النموذج التنموي الجديد وإغناء مادة التربية الإسلامية: كيف؟ وبماذا؟ ومن؟

10 يونيو 2021آخر تحديث : الخميس 10 يونيو 2021 - 12:32 مساءً
admintest
كتاب وآراء
النموذج التنموي الجديد وإغناء مادة التربية الإسلامية: كيف؟ وبماذا؟ ومن؟

محمد احساين/ خبير في قضايا التربية والديداكتيك

مع كل مناسبة لإصلاح منظومتنا التربوية والتعليمية تتعدد النداءات والتصريحات، وتتنوع التوجهات والتوجيهات، وتختلف الاقتراحات… من أجل إعطاء أهمية للمناهج والبرامج الدراسية حتى تستجيب وتطلعات المتعلم المغربي، ومساعدته على إبراز شخصيته، وترسيخ قيمه، ودعم استقلاليته في إبداء آرائه وبناء مواقفه وتسديد سلوكياته، وتعزيز ولائه لقيم الهوية الوطنيية والدينية لبلده، حتى يتعايش بإيجابية مع مستجدات القرن الواحد والعشرين ومفاجآته التكنولوجية والتواصلية، وما تمرره من معارف وقيم…

ولعل مادة التربية الإسلامية بمنهاجها الدراسي، وما تحاول بناءه وترسيخه من قيم تحتل دائما حيزا خاصا في تلك التوجيهات والتصريحات والتوجهات والاقتراحات … أغلبها تسير في اتجاه مجتمعي يستحضر ثقافة المجتمع وثوابته؛ لتجعل منها مادة الهوية الوطنية، بما تتسم به من ثراء وتنوع، وما ترتكزعليه من بعد روحي ديني أساسه المبدأ الدستوري الذي ينص على إسلامية الدولة وهويتها؛ حيث يعتبرالمملكة المغربية دولة إسلامية، ذات سيادة كاملة. وتتميز الهوية المغربية بتبوء الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها. مع التشبث بقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار.( تصدير دستور المغرب لسنة 2011 ) كما يستحضرهذا الدستور مفهوم الأمة وما تقوم عليه من دعائم وثوابت تستند عليها في حياتها العامة باعتبارها ثوابت جامعة تتمثل في الدين الإسلامي السمح والوحدة الوطنية …مما يستلزم ضرورة التناغم والانسجام بين نص الدستور وما يقترح من توجيهات، والعمل على تفعيل ذلك عبر مختلف المشاريع المجتمعية ، خاصة على مستوى تغيير المشاريع التربوية وتحديث المناهج والبرامج الدراسية. وفي هذا الصدد نجد في مقدمة التوجيهات التي نعتبرها مصدرا رئيسا من جهة عليا تمثل رمز السيادة المغربية توجيهات جلالة الملك من خلال مجموعة من المناسبات المرتبطة بتنظيم الشأن الديني بالمغرب ( ارساء المجالس العلمية المحلية – خطاب غشت 2012 – بلاغ العيون…) تؤكد على ضرورة الاهتمام بقيم التربية الإسلامية والعمل لترسيخها . ولعل هذه التوجيهات وجدت صداها في مختلف المشاريع اللاحقة آخرها تقرير النموذج التنموي الجديد، وعبر مختلف القطاعات والمجالات ، منها قطاع التعليم وخاصة التربية على القيم في المؤسسة التعليمية؛ حيث ركز تقرير اللجنة على أهمية تفعيل المهمة الأساسية للمدرسة مهمة التربية على القيم الوطنية والدينية للتأسيس لمغرب القيم .

إن ما أتى به تقرير النموذج التنموي الجديد في مختلف توجيهاته واقتراحاته المتعلقة بالمسألة التعليمية ستثير كثيرا من النقاشات حول بعدها الفلسفي القيمي والمجتمعي، وإمكانيات تنزيلها ميدانيا، لتحقيق الفاعلية والنجاعة التي تغياها التقرير، حتى لا يصيبها ما أصاب كثيرا من مشاريع الإصلاح التربوية والتعليمية ( مشروع التعليم الأساسي – بيداغوجيا الأهداف – الميثاق الوطني والكتاب الأبيض – البرنامج الاستعجالي – بيداغوجية الكفايات بيداغوجيا الإدماج …) من فشل أوإفشال؛ حيث بقيت عن قصد أو غير قصد على الرفوف مسطرة على الأوراق، أو وجدت ممانعة ومقاومة من أجل الحكم على فشلهاـ مما يجعلنا نعيش دائما على دوامة مقولة ” الإصلاح لم يلج بعد المؤسسة التعليمية وليس له أثر أو تأثير في الميدان على مستوى تجويد التعلمات” .

