جماعة تنالت تتحدى مخلفات التضاريس والهجرة بإقليم اشتوكة آيت باها

13 ديسمبر 2021آخر تحديث : الإثنين 13 ديسمبر 2021 - 2:08 مساءً
أشرف كانسي
أخبار سوسسلايدر
جماعة تنالت تتحدى مخلفات التضاريس والهجرة بإقليم اشتوكة آيت باها

تقع جماعة تنالت بالحيز الشرقي لإقليم اشتوكة آيت باها، تحدها شمالا وغربا جماعة أوكنز، شرقا جماعة إداوكنيضيف وجنوبا جماعة أداي بإقليم تزنيت، وتبعد عن حاضرة الإقليم مدينة بيوكرى بـ100 كيلومتر، وعن عاصمة جهة سوس ماسة مدينة أكادير بـ140 كيلومترا، ويتمركز النشاط الأساسي للساكنة المحلية في القطاع الفلاحي، حيث تسود الزراعات المعيشية التي تعتمد على أراضي البور ذات المردودية المحدودة جدا، كما تعتبر الأشجار المثمرة، كالزيتون والخروب، والأعشاب الطبية والمنسمة من مصادر عيش الساكنة.

tanalt commune - جريدة سوس 24 الإلكترونية

وقال سعيد المودن، وهو من الساكنة المحلية لجماعة تنالت، إن بعض السكان المستقرين بدواوير المنطقة يزاولون فلاحة معيشية، “وفي غالب السنوات، لا تحقق حتى الاكتفاء الذاتي للأسر”، وأرجع سبب ذلك إلى معيقات كثيرة، أبرزها “توالي سنوات الجفاف وتراجع صبيب المياه والطابع المورفولوجي والتضاريسي للمنطقة غير المهيأ لممارسة النشاط الفلاحي، فضلا عن اعتداءات الخنازير البرية التي تلحق أضرارا بالغة بالمحاصيل الزراعية. أما في مجال تربية الماشية، فتوالي سنوات الجفاف أدى إلى تراجع شديد للقطاع؛ إذ يتم الاقتصار حاليا على أعداد ضئيلة من المواشي التي غالبا ما تربى داخل المنازل”.

المعطيات الطبيعية والديموغرافية لجماعة تنالت فرضت على ساكنتها الانخراط في دينامية جمعوية وتعاونية وتنظيمات مهنية، في تناغم مع الطفرة التي شهدها إقليم اشتوكة آيت باها في هذا الصدد في أواسط التسعينات من القرن الماضي؛ إذ قالت عائشة لهسبريس، وهي منخرطة بإحدى التعاونيات النسوية، إن “النسيج الجمعوي والتعاوني يتسم بالحيوية، ويساهم في التنمية المحلية عبر تنسيق جهوده وتعاونه مع كافة المتدخلين، من جماعة ومبادرة التنمية البشرية وسلطات إقليمية ومصالح الدولة الأخرى، فتم تحقيق مجموعة من المشاريع، سواء التنموية أو المدرة للدخل، خاصة التعاونيات النسوية النشطة في مجال إنتاج وتسويق الأركان أو الأعشاب الطبية والمنسمة”.

وتعد منطقة تنالت، النقطة الأخيرة من الجهة الشرقية للدائرة الجبلية لإقليم اشتوكة آيت باها، منطقة ذات معطيات سياحية هامة، وإن لم يجعلها ذلك نقطة جدب سياحي، فعلى الأقل هي نقطة عبور لوفود السياح المغاربة والأجانب القاصدين وجهات معروفة كأنزي وتافراوت بإقليم تزنيت.

tanalt commune1 - جريدة سوس 24 الإلكترونية

وفي هذا الإطار، قال سعيد المودن، ابن المنطقة، إن “تنالت تمتاز بتنوع مناظرها الجبلية ومواقعها الطبيعية والتاريخية والثقافية التي يمكن استغلالها في استقطاب السياح، رغم الافتقار إلى بنيات تحتية ملائمة وضعف كبير إن لم نقل انعدام مبادرات للتعريف بها”.

وإذا كانت منطقة تنالت في عمق جبال اشتوكة آيت باها قد تأثرت ديموغرافيا بعامل الهجرة الداخلية والخارجية، تماما كما يجري في مثيلاتها من المناطق الجبلية، فقد أدى هذا المعطى إلى اندحار وانخفاض عدد السكان والأسر المستقرة، حيث شكلت نسبة الساكنة بالجماعة مقارنة مع مجموع ساكنة الإقليم 0.74 في المائة. ورغم ذلك، ما زالت الساكنة تطمح لتجاوز عدد من الإكراهات المطروحة كالولوج إلى التعليم في ظل تشتت المداشر وبعدها عن الوحدات المدرسية، وتجاوز مشاكل قطاع الصحة، وأبرزها ضعف التأطير الطبي وقلة التجهيزات، مما يؤدي إلى تعميق معاناة الساكنة في الحالات المستعجلة وحالات الولادة لدى الحوامل.

