حملة تلقيحية وحملة انتخابية

3 سبتمبر 2021آخر تحديث : الجمعة 3 سبتمبر 2021 - 5:40 مساءً
admintest
كتاب وآراء
حملة تلقيحية وحملة انتخابية

-بقلم:عزيز لعويسي

كتب علينا أن نتموقع بشكل غير مسبوق في صلب حملتين متزامنتين، قد تبدو الفوارق بينهما كالفرق بين البحر والوادي، ويتعلق الأمر بالحملة الوطنية للتلقيح التي لازالت جارية على قدم وساق في أفق استيعاب الفئة العمرية بين 12 و17 سنة، أملا في دخول مدرسي آمن بالنسبة لكافة أطراف ومكونات المجتمع المدرسي، تتحقق معه مقاصد الوصول إلى محطة المناعة الجماعية التي باتت موضوع نقاش في ظل الضربات القوية والمميتة أحيانا التي وجهها ويوجهها الإمبراطور كوفيد لعدد من الأشخاص الذين استوفوا نصاب الجرعتين، وحملة ثانيـة انتخابية دخلت في شوطها الثاني والأخير، يعول عليها لتعزيز البناء الديمقراطي وتوثيـق صرح المسلسل الانتخابي الذي سيعيش على وقع أول انتخابات ستجرى في نفس اليوم بمستوياتها التشريعية والجهوية والجماعية.

الحملة الأولى ذات صبغة صحية، تجري وفق ما رسم لها من خطط وأهداف، في إطار من المرونة والسلاسة والنجاعة، يقوي مشاعر الفخر والاعتزاز بالإبــداع المغربي الخالص الذي جعل من المغرب واحدا من البلدان الرائدة عالميا في تدبير حملة التلقيح، وإذا كان هذا النجاح، يرجع الفضل فيه إلى الرؤية المتبصرة والاستباقية للملك محمد السادس الذي جعل من الصحة العامة أولوية الأولويات، فإن الرأسمال البشري أبلى البلاء الحسن على المستويات التنظيمية والتدبيرية والتقنية واللوجستية والتواصلية، بشكل جعل قطار الحملة يتحرك بمرونـة ونجاعة، لكن نرى أن الفضل يرجع للمواطنين، الذين تفاعلوا إيجابا وانخرطوا بشكل مبكر في هذا الاستحقاق الصحي الوطني بنسب مشاركة عالية جدا، ماعدا بعض الأصوات التي آمنت بنظرية المؤامرة وانحنت أمام عواصف الشك والخوف والتردد والتوجس، في ظل جائحة عالمية، من يبحث عن الحقيقة فيها، كمن يبحث عن السراب في صحراء قاحلة لاوحش فيها يسير ولاطير يطير.

إذا كان رهان الحملة الوطنية للتلقيح يتأسس على بلوغ محطة “المناعة الجماعية” التي قد تيسر سبل العودة التدريجية إلى الحياة الطبيعية، فإن رهان الحملة الانتخابية، ينحصر في مستوى تنظيم حملة نظيفة وملتزمة بالقيود الوقائية والاحترازية، خاضعة لسلطة القانون ومحترمة للمواطن واختياراته، وبعيدة كل البعد عن ممارسات العبث وأخواته، لكن الرهان الأكبر الذي يثير قلق وتوجس الدولة والفاعلين السياسيين والحزبيين بما في ذلك المرشحين، هو التوقيـع على نسبة مشاركة مقبولة في اقتراع ثامن شتنبـر، بشكل يذيب جليد النفـور والعــزوف، الذي يكــرس خرائط سياسية مبتـورة غير واضحة المعالم والاتجاهات، تؤســس لمؤسسات تمثيلية، تعاني أزمة ثقة ومصداقية، في ظرفية يحتاج فيها المغرب إلى مؤسسات قوية ذات مصداقية، قـادرة على خدمة المواطن والدفاع قضايا الوطن ومصالحه الاستراتيجية.

الحملة التلقيحية، يحضر فيها المواطن، وتحضر معها شروط الجاهزية والقابلية والانخراط والمبادرة ، كما يحضر معها الإحساس الفردي والجماعي في أهمية المحافظة على الصحة العامة التي تعد مسؤولية جماعية مشتركة، أما في الحملة الانتخابية، فتحضر مفردات الرفض واليأس والنفور والعــزوف وفقدان الثقة من جهة شرائح واسعة من الناخبين، مقابل هيمنة مشاهد العبث و الأنانية والانتهازية والوصولية وانعدام المسؤولية، وضعف منسوب المواطنة والإصرار على جعل الانتخابات مطية، لتحقيق الارتقاء السياسي والاقتصادي والاجتماعي على حساب مصالح المواطن وتطلعاته وانشغالاته اليومية، في ظل غياب آليات المساءلة والمحاسبة والعقاب، وهي مشاهد حاضرة بقوة وبمستويات ودرجات مختلفة في عقليات وتصرفات العديد من المرشحين، إلا من رحم ربي.

إذا كان الخيط الرفيع الذي يؤطر حملة التلقيح، يرتبط بالحق المشروع في الوصول إلى محطة “المناعة الجماعية”، فالحملة الانتخابية والممارسة السياسية برمتها، باتت اليوم أكثر من أي وقت مضى، في حاجة إلى بلوغ “المناعة السياسية”، ضد كوفيدات العبث والفساد والتهور والريع والأنانية واللغط والجدل والوصولية والانتهازية والنهب والسلب والحلب، وفي ظل هيمنة هذه الكوفيدات القاهرة، تحولت السياسة إلى مرتع خصب لبعض صناع العبث وأخواته، وصارت العمليات الانتخابية مأوى لمن يعيش هشاشة المواطنة والقيم، ومعبرا حدوديا لامحيد عنه، للحالمين بما تجود به السياسة من مكاسب وكراسي تسيل اللعاب، وكما أن “المناعة الجماعية” تتوقف على التعبئة الجماعية والانخراط الجماعي في عملية التلقيح بكل أريحية وجاهزية واستعداد، فالمناعة السياسية، لن تتحقق على أرض الواقع، إلا بحضور ذات الإرادة المشتركة، في تطهير جسد السياسة من الكوفيدات الفتاكة وما يرتبط بها من متحورات، عبر الرهان على ما نتملكه من تلقيحات ناجعة مغربية الصنع، منها “ربط المسؤولية بالمحاسبة” و”عدم الإفلات من العقاب” و”محاربة كل أشكال الريع والفساد”، بشكل يجعل من السياسة “عملا تطوعيا” لمن يريد خدمة المواطن والإسهام في ارتقاء الوطن بكل تضحية ومسؤولية ونكران للدات.

الاخبار العاجلة