جميل ما أتى به تقرير النموذج التنموي في حديثه عن المسألة التعليمية والمدرسة المغربية عموما، وتخصيصه الحديث والاقتراح بخصوص مادة التربية الإسلامية؛ مما يعطي الانطباع بوعي لجنة النموذج التنموي بأهمية القيم والولاء للوطن وهويته في تحقيق تنمية مستدامة. ولعله استحضر هنا أهمية مادة التربية الإسلامية كمدخل أساس لتحقيق ذلك من خلال ما تمرره من معارف وقيم… كما يعطي إشارات لضرورة إغناء مضامينها، وتجديد التعاطي معها بيداغوجيا وديداكتيكيا، لحفز المتعلمين على الاهتمام بها في انسجام تام مع مرجعية الدولة الدينية والثقافية؛ حيث يقترح التقرير الجديد تجديد مقاربة التربية الإسلامية والمدنية، لتجعل منها تربية دينية تنشر قيما مدنية قائمة على إرثنا الروحي المنفتح والمتسامح. فتوصي اللجنة بإغناء التربية الإسلامية في المدرسة لترسيخها بشكل أكبر في واقع المجتمع المغربي، ولتشجيع التلاميذ على المناقشة لامتلاك القيم وتجسيدها، من خلال الواقع المعيش، بدل التعلم النظري. لذا يجب أن يستند هذا التعليم على مرجعيتنا الدينية والروحية لتعزيز القيم الإيجابية الكونية والمواطنة. ومن أجل تعزيز قبول التلاميذ للتربية الإسلامية والاهتمام بها، من المفيد تفضيل الأساليب البيداغوجية التحفيزية….( التقرير العام للجنة الخاصة بالنموذج التنموي ابريل 2021 – ص : 96 ).

واذا كنا نحسن الظن بمنتجي التقرير في امتثالهم وتمثلهم للتوجيهات الملكية فيما يخص التشبث بالهوية والثوابت الدينية والوطنية للمملكة؛ حيث تم التركيز على الجانب الهوياتي للمتعلم والمواطن المغربي، فإننا نشعر بنوع من الضبابية في صياغة تركيبة ” التربية الإسلامية والمدنية ” إذ أن هذا العطف مشوش، وكأن التربية الإسلامية قاصرة عن تناول القيم والقضايا المدنية والكونية، لذا نعتبرها صياغة ملغومة تحتمل أكثر من تأويل، وقد تخرجها عن سياقها الهوياتي أثناء التنزيل والتفعيل على مستوى القرارات والمذكرات التطبيقية، وستعيد فتح نقاش جديد حول مصدرها وأصالتها وعلاقتها بما هو خصوصي وكوني … رغم أننا لا يمكن إنكاراهمية الارتباط والانسجام والتناغم بين التربية الإسلامية والتربية الوطنية والمدنية والتربية على المواطنة في بعدها الهوياتي الحضاري، واثرها وتاثيرها، من أجل تخليق السلوك المدني من خلال ما تتغياه المادة من قيم روحية وطنية اخلاقية تعزز لدى المتعلم المغربي تمسكه بثوابت الأمة التي تستند عليها في حياتها العامة باعتبارها ثوابت جامعة، تتمثل في الدين الإسلامي السمح، والوحدة الوطنية متعددة الروافد، والملكية الدستورية، والاختيار الديمقراطي ؛ حيث يراهن تقرير النموذج التنموي على مغرب القيم ويركز على مفهوم الامة المنسجمة الضامنة لمسيرة التعايش انطلاقا من تلك الثوابت المتوافق عليها والمرتبطة برصيد الوطن التاريخي والثقافي والديني.

