رسائل “ابن بطوطة”

16 فبراير 2023آخر تحديث : الخميس 16 فبراير 2023 - 4:39 مساءً
admintest
كتاب وآراء
رسائل “ابن بطوطة”

– عزيز لعويسي
في الوقت الذي اختار فيه نظام الشر، الحفل الافتتاحي للشان، لتصريف سموم العداء الخالد للمغرب، عبر تجييش الجماهير الحاقدة، والاستنجاد بمانديلا الصغير، الذي أتى مهرولا، ملبيا نــداء العداء، لينوب عن الحاقدين، في الهجوم على وحدة المملكة وسيادتها، في لحظة قدارة ووقاحة وعداء .. في الوقت الذي اختار فيه نظام العداء الخالد، مراسم افتتاح منافسة كروية إفريقية، لإنتاج خطاب العداوة والبغضاء والحقد والكراهية، اختار المغرب حفل افتتاح “الموندياليتو” بعروس الشمال طنجة، لرسم لوحات الجمال، وبعث رسائل المحبة والتعارف والتلاقي والتسامح والصداقة والسلام إلى العالم بمشارقه ومغاربه، عبر مشاهد فرجوية تقاطع فيها الفن والإبداع والأناقة والبهاء والجمال، والنوستالجيا والتاريخ والثقافة والخيال.

نظام العداء قدم للعالم “مانديلا الصغير”، والمغرب قدم للعالم واحدا من الشخصيات المغربية والعربية والإسلامية التي طبعت تاريخ المغرب المشرق، وميزت بهاء وعنفوان الحضارة المغربية الأصيلة، ويتعلق الأمر بالرحالة والعلامة المغربي “ابن بطوطة” الطنجي، الذي تجسدت في شخصيته، ما ينفرد به المغاربة من تفتح وتسامح ومحبة و جود وكرم، وما يتمتعون به من قدرة على الصبر والتحدي والمجازفة والخلق والإبداع والابتكار والإشعاع …

نظام العداء كرم في الشان، العداوة والبغضاء والتفرقة والتشرذم والحقد والكراهية، والمغرب كرم في “الموندياليتو”، شخصية “ابن بطوطة”، ومن خلاله، كرم القيم الإنسانية المشتركة، من خير ومحبة وسلام وتعايش وتعارف، وتسامح وانفتاح وتلاقح بين الأمم والشعوب، كما كرم قيم “التقدير” و”الاعجاب” و”التقدير” و”الاعتبار”، في شخص الراحل “بيليه” أسطورة كرة القدم العالمية، الذي حظي بتكريم خالد، في عرس كروي عالمي، ازداد بهاء بحفل تقاطع فيه “شعر” اللوحات الفولكلورية و”نثر” الجماهير السخية، و”قوافي” الأضواء البهية …

نظام العداء قاده غباؤه، ليطلق اسم “نيلسون مانديلا” على الملعب الذي جرى فيه حفل افتتاح الشان، لا لشيء، سوى لخدمة حقده الخالد للمغرب ووحدته الترابيــة، والمغرب قاده تبصره وذكاؤه، إلى إطلاق اسم “ابن بطوطة” على ملعب طنجة، ليس فقط، تكريما لهذه الشخصية المغربية الأصيلة التي طبعت التاريخ العربي والإسلامي والإنساني، بل ولتمرير صورة مملكة ضاربة في عمق التاريخ، كانت ولاتزال واحة “محبة” و”صداقة” و”تعارف” و”تآخي” و”تعايش” و”أمن” و”سلام” و”إشعاع” …

النظام الحاقد دق ويدق طبول الحرب والخراب والعداء، والمغرب رفع ويرفع يافطة السلام والعيش المشترك، ولواء الصفاء والبهاء والتعاون والمصالح المتبادلة، نظام أبله راهن منذ أكثر من أربعة عقود على عقيدة القبح والقدارة والخبث الذي تجاوز الحدود، ضاربا عرض الحائط كل قيم الأخوة والدين والعروبة وحسن الجــوار، ومغرب راهن على البناء والنماء، ونشر ثقافة المحبة والتعايش والسلام والتعاون والتضامن والأمن والاستقرار، مستثمرا ما يتفرد به من عمق تاريخي ضارب في القدم ومن بهاء ثقافي وحضاري، قوى ويقوي الإحساس الفردي والجماعي، في كسب الرهانات والتحديات، تحت ظلال “تامغرابيت” التي لايمكن البتة فك طلاسيمها، إلا داخل طقوس “الإصرار” و”التحدي” و”التميز” و”الإبداع”، والتمسك الذي لامحيد عنه بثوابت الأمة المغربية وهويتها المشتركة.