الحديث عن منطقة تنالت لا يستقيم دون ذكر المدرسة العلمية العتيقة سيدي الحاج الحبيب، وهي مدرسة ذائعة الصيت بكل ربوع المغرب بالنظر إلى المكانة العلمية والاجتماعية لدفينها الفقيه العلامة الشيخ الورع سيدي الحاج الحبيب التنالتي.

tanalt commune2 - جريدة سوس 24 الإلكترونية

شهرة هذه المدرسة العلمية تأتت، يقول الدكتور محمد بنتاجر، أستاذ جامعي مهتم بالشأن الديني، من كونها “كانت سابقة في العلوم التي تدرس في المدراس العتيقة، من كيفية قراءة الحزب الراتب وتوابعه، من الأمداح النبوية وطريقة سردها وألحانها المتميزة، وكذا متون النحو والتصريف، كمتن الأجرومية والزواوي وألفية ابن مالك، التي تحتوي على ألف بيت مع منظومة تشرح قواعد اللغة العربية وخصائصها ومكوناتها وتشعباتها وتفكيك غموضها بشرح القسطلاني”.

فمن كل ربوع المغرب، تتوافد حشود غفيرة من مريدي وطلبة وكل معارف الفقيه السوسي سيدي الحاج محمد الحبيب البوشواري، في الذكرى السنوية لوفاته التي توافق الـ26 من شهر محرم، وتعج المدرسة العلمية العتيقة تنالت بالحشود الغفيرة التي تنخرط في إحياء حلقات علمية وتواصلية وتلاوة القرآن والأمداح النبوية وتجديد المعلومات العلمية ذات الصلة بالشأن الشرعي والفقهي، بحسب الأستاذ الجامعي محمد بنتاجر.

وأضاف أنه “طيلة يومين من عمر الذكرى السنوية، تتحول قرية تنالت إلى قبلة لتلاميذ الفقيه، ولتلامذتهم، وطلاب المدارس العلمية العتيقة بمختلف جهات المغرب، بالإضافة إلى أبناء المنطقة وزوار كثر، زيادة على الوفود الرسمية من سلطات إدارية محلية وإقليمية وجهوية ودينية، وذلك كله لما كان لدفين تنالت، قيد حياته، من مكانة علمية مرموقة، تجاوزت كل الحدود، وتحيا فيها طقوس وعادات دينية، تأصلت هنا فقط منذ السنوات الأولى لرحيل فقيه المدرسة حوالي عام 1977”.

tanalt commune5 - جريدة سوس 24 الإلكترونية

لحسن أوياسين، رئيس الجماعة الترابية تنالت، أقر بأن “إكراهات عدة ما زالت قائمة وتشكل تحديات حقيقية أمام التنمية المحلية”، وخص بالذكر “عامل الهجرة، وغياب الوعاء العقاري لإنجاز المشاريع والمرافق العمومية، إلى جانب تراجع النشاط التجاري بالسوق الأسبوعي، وغياب بعض المرافق والقطاعات الواعدة كالسياحة الجبلية”.

وقال أوياسين إن “هذه إكراهات فرضتها الطبيعة التضاريسية للمنطقة، وغياب فرص الشغل، وبعد المؤسسات التعليمية، وتردي الخدمات الصحية، مما يدفع بالأسر إلى الهجرة صوب المدن المغربية أو إلى الخارج بحثا عن فرص عيش أفضل”.

وأضاف المسؤول المنتخب أنه “رغم تلك الإكراهات، فالجماعة نزلت مشاريع مهمة وماضية في تنزيل أخرى، أبرزها مشروع تأهيل مركز تنالت، وإعادة هيكلة الأحياء ناقصة التجهيز، ومد شبكة التطهير السائل بالمركز والدواوير المجاورة، وبناء مرافق صحية بالمركز، وتزويد المركز بالماء الشروب، وبناء دار الطالبة، وبناء وتجهيز مسبح جماعي، وإصلاح وتجهيز ملعب لكرة القدم، وغير ذلك. إلى جانب استمرار الترافع لدى المصالح المختصة من أجل فك العزلة عن دواوير الجماعة، وتحسين الولوج إلى الخدمات التعليمية والصحية والإدارية، عبر تنسيق وثيق مع السلطات الإقليمية والمصالح الخارجية للقطاعات الحكومية المعنية”.

tanalt commune4 - جريدة سوس 24 الإلكترونية

تنالت إذن، ضمن قبائل آيت صواب، وإن كانت ظروف الطبيعة قاسية عليها، غير أن صيتها قد ذاع، كما أن أبناءها المغتربين بمختلف مناطق المغرب وخارجه ظلوا في تواصل دائم مع “تمازيرت”، فكانت مساهماتهم في عدد من المبادرات الإحسانية بالمنطقة خير شاهد على ذلك الارتباط الوثيق والوطيد بينهم وبين بلدتهم، كما أن موسم الهجرة إلى تنالت، خاصة في المناسبات الدينية، لشاهد على حجم ذلك الارتباط.

ورغم ذلك، فقد تأثرت تنالت بالظروف المناخية المتسمة أساسا بتوالي فترات الجفاف، لكن بكثير من الاهتمام بالمنطقة، عبر الترافع واستغلال مؤهلاتها المتنوعة، يمكن أن ترتقي، أو مركزها على الأقل، إلى مصاف المراكز الصاعدة، كمركز تفراوت.

رشيد بيجيكن

الاخبار العاجلة