ولعل ما يثير الشك في صياغة عبارة التقرير وما تحتمله من غموض وتأويل، التركيز على مصطلح التربية المدنية، بخصوص القصد منها، وعلاقتها بالتربية الإسلامية؛ مما يثير مخاوف النكوص نحو تغيير مصطلح التربية الإسلامية بالتربية المدنية لإفراغ المادة الإسلامية من مضمونها الشرعي والأخلاقي والقيمي… في خطوة متطورة لما تم تجاوزه من محاولة تحويلها إلى تربية دينية، والتي أثارت نقاشا مجتمعيا كان الاحتكام فيه لنص الدستور بإقرار استمرارية تسميتها الأصلية المعبرة عن روح الدستور وتوجيهات أمير المؤمنين في ترسيخ القيم الإسلامية لدى الناشئة.

ان ما نعتبره ايجابيا في التقرير ذلك الاهتمام الخاص الذي أولاه لمادة التربية الإسلامية دون غيرها من المواد الدراسية ؛ حيث يقترح خريطة طريق لإعادة النظر في منهاج التربية الإسلامية قوامه :

– تربية دينية تنشر قيما مدنية قائمة على إرثنا الروحي المنفتح والمتسامح

– إغناء التربية الإسلامية لترسيخها بشكل أكبر في واقع المجتمع المغربي

– تشجيع التلاميذ على المناقشة للاكتساب بدل التعليم النظري

– استناد التعليم على مرجعيتنا الدينية والروحية لتعزيز القيم الإيجابية الكونية والمواطنة

– تعزيز قبول التلاميذ للتربية الإسلامية والاهتمام بها

إلا أن بعض هذه المقترحات تحتاج إلى توضيح أكثر، إذ ما المقصود والغاية من تغييب لفظة ” إسلامية ” في مقترح تربية دينية تنشر قيما مدنية، قائمة على إرثنا الروحي المنفتح والمتسامح ؟ مما قد يفهم ويؤول أثناء التنزيل بأن الهدف هو التربية المدنية، ويخلق صراعا وهميا بينها والتربية الإسلامية. ثم هناك عبارة إغناء التربية الإسلامية، بماذا؟ وكيف؟ ومن سيتولى مهمة الإغناء؟ ثم هناك غموض آخر في قضية الاستناد على المرجعية الدينية لتعزيز القيم الكونية التي تحتاج بدورها الى ضبط وتحديد وتوصيف في مصفوفة جامعة مانعة توحد المهتمين بالتربية على القيم في المناهج والبرامج الدراسية وإنتاج الكتب المدرسية، وتيسر أمر الاشتغال عليها تدريسا وتقويما … وهذا ما يخدم الاقتراح ما قبل الأخير ” استناد التعليم على مرجعيتنا الدينية والروحية ” والتعليم في عموميته بمناهجه وبرامجه وتوجيهاته…إذ من الضروري الالتزام بتلك المرجعية والتي ليست حكرا على مادة التربية الإسلامية؛ حتى يكون تعليما منسجما لا يخلق لدى المتعلم إشكال التناقض بين مكوناته .

ومن هنا كان لا بد من التفكير الفردي والجماعي والمؤسساتي في كيفية إغناء وترسيخ قيم التربية الإسلامية التي نعتبرها أساسا أخلاقيا وسلوكيا ربانيا لكل تربية مدنية منسجمة مع روح شريعتنا الغراء، المتميزة بخصائصها الربانية ومقاصدها الروحية والتنموية … فالامر يدعو الى إثارة الانتباه إلى أن مادة التربية الإسلامية ليست مادة دراسية فحسب تنتهي مضامينها وقيمها ومعارفها وأنشطتها بانتهاء مناهجها وحصصها وامتحاناتها، ليست مادة أساتذة التربية الإسلامية وأطرها وجمعيتهم؛ بل هي مادة كل المغاربة بما تحمله من خصوصية هوياتية، تحيل عليها كل الوثائق والمشاريع الإصلاحية في غاياتها ومقاصدها، بهدف بناء إنسان التنمية المتشبث بثوابته الدينية والوطنية… وإذا كان الأمر كذلك فكيف يمكن إغناء منهاج التربية الإسلامية ليسهم في ترسيخ القيم الإسلامية المدنية والانسانية الكونية التي تؤسسها نصوص الوحي بشقيه القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، بما تحمله من قيم اخلاقية تمثل روح الوطنية والمواطنة التي تزاوج بين الحق والواجب والتحمل والأداء والأخذ والعطاء .

