رسالة من تحت الطوفان

28 نوفمبر 2014آخر تحديث : الإثنين 24 مايو 2021 - 3:12 مساءً
admintest
كتاب وآراء
رسالة من تحت الطوفان

كانت الأمطارـ في المغرب ـ ولا تزال تعتبر أقسى وأنزه لجنة ربانية في تعاملها مع افتحاص مشاريع البنية التحتية ببلادنا وكشف العيوب التي تخللتها أثناء دراستها و انجازها في غفلة من المسؤولين ـ من البشر ـ أو بالأحرى في تغافل منهم المدفوع الثمن مسبقا .
لذلك ، فمهما كان اقتصاد الحكومات المتعاقبة يتوقف بشكل كبير على الأمطار ، ومهما كانت وزارة الفلاحة ـ بالأخص ـ تتمنى نزول المطر لتتشدق بموسم فلاحي جيد ، مهما ذلك، فتلك الحكومات تتخوف في قرارة نفسها من الأمطار وتدعو أن تهطل “على قدر النفع ” حتى لا تنكشف عورتها وخاصة عورة وزارة التجهيز التي غالبا ما تدك الأمطار ـ على قلتها ـ كل ما حرثه لصوص المال العام وسارقو الصفقات العمومية الذين غالبا ما يولدون من رحمها.
الرسالة التي جاءت على ظهر أمواج مياه الأمطار لهاته السنة كانت مفرداتها جد قاسية على مدبري الشأن المحلي والوطني من منتخبين وسلطات ومسؤولين بالرغم من ضعف كمية المياه التي نزلت من السماء مقارنة مع ما ينزل في دول ومناطق أخرى من العالم ، الا أنها كانت جد كافية لتضحد كل العنتريات التي يتفوه بها مسؤولونا الأفذاذ حول انجازاتهم الخارقة التي لم يأت بها الأوائل .
قساوة الرسالة ، التي لم تكن هي الأولى من نوعها طبعا، تمثلت في التوقيت الذي نزلت من تحت الماء ، وهو الوقت الذي شرع فيه البعض في شحذ لسانه بفن الخطابة في مدح منجزاته ، بينما يشحذ الاخرون ألسنتهم بأشعار الرثاء والذم والقدح في خصومهم السياسيين ، وفي الوقت الذي أخرجت فيه السيوف من أغمادها استعدادا لموقعة يونيو المقبل .
فجلسة مجلس النواب ليوم الثلاثاء الماضي كانت فرصة للطرفين للتنابز فيما بينهم وللركوب على مآسي ضحايا الفيضانات : الحكومة تدعي أنها تقوم ” باللازم ” و أكثر منه بكثير و أن المسؤولية ترجع للشعب ” المكلخ ” الذي يقطع الأودية ويسكن مساكن غير مصفحة في القرى والجبال وقرب الوديان ، فيما المعارضة تحمل كل شيء ـ حتى نزول المطر ـ للحكومة ، وكأن هؤلاء المعارضين ـ لو كانوا في موقع المسؤولية ـ لكانوا سيقومون بأفضل مما قامت به الحكومة، ولكانوا سيمنعون الأودية من الجريان أو سيحولون مجراها بعيدا عن القرى والمدن ،ولكانوا ـ أيضا ـ سيحولون دون سقوط المنازل الايلة للسقوط بالمدن والأكواخ الهشة بالقرى ، وسيجندون الطائرات والجرافات واللوجيستيك خدمة لأبناء الشعب المحبوب ، وتعويض المنكوبين ،وحملهم على وجه السرعة في سيارات اسعاف مجهزة عوض شاحنات نقل القمامة التي جندها المسؤولون الحاليون لنقل الضحايا وانقاذا الأرواح .
صحيح أن للحكومة مسؤولية كبيرة فيما تعرضت له البنية التحتية الحديثة من نسف بواسطة السيول والأمطار والتي اتضح أنها لم تخضع للمراقبة ولم تحترم فيها معايير الجودة للمقاومة ،الا أن أغلب من يبكون على الأطلال نسوا أنهم كانوا قبل اليوم في موقع المسؤولية وأننا نجني اليوم ما زرعوا من غش وأننا نسقط اليوم في الحفر التي تركوها من أجلنا .
الرسالة التي جاءت من تحت الطوفان تفيذ أننا نغرق ،نغرق ،نغرق … فتعلم أيها الشعب كيف تسبح وتعانق الأشواق.
اننا نغرق في خرق ،خرقه السابقون ،و اتسع ترقيعه على حكومة تخضع للتماسيح وتعفو عن ناهبي المال العام ولصوص الصفقات العمومية ، فتعلم أيها الشعب كيف تموت في الأعماق ، وكيف تطهر نفسك ـ أنت أيضا ـ من النفاق .
رسالة تفيذ أن الذئاب ما تزال تتربص بالمال العام وتقتسمه تحت ذريعة انجاز مشاريع كبرى متناسية أن هناك لجنة ربانية قد تحل في أي وقت دون اشعار المسؤولين . لجنة لا تحتاج الى وجبات غذاء فاخرة ولا تقبل المساومة مقابل انجاز تقارير زائفة ، بل تترك تقارير واقعية عبارة عن قناطر مدمرة وطرقات متهالكة وعمارات مهدمة …..الا أن هاته التقارير الواقعية لا تستدعي ربط المسؤولية بالمحاسبة لأن المحاسبة تمت ليلة ابرام الصفقة العمومية .
اللهم انا لا نسألك رد القضاء وانما نسألك اللطف فيه .

بقلم : ذ. عبد العزيز بوسهماين

الاخبار العاجلة