بين بهاء حفل افتتاح الموندياليتو وعنفوان ملحمة المونديال القطري وشموخ “ابن بطوطة” الطنجي، يحضر مغرب الحضارة والتحدي، وتبرز مملكة المحبة والتواصل والتلاقي والإشعاع، وبين هذا وذاك، تحضر اللحمة الوطنية، التي تقوي يوما بعد يوم، الإحساس الفردي والجماعي في التصدي لممارسات “الابتزاز” و”الاستعلاء” و”الاستقواء” و”التحرش”، في إطار مغرب عظيم بتاريخه الزاخر، كبير بحضارته المشرقة، وشامخ بما تركه أبناؤه ورجالاته، من بصمات خالدة في التاريخ العربي والإسلامي والإنساني، من أمثال “ابن بطوطة” الذي كان ذات يوم “سفيرا فوق العادة” لمغرب أقصى، في سياق جيوتاريخي، لم يكن فيه لا هاتف ولا أنترنيت ولا وسائل نقل، إلا قوة العزيمة والرغبة الجامحة في المجازفة والتحـدي، لترك بصمة في تاريخ العالم، مدونة بمداد المحبة والتعارف والتعايش والسلام…

بهاء الموندياليتو وملحمة المونديال، وما تعيشه المملكة الشريفة من مشاريع تنموية وبنيات تحتية كبرى، وما حققته الدبلوماسية المغربية من مكاسب ومنجزات غير مسبوقة منذ ملحمة الكركرات، معناه أن المغرب، يراهن على ثالوث “البناء” و”النماء” و”الإشعاع”، في إطار من “الحكمة” و”الصمت” و”التبصر”، تاركا مساحات رحبة أمام الأعداء، ليمارسوا “شطحات” العداء بعورات مكشوفة، وممارسات وضيعة، جعلتهم يهرولون إلى تقديم الغالي والنفيس، لمن ألف التحرش والاستعلاء، واعتاد الابتزاز والاستقواء، لإشباع ما يسيطر عليهم من عداء “مروكي” عصي على الفهم والإدراك.

ومهما قيل أو ما يمكن أن يقال، فالمغرب يبقى كبيرا بتاريخه وحضارته ورجالاته وشخصياته وحكمته وتبصره، والنظام الحاقد يبقى صغيرا ربما أصغر من “مانديلا الصغير”، الذي ساهم مع سبق الإصرار، في جريمة عنوانها “القدارة” و”الوقاحة” و”قلة الحياة”، في عرس كروي إفريقي، ليشفي غليل نظام مريض بات “المروك” كابوسه المزعج وشبحه المخيف آناء الليل وأطراف النهار….

وحتى لانقع في دائرة “التصفيق” أو “التطبيل”، أو نردد مقطوعة “العام زين”، أو نسقط في فخ “التبخيس” و”التيئيس”، فلابد من الإقرار أن مكاسب كثيرة تحققت خلال العقدين الأخيرين، في الاقتصاد والبنيات التحتية والتجهيزات والأوراش التنموية الكبرى، والأمن والقضاء والرياضة والدبلوماسية والإعلام والاتصال…، لكن بالمقابل، لابد أن نتحلى بالشجاعة والجرأة، في القول أن المشهد التنموي، لازالت تتخلله الكثير من الأعطاب والهفوات، والأداء السياسي والحقوقي والقانوني، لم يصل بعد، إلى ما نتطلع إليه جميعا كدولة ومؤسسات وأفراد وجماعات، مما يؤثر سلبا على منسوب الثقة في الأحزاب السياسية والعمل السياسي برمته، ويرفع من جرعات الإحساس باليأس والإحباط وانسداد الأفق، في أوساط شرائح واسعة من المواطنين من ذوي الدخل المتوسط والضعيف …

العلامة والرحالة “ابن بطوطة” هو مرأة عاكسة لما أنجب المغرب الأقصى من علماء وشرفاء وصلحاء ومشاهير، تركوا بصمات خالدة في سجل الفكر العربي والإسلامي والإنساني، ويكفي الإشارة إلى “القاضي عياض” الذي قيل فيه “لولا عياض لما عرف المغرب”، وعليه، وفي ظل ما يواجه الوطن من تحديات ورهانات، واستحضارا للسياق الاجتماعي الموسوم بالتذمر والإحباط واليأس وانسداد الأفق، باتت الحاجة ماسة، إلى ما يشبه “الانفراج الاجتماعي”، حرصا على التماسك الاجتماعي وتقوية للجبهة الداخلية، التي بدونها يصعب البناء والنماء والوحدة والإشعاع. انفراج يقتضي فاعلين/مسؤولين سياسيين حقيقيين، يصغون إلى “نبض المجتمع”، قادرين على إيجاد “الحلول المبدعة والمبتكرة والخلاقة” للمشاكل القائمة، في إطار من الوطنية والمسؤولية والتبصر والتضحية ونكران الذات، والوفاء والإخلاص للوطن ولثوابت الأمة…، لا إلى مسؤولين منعدمي الضمير، يقسون على الوطن والمواطن على حد سواء، بأنانيتهم وجشعهم واستفزازاتهم وسوء تقديرهم وانعدام مسؤوليتهم …

الاخبار العاجلة