إن رسم خطوط مداخل إغناء التربية الإسلامية يتطلب معالجة بعض إشكالاتها التنزيلية للتخفيف من عوائق تأثيرها، باقتراح ما يلبي طموح الفاعلين، لمساعدتهم على حسن التفعيل الميداني، ويحقق الأهداف المتوخاة منها، وفق متطلبات المجتمع أفرادا ومؤسسات، وينسجم والحاجات الروحية والفكرية للمتعلمين .. ويمكن ذكر بعضها كالآتي :

– تعزيز مكانة المادة في منظومة التربية والتكوين: من خلال الزامية تدريسها في جميع مؤسسات التكوين، واعتبارها في كل مباريات التوظيف والتكوين والإدماج؛ مما يسهم بقيمها ومبادئها وأحكامها تخليق الحياة العامة وحكامة الشأن المحلي .

– اعادة النظر في المنهاج الدراسي للمادة لتطويره وإغنائه: من خلال تقويمه بآليات وأدوات علمية موضوعية واستشارة المعنيين بالأمر لتجاوز ما انتابه من غموض ونكوص وإغفال، وتراجع غير مبرر تربويا عما قرره الميثاق الوطني المتوافق عليه من اعتماد الوحدات الديداكتيكية، وكذا ما سطره الكتاب الأبيض من برامج وحصص للأنشطة التطبيقية، والتي كانت خير مجال للمناقشة، والتربية على أصول الحوار واحترام الاختلاف … حيث أسقط المادة في خانة الوعظ الذي لا يتناسب وحاجات المتعلمين، وأوقع الممارسين في نوع من الإرباك والارتباك في التدريس والتقويم وإنتاج الكتب المدرسية .

– الكتب المدرسية وضرورة الانضباط لدفتر التحملات باعتبارها وسيلة بيداغوجية تقوم على النقل الديداكتيكي بهدف نقل المعرفة من مجالها العلمي إلى معرفة ممدرسة قابلة للتمثل والاكتساب ، كما تقترح سيناريوهات بيداغوجية ومقاربات ديداكتيكية وأساليب التدريس ودعاماته … مما يتطلب تجاوز الارتجال والتسرع في إنتاجها وتقويمها. وهنا وإن كان لا بد من الاستمرار في تحرير وتنويع الكتاب المدرسي من التطبيق الحرفي لدفتر التحملات الإطار العام والخاص بتأليف وإنتاج الكتاب المدرسي في شكلياته ومضامينه، في ضوابطه البيداغوجية والتقنية والقيمية والعلمية ، وإعادة النظر في اختيار لجن التقويم والمصادقة، من أهل الخبرة والاختصاص بمعايير موضوعية ، وفي غياب ذلك من الأفضل العودة إلى الكتاب الوحيد ضمانا لجودة الإنتاج ومراعاة لتكافؤ الفرص .

– حصص المادة ومعاملها لها دور أساس في تحقيق هدف إغناء المادة وترسيخ قيمها من خلال توفير الظرف الزمني المناسب للاكتساب، وهنا لا بد من تعميم الحصتين المقررتين في كل الشعب والمسالك الادبية والعلمية والتقنية والمهنية؛ إذ لا وجود لمبرر تربوي للتفريق بين الشعب والمسالك في مسألة حصص هذه المادة التي يراهن عليها في تخليق الحياة العامة ، بالإضافة إلى ذلك اعتماد ما ورد في الكتاب الأبيض من إضافة حصة ثالثة تخصص لتدريس الحضارة والفكر الإسلامي، لتثمين تراثنا وربط المتعلم بحضارة تراثه، مما يحفزه على الاعتزاز به . وتبعا لمطلب الحصص تحس المادة من غبن في معاملها بين مختلف المواد، ففي الوقت الذي تراهن فيه المنظومة على مسألة القيم والتنشئة على احترام الثوابت وسلوك المواطنة، وتعتبر مادة التربية الإسلامية مسؤولة أساسا على تمرير القيم واكتسابها وترسيخها، نجد معاملها في مختلف الامتحانات والمباريات متواضعا غير محفز لا يبعث على بذل الجهد والتعامل الجدي مع ما تتغيى تحقيقه، بل غالبا ما يكون ضعف المعامل سببا للإهمال وعدم الإقبال ؛ في الوقت الذي نجد فيه المتعلم يتعامل مع المواد الدراسية بمنطق نفعي باركماتي لحظي ينتهي اثره بانتهاء الامتحان والموسم الدراسي .

