برنامج التأهيل الحضري في أكادير…شوارع ضيقة أم ثقافة غير مستوعبة

10 يوليو 2022آخر تحديث : الأحد 10 يوليو 2022 - 1:20 مساءً
أشرف كانسي
سلايدركتاب وآراء
برنامج التأهيل الحضري في أكادير…شوارع ضيقة أم ثقافة غير مستوعبة

سعيد الغماز

يرتكز برنامج التأهيل الحضري في أكادير على مشاريع عديدة من بينها تأهيل الشوارع الرئيسية في المدينة وفق رؤية جديدة ومتطورة. هذا البرنامج الذي شرع المجلس الجماعي السابق في إنجازه، عرف انتقادات كبيرة من طرف العديد من المهتمين بشؤون أكادير بسبب ما يصفونه بتضييق الشوارع وهو ما سيتسبب في الازدحام وصعوبة السير والجولان في المدينة حسب رأيهم. هذه الانتقادات ظلت مستمرة حتى في عهد المجلس الحالي الذي حافظ على برنامج التأهيل الحضري  كما تسلمه من المجلس السابق بجميع تفاصيله ودون أي تعديل.

لكن هذه الانتقادات المتعلقة بتضييق الشوارع الجديدة، هل هي صائبة أم أنها تجهل رؤية البرنامج لطبيعة الجولان في المدينة؟

هل المشكل في البرنامج أم في الثقافة السائدة وسلوكيات المواطنين؟

هل المعضلة في رؤية حداثية وجديدة للطرق أم في ثقافة سائدة غير قادرة على التأقلم مع النمط الجديد للشوارع وغير قادرة على استيعاب التحولات التي تعرفها شوارع مدينة الانبعاث؟

للجواب على هذه الأسئلة التي تشغل طيفا كبيرا من ساكنة مدينة أكادير، تجب الإشارة أولا إلى أن هذه الهندسة الجديدة لطبيعة الطرق داخل المدن ليست من إبداع محلي، ولكنها هندسة جديدة تم اعتمادها في كثير من المدن الأوروبية حين شرعتِ الدولة في تأهيل المدن برؤية مستقبلية وذلك منذ سنوات. وتقوم هذه الرؤية على منطق هندسي يقوم على أساس حماية الحلقة الأضعف في الطريق وهم على التوالي: الراجلون يتبعهم أصحاب الدراجات الهوائية ثم الدراجات النارية وفي الأخير يأتي أصحاب السيارات. ومن جهة أخرى تقوم هذه الرؤية على أساس الاهتمام بالبيئة من أجل توفير حياة بجودة عالية للساكنة. لهذا نجد أن بعض المدن الأوروبية تخطط لمنع دخول السيارات لبعض الأحياء التي تعرف تلوثا كبيرا خاصة وسط المدينة حيث تتجمع الإدارات والمؤسسات الخاصة. ومن أجل الإعداد  لذلك نجدها تخصص يوما كاملا لمنع السيارات من الجولان في وسط المدينة لتشجيع السكان على استعمال النقل العمومي أو الوسائل البديلة كالدراجات الهوائية أو العجلات الكهربائية. بل هناك من المدن من استبق الأحداث وقرر إجراءات منذ الآن بمنع السيارات ذات محرك الدييزيل والاكتفاء بالسيارات الكهربائية. وهو الاجراء الذي اتخذته عمدة باريس وحددت عام 2030 كأفق لتطبيق هذا الإجراء.

إذا عدنا للحديث عن تأهيل الطرق في مدينتنا أكادير، فإننا لم نصل بعد هذا المستوى من الإجراءات وسنكتفي بالحديث عن الثقافة السائدة وبعض السلوكيات الاجتماعية التي تجعل الساكنة تشتكي تضييق الطرق. ونشير بداية إلى أن الثقافة السائدة تعتبر أن الطرق مخصصة أساسا لأصحاب السيارات، ونجد البعض يعتبرها ملكا له بحيث لا يكترث للراجلين ويتصرف على أساس أن له الأسبقية ما دام يسوق سيارته. هذا السلوك لا يحترم بتاتا ممرات الراجلين ولا يعرف سلوكا حضاريا مفاده أن الراجل له الأسبقية في الممرات المخصصة له، وأن السيارة مفروض عليها أن تقف لتفتح المجال للراجل كي يعْبُر الطريق. بل أكثر من ذلك يجب على السائق أن يقف بعيدا عن ممر الراجلين ببضعة أمتار صيانة لحق الراجل في العبور دون شعور بالخوف الذي تتسبب فيه السيارة التي تقف بمحاذات رجليه.

