المصباح والصنبور

31 مايو 2014آخر تحديث : الإثنين 24 مايو 2021 - 3:24 مساءً
admintest
كتاب وآراء
المصباح والصنبور

صحيح أن الحكومة الحالية تحملت مسؤولية التسيير والتدبير ، أو حملت اليها في غفلة منها ، في كنف وضعية اقتصادية جد متأزمة دوليا ، وفي ظل اقتراب موعد السكتة الإقتصادية والاجتماعية الوطنية الموعودة . وصحيح أيضا أن من سبقوها لم يتركوا شيئا من خيرات الوطن الا واقتسموه وفرقوه بينهم وبين أقاربهم وأصهارهم ،ولم يدعوا مؤسسة الا وهي على حافة الافلاس المبين ، ولا صندوقا الا وقد نخرته الأيادي المتفننة في علوم اللصوصية وفي علوم الثقوب السرية .
ولا أحد ينكر ،جزما ، أن حفنة من هؤلاء صاروا يتنافسون للتسجيل في لائحة أثرياء العالم بما كسبت أيديهم من تلك الثقوب التي تعرقت جباههم قبل أن يحفروها و أن يكملوا عملية السطو على أموال الوطن وقبل اعادة ترميمها وتلميع الصناديق المنهوبة .
ولا أحد يجادل في أن السابقين عروا الوطن من ملابسه وتركوه كما تُترك المومس في الشارع في الصباح الباكر ، وكما َتترُك الذئابُ الفريسةً الضخمة بعد الثخمة ،وكما يترُك الجائعُ المسكينُ علبةَ سردين بعد التهام محتواها .
لا أحد يستطيع ،بالطبع ، أن يحمل حكومة السيد بنكيران وصقوره ، أو التي يعتقد أنها حكومته ، مسؤولية افراغ الصناديق وافلاس المؤسسات العمومية أو المؤسسات التي خوصصها السابقون مقابل حسابات بنكية مثخمة و فيلات راقية على ضفاف الأنهار وشواطيء البحار والمحيطات .
وليس لدى الكثير منا أدنى شك في رغبة السيد رئيس الحكومة وبعض صقوره ، قبل ارتداء ربطات العنق – طبعا – وتقليم اللحى الى الحد الأدنى ، في مطاردة اللصوص واجبارهم على استرجاع المنهوب لملأ تلك الصناديق المسلوبة و رغبتهم في تحرير الملك العمومي من قبضة القراصنة المعروفين لدى الصغير والكبير ،وعزيمتهم في الوقوف الى جانب الضعفاء والفقراء والطبقة المتوسطة عبر انتزاع حقوقهم وأموالهم من أولئك الصعاليك واسترجاعها الى خزائن الوطن الجريح واستثمارها بشكل يرد للضعيف كرامته وحقوقه .
والحقيقة أن هذه المطالب والرغبات صعبة المنال ، تحتاج الى رجال أقوياء لا يخافون في الحق لومة لائم ولا يخشون انسا ولا عفريتا ، وتحتاج الى رجل مثل سيدنا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه الذي لم تمنعه التماسيح من ترسيخ العدل ودفع الظلم ومن اعادة توزيع الدخل والثروة لدرجة نودي يوما على الفقراء والمساكين في كل البقاع لأخذ الزكاة فلم يجدوا مسكينا واحدا رغم أن سيدنا عمر كان يحكم أمة تمتد حدودها من الصين شرقا الى باريس غربا ومن حدود سيبيريا شمالا الى المحيط الهندي جنوبا ورغم قصر مدة حكمه التي لم تتجاوز خمسة وعشرين شهرا .
قد يقول قائل :ان الظروف ليست هي نفسها . وقد يجيبه عاقل : ان الرجال ليسوا أنفسهم .
وعلى أية حال ، وفي ظل اختلاف الظروف ،و افتقاد الرجال الأقوياء على الطغاة والرحماء بالضعفاء ، فها نحن نلجأ الى أسهل الحلول و أحبها الى الذين أخذوا وراحوا وهي الزيادة في الأسعار.
هل الحل لانقاذ المغرب من السكتة هو الزيادة في أسعار المحروقات ،ثم الزيادة في أسعار المواد الغذائية ،ثم الزيادة في أسعار النقل ….والزيادة في اسعار الماء والكهرباء ؟؟؟