– الوسائل والوثائق التربوية ضرورية لتيسير قراءة المنهاج وتنزيله : لا شك أن تمرير مضمون معين يتطلب من الممرر وسائل وعدة ديداكتيكية، خاصة مع توجه نظامنا التعليمي نحو أنماط من التعليم والتعلم، وفي مقدمة ما يساعد عمل المدرس والمؤطر وييسر قراءة المنهاج الدراسي ويوحد اجتهادات المشتغلين به الوثائق التربوية المرتبطة بالمنهاج الدراسي، تفصيلا، وتوضيحا، ونمذجة، من مذكرات توجيهية، ودليل المدرسـ وفضاءات للأنشطة والتطبيقات التربوية التي تدعم عمل المدرس وتحفز المتعلم للإقبال على المادة، بالانتقال به من الإلقاء والتلقي إلى التفاعل والمبادرة والابتكار.

– التقويم ودوره في جودة مدخلات ومخرجات التعليم : من حيث كونه مدخلا أساسيا للإصلاح والتدارك والعلاج والإشهاد، وبما يشكله من أهمية وراهنية في تجويد المنظومة التربوية، وتأهيل فاعليها، حيث يعتبر من الإشكالات البنيوية التي يتم دائما تأجيل البحث الموضوعي المعمق فيها ، أو عدم المغامرة في إيجاد حل ناجع لها ، لما له من علاقة تلازمية بالمسألة التعليمية، في مدخلاتها ومخرجاتها ؛ إذ يعبر عن واقعها المرير ، ويسهم في فتح آفاق لتطويرها. فلا يمكن تصور الجودة في التعلمات و في نظام التربية والتكوين في غياب فعالية ونجاعة التقويم ،تقويم المشاريع ـ تقويم المناهج ، تقويم التحصيل ، تقويم التقويم … وهنا تطرح اشكالية تقويم القيم كما هي في تدريسيتها، وما دام أمر التقويم يرتبط بالنظام التربوي، فهو في عمق المصلحة العامة للبلاد ، وكل خلل أو اختلال فيه يمكن أن يؤدي إلى مفسدة ، وبالتالي فإن التقويم يصبح شرطا لازما يتوقف عليه طموح الجودة في التربية والتكوين ، ولا شك أن معامل المادة في الامتحانات له دوره في حفز المتعلم والإقبال عليها . ومن هنا فإن فاعلية ونجاعة تدريسية التربية الإسلامية تستلزم تحقيق مطلب الرفع من المعامل وجعلها إلزامية في جميع محطات التقويم والاختبارات والامتحانات والانتقاءات ما دامت التربية الإسلامية مرتبطة بالشريعة والاخلاق الإسلامية كمنهج حياة، وحتى يستحضر المتعلم والمترشح للامتحانات والمباريات أهميتها في تسديد السلوك وتخليق الحياة العامة والشأن المحلي.

