جهة سوس ترسم ملامح افق مشرق لمغاربة العالم

16 يوليو 2021آخر تحديث : الجمعة 16 يوليو 2021 - 10:33 صباحًا
أشرف كانسي
أخبار سوسسلايدر
جهة سوس ترسم ملامح افق مشرق لمغاربة العالم

حسن هرماس

شكلت جهة سوس ماسة منذ نهاية عقد الخمسينيات من القرن الماضي موطنا للهجرة نحو مختلف بقاع العالم، خاصة منها الدول الأوروبية التي كانت وما زالت تستقبل الجزء الأكبر من أفراد الجالية المغربية في الخارج، حيث أصبح لمغاربة المهجر في أوروبا شأن وازن في مختلف مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والرياضية وغيرها.

وقد أصبحت بذلك فئات عريضة من أفراد الجالية المغربية في الخارج نموذجا ناجحا للإندماج في بلدان المهجر، حتى غدوا يحتلون مواقع الصدارة في مجموعة من الهيئات المسؤولة عن اتخاذ القرارات التي تخص مصير البلدان الاوربية، من قبيل البرلمانات المحلية والوطنية، وتقلد الحقائب الوزارية، وتحمل المسؤولية في المنظمات الحكومية وغير الحكومية ذات الإشعاع العالمي… وغيرها من المواقع الأخرى.

وعلى الرغم من هذا النبوغ المغربي في الخارج، والذي يعكس جانبا من الشخصية المغربية الفذة خارج الوطن، فإن مغاربة الخارج مهما طالت مدة إقامتهم في بلدان المهجر فإن ارتباطهم ببلدهم الأصلي يبقى ساريا بشكل تلقائي.

ومما لا شك فيه أن هذه الرابطة المتجددة بشكل تلقائي لمغاربة العالم مع وطنهم الأم هي التي جعلت العديد من الهيئات، إلى جانب المسؤولين من مختلف المستويات يقدمون على اتخاذ إجراءات، وإطلاق مبادرات تتجاوب مع تطلعات مغاربة المهجر، وتقوي شعورهم بالانتماء للوطن، حيث يمكن لمثل هذه المبادرات في بعض الأحيان أن تكون ذات طابع استثنائي بالنظر لقصر الفترة الزمنية للعطل التي يقضونها في أرض الوطن.

وتأتي في مقدمة هذه المبادرات اليوم الوطني للمهاجر الذي تم إقراره بمبادرة من الملك محمد السادس، تعبيرا منه عن العطف الذي يشمل به هذه الفئة من أفراد الشعب المغربي، حيث يتم تخليد هذه المناسبة في العاشر من شهر غشت من كل سنة في مختلف عمالات وأقاليم المملكة، لاسيما منها التي ينحدر منها عدد كبير من أفراد الجالية الذين يتوافدون على موطن الأجداد خلال هذا الشهر من السنة.

وقد اتخذ الاهتمام بأفراد الجالية المغربية المقيمة في الخارج على صعيد عمالتي وأقاليم جهة سوس ماسة اشكال مختلفة تنم عن حرص المسؤولين على الصعيدين الإقليمي والجهوي على تلبية تطلعات الجالية، وذلك في انسجام تام مع القرارات والتوجهات المتخذة على الصعيد الوطني، كما يعكس ذلك إنشاء وزارة منتدبة مكلفة بشؤون مغاربة المهجر.

وضمن هذه الرؤية، يندرج الاجتماع الذي احتضنه مؤخرا مقر “دار مغاربة العالم وشؤون الهجرة” في مدينة تيزنيت، والذي خصص للاطلاع على سير العمل بهذه المؤسسة، وتوجيه العاملين بها لمواكبة واستقبال مغاربة العالم خلال مقامهم الصيفي بأرض الوطن.

