انتشار الاسلام في افريقيا على لسان مستشرقين غربيين (2/3)

11 أبريل 2023آخر تحديث : الثلاثاء 11 أبريل 2023 - 7:02 مساءً
admintest
كتاب وآراء
انتشار الاسلام في افريقيا على لسان مستشرقين غربيين (2/3)

ذ. محمد بادرة

2- فنسان مونتاي وكتابه (الاسلام في افريقيا السوداء)
الاسلام وتكيفه مع “الزنوجة” الإفريقية
(الاسلام في افريقيا السوداء) كتاب قيم لفنسان مونتاي ويعتبر من اهم الكتب التي تقدم صورة مغايرة عن الاسلام في واقع مغاير. ترجم الى اللغة العربية عام 1964 ويستمد اهميته من كونه يعرض صورة عن الاسلام المتكيف مع الواقع الافريقي المتنوع والمتفاعل مع حضارة جديدة عرفت بتنوع تقاليدها وحيويتها وصلابتها. وهو كتاب يقدمه العديد من الدارسين والباحثين على انه يملك خاصية تعددية، فهو لا يقتصر على السرد التاريخي ولا على الاستدلال الوثائقي، ولا يغوص في القراءة الايديولوجية او في تقديم الصور الغرائبية او القراءة الانتروبولوجية بل يقوم على كل هذا وذاك وكل ما هو موجود وحي ومعاش مستعينا بمنهجية وادوات الباحث الأنثروبولوجي. انه كتاب ثري يجمع ما يكفي من المعطيات والحقائق التاريخية والاجتماعية والمصادر الثقافية والتجارب الانسانية المباشرة ليستخلص منها نظاما للثقافة الشاملة وكيفية تمثل الانسان لنفسه والعالم المحيط به. و لقد حرص الكاتب على ان يقدم صورة حية عن الاسلام “الافريقي” وطريقة انتشاره وامتداده بين افراد وجموع القبائل الافريقية، او بين زعمائها وملوكها وسلاطينها.. فهو يراه اسلاما متعددا ومتنوعا وصوره كيف يتعايش وكيف يمارس في الصحراء الكبرى وفي ادغال غابات افريقيا السوداء وفي رحاب القصور واجواء البيوت و دهاليز الكهوف حتى انه اكد ان الاسلام انتشر بقوة في اوساط الوثنيين بل وفي اوساط المسيحيين كذلك. واشار (فنسان مونتاي) ان هذا لا يعني ان الاسلام دخل افريقيا السوداء بدون ان يواجه بنفور او معاكسة او حتى معارضة مسلحة. واورد في رواية عن رحلاته وجولاته ان (قرية مسلمة بكاملها اخبره اهلها انه قبل ثلاثين سنة – حوالي 1930- كان المقعد الذي يجلس عليه المسافر المسلم يحرق بعد رحيله).
ولإظهار صعوبة انتشار هذا الدين الجديد في منطقة الغرب الافريقي اثار المؤلف قضية “الزنوجة” وبين كيف تعامل معها المسلمون، وكيف قبل الافارقة الزنوج الدخول الى الاسلام دون التفريط في “زنوجيتهم” مستعينا في ذلك بمنهج جاك بيرك القائم على تأطير الواقع الاجتماعي مستعينا بالسيسيولوجيا والتنقيب داخل عمق التاريخ، حيث الثقافة والتراث الانساني المتناقل جيلا بعد جيل يساهم في تشكيل الشخصية الفردية والاجتماعية وتتصدره الاجناس الادبية القديمة مثل الاسطورة والحكاية والامثال والنصوص الحكمية وهي كلها اجناس اشبه بسجل لحكمة الامم.
ومن حيث المعتقدات المزاولة من قبل الافارقة غالبا ما يعترف الافارقة انفسهم سواء اكانوا مسلمين ام مسيحيين بان الاساس الديني في افريقيا هو الاحيائية حيث يرى الاحيائيون (انه اذا كان كل شيء فيه قوة ونسمة حية فالحياة موجودة في كل شيء) كما ان فكرة (الانبعاث بعد الموت) هو معتقد شامل لذى الجميع بل هناك من القبائل والطوائف الدينية الافريقية من يعتقد ان اناسا ينتحرون (ليولدوا من جديد) كما ان كلمة (دين) تعني عند بعضهم (الطريق).
ظاهرة الزنوجة هي ظاهرة وفكرة مستبدة بالثقافة الافريقية و”بالروح الافريقية” عرفها احد اعظم كتابها وشعرائها الرئيس السينغالي الراحل ليو بولد سيدار سنغور بانها الروح الجماعية للإنسان الافريقي وانه كما اورد الكاتب يحذرنا ان نربط “الزنوجة” (بالتعقلية وليس بالعقلانية او بالعقل … ان الزنوجة– في رايه – هي الحضارة الافريقية كما عرفناها من الانتروبولوجيين اي موهبة الانفعال والتعاطف، موهبة الايقاع والشكل، موهبة الصورة والاسطورة، والروح الجماعية والديموقراطية الافريقية).
“الزنوجة” اجمالا كما يقول هي (عودة الى الينابيع مصحوبة بحذر من العقل الاستدلالي) غير ان هذا الراي والاعتقاد لم يلقى تجاوبا لذى كثير من المفكرين الافارقة ولا حتى من طرف ساستهم وزعمائهم لأنه شعور عاطفي اكثر منه قانون للحياة والاستمرار و “الزنوجة” اذا تم حصرها في هذا التصور العاطفي قد تؤدي في نهاية المطاف الى قيام عرقية سوداء في مقابل عرقية بيضاء واي عرقية منهما ليست افضل من الاخرى؟؟