– لا تطويرأوتغيير في غياب التكوين : لا شك أن كل عمل مدرسي ناجح وراءه مدرس مجتهد ناجح، ولا يمكن تأهيل هذا المدرس ليكون ناجحا مهنيا إلا بالتكوين . إن الملاحظ اليوم أن فئات من المدرسين يلجون مهنة التدريس دون تكوين أساسي أو بتكوين سريع لا يلبي الحاجات المهنية للمكون ( بفتح الواو وكسرها )، وهو ما يجعل هذه الفئات مرتبكة مرتجلة في مواجهة عملية التعليم والتعلم تدريسا وتقويما ، خاصة مع غياب دورات للتكوين المستمر، وأمام تضاؤل عدد المؤطرين، وبداية انقراض المستفيدين من سنتين من التكوين والذين عايشوا واستفادوا وتعاملوا مع نظام التعليم الأساسي وبيداغوجية الأهداف وبيدغوجية الكفايات … مما يجعل بضاعة المدرس المهنية متواضعة. فرغم حمولته المعرفية والشرعية والقيمية الأكاديمية فإنه يجد صعوبة في التعامل مع النقل الديداكتيكي، فيلتجئ إلى البحث عن الجاهز من إعداد الدروس والفروض… وهذا ما يلاحظ في التعامل مع الوضعيات الديداكتيكية والتقويمية . وهذا مشكل تعاني منه كل المواد الدراسية؛ مما يطرح ضرورة إعادة النظر في التكوين الأساس وتمكين المدرسين والمؤطرين من حقهم في التكوين المستمر، تكوينا يلبي الحاجات المهنية، كمدخل لتطوير الأداء. وذلك بإرساء استراتيجية وطنية للتكوين والتكوين المستمر .

– المراهنة على المدرس القدوة : لا ينكر أحد أهمية المدرس في تنزيل وتفعيل وإنجاح أي مشروع تعليمي، وقد أبرزت الجائحة التي يمر بها العالم هذه الأهمية، وجعلته في الصفوف الأولى لمواجهة الجائحة بجانب رجال الصحة والأمن … وإذا كان البعض يرى في مهنة التدريس وظيفة كغيرها من الوظائف، بأجرة معينة، ووقت معين، ومهام معينة… فإن مدرس التربية الإسلامية بتكوينه الاكاديمي التخصصي، وطبيعة وخصوصية المادة التي يدرسها وما تحمله من قيم ربانية، منتظر منه الإيمان بأن التعليم والتدريس رسالة ، لا مجرد وظيفة ، يتحرك بدافع ذاتي داخلي، يعتبر مهمته عبادة يؤديها، ورسالة يسعى لتحقيقها، ويتحرر من النظرة المهنية الضيقة، يتميز بالإخلاص، يبتغي بعمله وجه الله تعالى، وإخلاصُهُ هذا يحوّل التعليم عنده من مجرد مهنـــة إلى عبادة يُرجى ثوابها، لا يطلب بها ثناء، ولا يرجو من ورائها حافزاً، ولا يبغي ترقية ، موقنا أن الإخلاص سبب للتوفيق والنجاح في تأدية واجبه الذي ينبع من الهم الذي يسكنه حول ما ينتاب أمته ومجتمعه من أوبئة وأخطار، فلا يتقاعس في إتقان عمله، يلتزم بقوانين مهنته وقيمها ، ينضبط للقوانين والتوجيهات والبرامج الدراسية، يستحضر دائما أن أجمل التَّعليم هو الّذي لا ينطلق من حسٍّ وظيفيّ، بقدر ما ينبعث من محبَّةٍ لخدمة عيال الله، وإيمانٍ بأنَّ الله يرى، وأنَّ الله يعطي على كلّ تعب وتضحية، وأنّه يحاسب على كلّ تقصير…مما يكسب عمله فاعلية ونجاعة وقبولا. ذلك هو المدرس المنتظر أن يكون قدوة يؤثر في متعلميه بمظهره وشخصيته القوية والانضباط في الوقت، وحسن تواصله، وانفتاحه على كل المستجدات التكنولوجية، ويحسن توظيفها للارتقاء بأسلوبه التدريسي وطرائقه البيداغوجية ، والإلمام بتخصصه الأكاديمي والمادة التي يدرسها، والإشكالات التي تطرحها والشبهات المثارة حولها، ويحسن توظيف ذلك ديداكتيكيا من خلال الانطلاق من نوازل وأحداث الواقع، ووضعيات، ودراسة حالات… تحفز المتعلم على الانخراط والإقبال و المناقشة وإقداره على توظيف ما يكتسبه من معارف وقيم ومهارات.

الاخبار العاجلة