وقد تم التأكيد خلال هذا اللقاء على ضرورة التفاعل والتجاوب مع قضايا الجالية المغربية في الخارج، وذلك بتنسيق مع المصالح الخارجية المعنية، وعمالة إقليم تيزنيت، تنفيذا للتوجيهات الملكية السامية الهادفة إلى ايلاء عناية خاصة لقضايا مغاربة المهجر.

وفي هذا السياق شدد الاجتماع على أهمية اتخاذ كافة الإجراءات التي من شأنها تيسير عملية استقبال مغاربة العالم في أحسن الظروف، إلى جانب الحرص على توفير خدمات في المستوى المطلوب، سعيا وراء تمكين أفراد الجالية من قضاء أغراضهم في ظروف جيدة، والتجاوب مع انتظاراتهم بالسرعة المطلوبة.

وقد اتسع مجال الاهتمام بقضايا الهجرة لاسيما في أبعادها السوسيو اقتصادية، وهذا ما جعل من موضوع الهجرة في تجلياته المختلفة يفرض نفسه ضمن انشغالات أسرة البحث العلمي في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير، التي بادر ثلة من أساتذتها الباحثين بإنشاء “المرصد الجهوي للهجرة، فضاءات ومجتمعات” المعروف اختصارا باسم “أورميس” ، والذي يشرف على إدارته الدكتور محمد شارف ، الذي يتولى أيضا رئاسة اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بأكادير، التابعة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان.

وقد تمخض عن الاهتمام العلمي المتزايد بقضايا الهجرة وشؤون أفراد الجالية المغربية بالخارج إلى تحقيق تراكم كمي ونوعي في الأبحاث والدراسات الرصينة، كما تشهد على ذلك الرسائل الجامعية التي أنجزت في إطار “ماستر الهجرة والتنمية المستدامة” بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير، وكذا الأطروحات التي أنجزت في إطار سلك الدكتوراه بجامعة ابن زهر ـ أكادير.

وفي سياق هذه الدينامية المتواصلة، تم تنزيل مشروع “سياسات الهجرة على المستوى الجهوي” لسوس ماسة نهاية شهر يونيو الماضي خلال لقاء احتضنه مقر ولاية الجهة في أكادير، وذلك ضمن جهود تقوية مساهمة المستثمرين المغاربة بالخارج، بإحداث إطار للحكامة وآلية للتشاور لمواكبتهم، وفي سياق تنزيل الاستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء، على المستوى الجهوي، تنفيذا للتوجيهات الملكية.

ويهدف هذا المشروع، وفق بلاغ صدر بالمناسبة، إلى “إرساء جسور التواصل بين المغاربة المقيمين بالخارج والجماعات الترابية لتعزيز التنمية التضامنية التي تعتمد على خبرة واستثمار الرأسمال البشري المزدوج للمغاربة المقيمين بالخارج، والتجارب المكتسبة على الصعيد الدولي لإدماجها في مشاريع التنمية الترابية المستدامة”.

كما يرمي أيضا إلى “تعزيز قدرات الفاعلين والحكامة والتخطيط الاستراتيجي للهجرة، وإلى المساهمة في السياسات التنموية على المستوى الترابي، خاصة في شقها الاستثماري، على اعتبار الدور المركزي الذي أصبحت تتمتع بها الجهات وكذا الاختصاصات المنوطة بها”.

ومن شأن هذا المشروع، ليس فقط، أن يمكن من وضع خارطة طريق لمواكبة المغاربة المقيمين بالخارج، وخاصة النساء، لاسيما في هذا السياق الاستثنائي المتسم بتداعيات أزمة جائحة كورونا، بل سيتيح إمكانية إدماج بعد الهجرة في السياسات والاستراتيجيات العامة على الصعيدين الوطني والجهوي بصفة تدريجية ومنسقة، إضافة إلى تسهيل اندماج المهاجرين الأجانب المقيمين بصفة قانونية في المغرب، وذلك عبر تمكينهم من الاستفادة من خدمات الصحة والتعليم والشغل.

الاخبار العاجلة