اذا كان ذلك هو الحل الوحيد لانقاذ الباخرة من الغرق فالركاب مستعدون طبعا للتضحية بأمتعتهم من أجل التخفيف من وزن الباخرة .لكن أين هو شعار ربط المسؤولية بالمحاسبة واسترجاع الأموال المنهوبة قبل أن نضطر الى ملأ ما تبقى من فراغ في الصناديق؟؟ أين هي الأموال المهربة والضرائب المتهرب عنها ؟ من يستغل الملك العمومي مجانا والأراضي الفلاحية بأثمان بخسة ؟ ما مصير تقارير المجلس الأعلى للحسابات حول المؤسسات العمومية المنهوبة ؟ و ما هي الاجراءات المتخذة من اجل تقريب الهوة الخيالية في الأجور بين الموظفين ؟ نحن البلد الوحيد في العالم الذي يتراوح فيه الفرق بين أجر موظفين 30 مليون سنتيم بغض النظر عن التعويضات لفائدة الأعلى أجرا والتي تفوق أحيانا الراتب الصافي . ونحن البلد الوحيد في الدنيا الذي يتقاضى فيه عشرة مدراء لمؤسسات عمومية ما يتقاضاه ألف موظف “مسكين” قبل أن تخضع هذه الكلمة لبعض قواعد النحو مثل الترخيم والاقلاب لتصير حاليا ” السميك” .
من يدعي أن كل تلك الزيادات لا تمس الطبقة الفقيرة فقد كذب على نفسه قبل أن يكذب على المساكين ،لأن كل زيادة في سعر المحروقات أو الماء أو الكهرباء أو …. الا وتصاحبها زيادات مباشرة وغير مباشرة في أسعار عدة مواد أو خدمات أخرى مرتبطة وتمس الفقير والمتوسط والغني على حد السواء .
لهذا ننصح الحكومة ، ونحن لسنا في موقع النصح ، أن تروج في وسائل اعلامها ، والهاء ضمير يعود على سيطايل طبعا والتي لا تعترف بعد بدفاتر رئيسها المباشر ولا برئيسه أيضا رغم التهام قناتها الثانية والقناة الأولى أكثر من 32 مليار سنتيم سنويا مقابل الضحك على ذقون المغاربة والاستخفاف بعقولهم ومشاعرهم ،أن تروج اشهارا يدعو الفقراء والمساكين الى اللجوء الى الوسائل البديلة والتقليدية لتجنب لهيب الأسعار كامتطاء البغال والحمير و اشعال القناديل بدل المصباح لغلاء تكلفته، و العودة الى جلب الماء من الآبار والتداوي بالأعشاب و الاكثار من الأكلات التقليدية غير المكلفة و الصحية حتى يتجنبوا التردد على مستشفيات الدولة المعطلة أجهزتها أو المستشفيات الخاصة التي تكوي المريض قبل علاجه. عسى أن تمكن هذه الاجراءات التقشفية والحرمانية الحكومة من استثناء الطبقة المسحوقة والتي على حافة السحق من اثار الزيادات المتوالية في الاسعار التي تهدف الحكومة من ورائها الى ملأ الصناديق التي أفرغها اللصوص الكبار .
قبل أن نفكر في انقاذ المكتب الوطني للكهرباء والماء من الافلاس عن طريق العقد البرنامج ،علينا أن نحاسب القائمين عليه منذ سنوات ،وأن نبحث عن حساباتهم البنكية ونكشف عن شققهم وفيلاتهم ونفعل الدستور الذي ينص على ربط المسؤولية بالمحاسبة ،ونوقف نزيف الصنبور عنهم حتى لا يتكرر نفس الشيء بعد أن تعود له عافيته على حساب باقي المواطنين ،خاصة أن السيد رئيس الحكومة المحترم يعترف بأنه يعرف أصحاب الشقق في باريس وغيرها .
قرار الزيادة في تكلفة المصباح والصنبور في ظل تجميد دعم أجور الطبقة الكادحة والمتوسطة ،وفي ظل استمرار انتفاخ بطون المدراء والمسؤولين الكبار وفي ظل غياب اجراءات موازية حقيقية تدعم القدرة الشرائية للطبقة النحيلة انما هو هرولة نحو اسهل الحلول وهو قرار انتحاري لحكومة توسم فيها الضعفاء خيرا ولو تم الباس القرار رداء انتشال الوطن من حافة الموت خوفا من جرح جلود التماسيح و اتقاء لانتقامها .مما يجعلنا نخشى على الحزب الحاكم من أن يتحمل المسؤولية التاريخية بخصوص هاته الزيادات التي لا شك أن هناك من سيركب عليها لتولي القيادة في المرحلة القادمة كما ركب الحزب الحاكم على بساط الريح العربي أو الديمقراطي وعلى وتر محاربة الفساد الذي يبدو أنه قدرنا و أننا قدره تولى من تولى ورحل من رحل . ويجعلنا كذلك نخشى أن يهجر الناس المصباح الذي لاشك أن عددا كبيرا منهم سيقلصون عدد المصابيح في بيوتهم وسيضعون أخرى أقل توهجا من الأولى حتى لا يتجاوزوا المئة كيلواتور على حد قول الوزير اللي ماعندو علاش يحشم والذي يسيء الى الحزب المحافظ بعد أن أساء الى حزب تقليدي ،كما نخشى على المصباح من القصف خاصة أن المصباح في زجاجة .

بقلم الأستاذ : عبد العزيز بوسهماين

الاخبار العاجلة