولين وفي مقدمتهم وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة شكيب بنموسى، ويهبوا لنجدتها وزميلاتها وزملائها وإنقاذهم من جحيم التهميش وحرارة الجوع المضاعف. حيث أنه من غير المقبول أن يظل الإنسان صائما طوال اليوم، ليفطر في آخر المطاف على حبات ثمر وصحن صغير من الحريرة وخبزة وكأس شاي، خاصة بالنسبة للفئات الهشة التي بالكاد تقضي اليوم صائمة.
ثم كيف تستطيع مثل هذه التلميذات والتلاميذ الذين يعانون ويلات سوء التغذية التفاعل مع أساتذتهم خلال الحصص الدراسية ويكونون قادرين على استيعاب الدروس والرفع من مستوياتهم التعليمية، وهم يعيشون في خضم هذه الحالة من البؤس والحرمان؟ ولعدم تدخل جمعيات الآباء والأمهات وأولياء التلاميذ لدى إدارة المؤسسة لاستطلاع جلية الأمر والخروج بحلول ملائمة للمشاكل القائمة، دخل على الخط عدد من فعاليات المجتمع المدني للاستنكار والتنديد، فيما لجأ عديد المواطنين إلى منصات التواصل الاجتماعي، رغبة منهم في رفع الغطاء عن الصورة القاتمة لبعض الأقسام الداخلية بمؤسساتنا التعليمية، من أجل الكشف عن حجم معاناة نزلائها من المتعلمات والمتعلمين، في ظل غياب المراقبة الحقيقية والصارمة لجودة الوجبات الغذائية وسبل صرف ميزانية “المطعمة” بكل داخلية على حدة.
ولم يقف الأمر عند حدود الشجب والاستنكار وترويج صور توثق لموائد إفطار نزيلات ونزلاء بعض الداخليات التابعة لوزارة بنموسى من قبل بعض نشطاء الفضاء الأزرق، الذين أبوا إلا أن يعبروا عن استيائهم ورفضهم الشديد لنوعية الوجبات الغذائية وكمياتها وطبيعة الأواني التي تقدم للمسجلين فيها. حيث عزا البعض منهم سبب حدوث مثل هذه “الفضيحة” إلى التقصير وغياب الحس الوطني وروح المسؤولية لدى بعض منعدمي الضمير، الذين لا يتوانون عن خيانة الأمانة. فيما يرى آخرون أن سوء تغذية تلميذات وتلاميذ الداخليات في بعض المناطق المغربية، يعود بالدرجة الأولى إلى غياب الحكامة الجيدة وعدم تفعيل مبدأ “ربط المسؤولية بالمحاسبة” وغلاء أسعار المواد الاستهلاكية.

بل امتد السخط إلى المؤسسة التشريعية، حيث بادر أحد النواب البرلمانيين عن الفريق الاشتراكي بمجلس النواب، إلى توجيه سؤال كتابي للوزير الوصي عن القطاع، يستفسره من خلاله عن مدى حقيقة ما يروج من تهديد التلميذة التي قامت بتصوير وجبة الإفطار ليس فقط بالطرد من المدرسة، بل كذلك بالمتابعة القضائية. معتبرا أن مثل هذا التصرف يشكل انتهاكا لحقوق الإنسان عامة والطفل خاصة، ومنها حق التلاميذ الداخليين في تغذية سليمة ومتوازنة، بدل العمل على تجويعهم وترهيبهم، فأين نحن من دور الوزارة في حماية هؤلاء المتعلمين إناثا وذكورا؟ ولمن المصلحة في تحويل داخليات مدارسنا التعليمية إلى شبه “معتقلات”، من حيث سوء المعاملة والتجويع والتهديدات المتوالية وانعدام الراحة؟
فمما يستغرب له أن وزارة بنموسى سبق لها فور تسجيل حالات تسمم غذائي في صفوف تلاميذ مؤسستين تعليميتين، أن أعلنت عن إطلاق مبادرة تجريبية بخصوص اعتماد “نظام المطعمة” داخل بعض المؤسسات التعليمية والداخليات بجهة سوس ماسة، على أن يتم تعميم هذه التجربة على جميع الأكاديميات الجهوية التابعة لها بالمملكة ابتداء من الموسم الدراسي 2022/2023 بعد نجاح الفترة التجريبية، وذلك من أجل ضمان جودة الطعام الذي يقدم للتلاميذ وتفادي بعض المشاكل. فأين هي إذن تلك الجودة التي تم التبشير بها عبر مختلف وسائل الإعلام؟
إن أشد ما نتخوف منه هو أن يتواصل التغاضي عن بعض الفضائح الأخلاقية والتجاوزات المالية والإدارية، وعدم محاسبة بعض المسؤولين عن إخلالهم بواجبهم، مما قد يساهم بوعي أو بدونه في تنمية قيم الحقد والكراهية لدى أطفالنا وشبابنا، من خلال التهميش وسوء المعاملة وعدم المساواة وتكافؤ الفرص، في الوقت الذي يتعين فيه تضافر جهود الجميع من أسرة ومدرسة وفعاليات المجتمع المدني وغيرها في اتجاه غرس بذور القيم النبيلة في أذهانهم من قبيل التضامن واحترام حقوق الإنسان وحب الوطن، والانكباب على حسن رعايتهم ومساعدتهم في حل مشاكلهم، حتى يكونوا خير خلف لخير سلف من حيث تنمية وطنهم والاستعداد الدائم لحمايته والدفاع عن كل شبر من ترابه، مهما كلفهم الأمر من ثمن باهض.
اسماعيل الحلوتي

الاخبار العاجلة