سلوك آخر لا يقل تخلفا عن السلوك السالف الذكر، وهو أن جل أصحاب السيارات يعملون على ركن سيارتهم بمحاذات المكان الذي يقصدونه. فإذا كان هذا المكان دكانا أن بائعا للفواكه أو مدرسة، فنجد السائق يوقف سيارته بجانب المكان المقصود ولو تطلب الأمر ركن السيارة في الممر الثاني بل وحتى وسط الطريق. ومنهم من بلغت به الانتهازية مبلغ ركن سيارته وراء السيارات المركونة في المربد بشكل صحيح. وحين يهم صاحب السيارة بالخروج من المربد فعليه انتظار صاحب السيارة الأخرى الانتهاء من التسوق وقضاء حاجته، ويقوم هذا الأخير بقيادة سيارته وكل ما يفعل هو المقولة الشهيرة عند أمثال هؤلاء “سمح ليا أشريف”. وأكثر من هذا سائق طاكسي ركن سيارته وراء سيارة طبيب ليدخل إلى المسجد لأداء صلاة الجمعة (سبحان الله يرتكب جريمة قبل أداء الصلاة ولا ضمير يحاسبه). الطبيب تلقى إشعارا داخل المسجد للتكفل بحالة استعجالية، وحين همَّ بامتطاء سيارته وجد سيارة الطاكسي لا تسمح بذلك. وكان عليه انتظار نهاية الصلاة وقدوم صاحب الطاكسي الذي عوض الاعتذار دخل في عراك بالأيدي مع الطبيب.

ولعل أبرز مثال لهذا السلوك ما يقع بشارع الإمام البخاري بحي بواركان، وهو الشارع الذي سأتحدث عنه كمثال لتوضيح الفكرة. فبعد تأهيل الشارع، تمت إقامة العديد من المرابد لركن السيارات على طول الشارع، وهي مرابد كافية لعدد السيارات إن تم استعمالها بسلوك حضاري. لكن معظم السائقين يريدون بقوة تخلف تفكيرهم ركن سيارتهم بجانب محلات التسوق التي تجتمع في مكان محدد من الشارع. فنجد السيارات مركونة بشكل عشوائي وغير قانوني بجانب الدكان الذي يريدون التسوق منه، في نفس الوقت إذا ابتعدتَ ببضعة أمتار ستجد العديد من المرابد خالية من أي سيارات. وفي شارع تمر منه حافلة النقل العمومي ويمر منه عدد كبير من السيارات، فطبيعي أن يعرف ازدحاما بل فوضى خاصة في المنطقة التي تتواجد فيها محلات الخضر والفواكه.

لو التزم السائقون بالسلوك الحضاري وابتعدوا بضعة أمتار عن المحل الذي يقصدونه، ثم ركنوا سيارتهم بشكل قانوني وترجَّلوا قليلا نحو المحل الذي يقصدونه، لوجدنا صورة أخرى لنفس الشارع تتحرك فيه حافلة النقل العمومي والسيارات بانسيابية عادية، ولوجد الراجلون طريقا يسيرون فيه بأريحية كبيرة. المجلس الجماعي يتحمل هو الآخر جزءا من المسؤولية في شارع البخاري الذي تحدثتُ عنه كمثال فقط. فحتى الآن لم يتم صبغ جنبات الشارع بالأحمر والأبيض لمنع السيارات من التوقف العشوائي، ولم يتم لحد الآن التنسيق مع رجال الأمن لاقتياد السيارات الخارقة للقانون إلى المحجز. وأكاد أجزم أنه لو قام رجال الأمن بالحجز على السيارات الخارقة لقانون التوقف، لرأينا واقعا آخر في نفس الشارع وبنفس الطريق الضيقة.

ما يقع في شارع الإمام البخاري في حي بواركان يمكن تعميمه على جميع الطرق التي تتعرض لانتقادات تضييقها وذلك للقول بأن المشكل ليس في تضييق الطرق، وإنما المشكل في عقليات يجب أن تتغير وفي ثقافة يجب أن تتحضر.

الاخبار العاجلة