مفهوم “الزنوجة” دفع البعض الى اعطاء الاسلام “لونه” الخاص في افريقيا السوداء وان كانت عبارة الاسلام “الاسود” لا تقع موقعا حسنا لدى المؤمنين في افريقيا لان الاسلام لا يميز بين الالوان البشرية مادام البشر من اصل واحد (كلكم لأدم وادم من تراب) الا ان هناك من حرك هذا (التلوين العرقي) والبسه لباس الدين. وقد قال ج.س فروليخ (هناك اسلام اسود متميز يختلف اختلافا كبيرا عن الاسلام المتوسطي وعن اسلام الشرق الادنى ..ان اسلام افريقيا اسلام “مزنج” تم تكييفه حسب مقتضيات الخصائص النفسية للأعراف السوداء). غير ان الكاتب يرى ان مثل هذا الراي سواء اكان دقيقا ام لا فمما لا شك فيه ان الاسلام تفاعل مع العادات المحلية وتلون بلونها احيانا واضفى لونها بلونه احيانا اخرى ولا غرابة في ذلك لان الاسلام ابدى في كل منطقة دخلها من العالم عن مرونة كبيرة وعن قدرة بالغة على التكيف والتكييف.
ومن الامثلة الحية على هذا التفاعل بين الاسلام وخصائص القارة السوداء ما يسميه المؤلف ب(التعايش الاحيائي –الاسلامي):
1- هناك مسلمون من (الديولا) يشاركون في اعياد للاحيائيين(فيذهبون الى الغابات المقدسة ويقدمون القرابين امام الاصنام).
2- هناك قبائل افريقية من غير المسلمين في شمال نيجيريا اذا ارادوا التخلص من انسان مؤذ وعنيف ذبحوا ديكا وهم يتلون عليه (سورة يس).
هكذا يرى الكاتب انه تضافرت العقلية الاسلامية والروح الزنجية المحلية فولدت صيغا ونماذج لسياسة الحكم فهاهم (السلدياب) مثلا من (الفوتا) يعينون الرئيس الروحي ويدعونه (المامي) اي الامام وحين توضع عمامة الامامة على راسه يلقي خطبة الحكم على النحو التالي ( الحمد لله، شكرا لله، ان ما وضعتموه بين يدي هو قسمة الاجداد وانا سأعيد لكل واحد قسمته) تم يتوجه الى ممثل الجماعة بالقول (ان لنا الان خليفة الامة نأتمنه على ديننا وعلى الفقراء والمسافرين والشيوخ وعليه ان لا يترك خطأ يمر بلا عقاب من اي جهة اتى ان– فوتا- على راسك كوعاء حليب طازج حذار الانزلاق لئلا يراق الحليب).
وعلى مستوى الحياة الاجتماعية والعملية فقد حد انتشار الاسلام من تناول المشروبات الكحولية واستهلاك النباتات المخدرة والمنبهة وشجع الاسلام بالمقابل على انتشار زراعة القطن لان (الاخلاق الاسلامية تفرض الحشمة على مستوى المظهر الخارجي).
وفي مجال حقوق المرأة كان هناك جواز تعدد الزوجات بلا حدود وحرية تطليق المرأة متى شاء وكيف شاء لكن الاسلام رد الاعتبار للمرأة التي كانت تدعى لدى (البيل) مثلا ب(كلبة الادغال) من نفس المصدر.
ان التأثير الاسلامي جعل نفوس الافارقة تتقبل العمل الزراعي بعدما كانوا يحتقرونه وينفرون منه حتى اصبحنا نقرا في احدى القصائد البيلية (ان رائحة عرق الفلاحين من القيمة ما لرائحة افواه الصائمين ) من نفس المصدر.
وبخصوص (العبودية) يلاحظ المؤلف (فنسان مونتاي) ان المسلمين السود لم يتوانوا عن استعباد افارقة اخرين غير مسلمين ومسلمين احيانا وذكر ان( التجار العرب اشتهروا اكثر من غيرهم بغزواتهم عبر القارة السوداء طوال قرون لكن هناك من السود المسلمين من يبدي حذرا شديدا من كل ما من شانه ان يستغل الاسلام لكي يفرض عليهم وضعا مجحفا)
اما العلاقة بين المسلمين والمسيحيين في افريقيا السوداء فيرى المؤلف انها رهن بالتوجهات المبدئية لكل انسان كما في اي مكان اخر وقدم امثلة حية على التعاون المسيحي–الاسلامي من قبيل قيام ليو بولد سنغور رئيس جمهورية السنيغال السابق الكاثوليكي بتدشين المسجد المريدي الكبير في طوبا قائلا(سنصلي معا مسلمين ومسيحيين).
ويؤكد المؤلف انه لا يبدوا في افريقيا السوداء صراع طاغ بين الاسلام والمسيحية بل كلاهما نظام شامل ولكنهما مختلفان في الطبع وهو ما لم يحل دون ان ينتمي بعض المسلمين وبعض الدول ذات الاغلبية المسلمة الى الماركسية والاسلام في ان واحد )
واشار الكاتب الى ان بعض الانظمة المتباينة استعانت بالإسلام لكي تدعم وترسخ “الاصالة” الافريقية.

يتبع

الاخبار العاجلة