المرأة بين الحق والتحرر

13 مارس 2014آخر تحديث : الإثنين 24 مايو 2021 - 3:19 مساءً
admintest
كتاب وآراء
المرأة بين الحق والتحرر

في البداية ، لا بد أن نقر بأن نظرية ” المرأة نصف المجتمع ” نظرية خاطئة من حيث الرمز والكيف سواء في الماضي أو في الحاضر ، وخاطئة من حيث الكم في الحاضر على الخصوص .
الحقيقة دون مبالغة ولا انحياز ولا خوف ، المرأة هي المجتمع كله . وعندما نقول ذلك ، فإننا نأخذ بعين الاعتبار مكانة الرجل ونرفض أن نسقط في إشكالية المقارنة بين الجنسين .لأن الأصل في المقارنة أنها تحدث بين شيئين من جنس واحد ، ولا يمكن المقارنة بين كائنين في خلقهما ووظيفتهما الاختلاف .
نقول ذلك ، طبعا ، لما تلعبه المرأة من دور مركزي وخطير في تحديد هوية وملامح المجتمع بكامله . ولأنها المدرسة التي يتخرج منها كل الأجيال .فاذا صلحت تلك المدرسة صلح المجتمع واذا فسدت فسد . والمجتمع الفاسد أخلاقيا وثقافيا وتربويا مجتمع ميت ولا يستحق الذكر بمذكره ومؤنته .
ومن الناحية السلطوية ، فالمرأة هي التي تحكم المجتمعات ولو كان ذلك من وراء حجاب . تحكم أحيانا بسلطان العقل وأحيانا أخرى بسلطان القلب. وذاكرة التاريخ لا تنسى أسماء النساء اللواتي حكمن العالم بشكل مباشر أو عبر أزواجهن لرجاحة عقولهن أو لامتلاكهن زمام قلوب الملوك والسلاطين .
فالملكة الأشورية” سميراميس” التي عرفت بالحكمة والذكاء الحاد وبالقوة والغموض حكمت الى جانب زوجها ” نينوى” مدة اثنين وأربعين عاما وإن كان الأمر من خلف الكواليس، لتنفرد بالحكم خمس سنوات بعد وفاته ، وقد نسبت إليها إنجازات عظيمة، منها تشييد الحدائق المعلقة (إحدى عجائب الدنيا السبع)، والعديد من الإنجازات العمرانية والنهضة الفكرية، وقيادة الحملات العسكرية التي يعجز عنها أشد الرجال .
وإذا تتبعنا الروايات عن بلقيس- التي ورد ذكرها في القرآن الكريم- مع النبي سليمان (عليه السلام) في سورة النمل، لعرفنا ما أكسبها شهرة لم تكن للكثير من الملوك من قبلها أو من بعدها، ضمنت أن يبقى ذكرها خالداً عبر العصور.
أما” زنوبيا”، التي حكمت مملكة تدمر، عندما كانت تدمر أهم مدينة وحاضرة في عصرها، فبرزت وسطع نجمها في أيام بعيدة، وتبدو زنوبيا كأنها واحدة من الأساطير. فكانت نموذجاً نسائياً فريدا لقيادة وتثبيت أركان الدولة إلى حيث لا يستطيع الكثير.
نصل إلى شجرة الدر، التي كانت جارية من جواري الملك الصالح، لكنها لم تكن كباقي الجواري، بل تميزت بالذكاء الحاد والفطنة والجمال. أعجب بها الملك نجم الدين واشتراها، ولقبها بشجرة الدر. كانت فريدة لديه، حيث حظيت عنده بمنزلة رفيعة، فأعطاها الحق في أن تكون المالكة الوحيدة لقلبه وعقله، وصاحبة الرأي السديد الذي يصغي إليه، ثم أصبحت الشريكة الشرعية وأم ولده خليل. احتلت حياة شجرة الدر مكانة كبيرة في التاريخ لقوة نفوذها وذكائها ودهائها وقدرتها العجيبة في الحكم. وقد خلد التاريخ ذكراها وذكر الخدمات التي قدمتها للمسلمين ومصر.
كما لا ننسى بعض النماذج النسائية الفريدة التي حكمت دولا وامبراطوريات مثل “كيلوباترا” و “حتشبسوت” في مصر ، “مارغريت تاتشر” في بريطانيا ،”أنديرا” غاندي في الهند ،و”بنازير بوتو” في باكستان ،، و”كوروزان أكينو” و”غلوريا” في الفيليبين، وأخيراً “يوليا تيموشينكو” في أوكرانيا.
أما عن نماذج النساء المسلمات اللواتي تركن بصماتهن في الحكم والحرب و الفكر والشعر والعلوم والاقتصاد ….فحدث ولا حرج وعلى رأسهن السيدة عائشة رضي الله عنها التي تربت تربية نبوية فكان كبار الصحابة والعلماء لا يستحيون من أخذ العلم عنها .
وحين ننظر الى المرأة ، فيجب أن ننظر اليها ، أما وأختا وزوجة وبنتا ، وننظر اليها من زاوية أنها الأساس في التربية وفي تحديد توجه الأسرة التي تعد اللبنة الأساسية في تكوين المجتمع، وذلك بغض النظر عن المسؤول اقتصاديا عن تلك الأسرة .
وبالعودة الى الماضي السحيق ،عصر الجاهيلة والظلام ، فقد كانت المرأة تدس في التراب مباشرة بعد ولادتها ، فكانت تحرم من حق الحياة قبل أي حق آخر، وجاء الاسلام فأعاد لها ذلك الحق ،حيث قَال الله تَعَالَى: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ. يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ) .ثم قال أيضا: ( وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ).
جاء الاسلام فكرم المرأة وأعطاها حقوقها قبل أن تطالب بها النساء خلال أول مؤتمر للاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي الذي عقد في باريس سنة 1945 والذي انبثق عنه الاحتفال بيوم 8 مارس كعيد للمرأة ، وقبل حركة الاحتجاجات التي خاضتها الاف النساء الأمريكيات عاملات النسيج تحت شعار ” خبز وورود” في شوارع نيويورك يوم 8 مارس 1908 احتجاجا على الظروف اللاانسانية التي كن يعملن فيها ، واللائي استطعن دفع الدول الأوروبية الى تخصيص الثامن من مارس كيوم دولي للمرأة بعد نجاح التجربة داخل الولايات المتحدة الأمريكية .
ومن أعظم ما قيل من أجل النساء قوله صلى الله عليه وسلم ” استوصوا بالنساء خيرا ” ، أي ، اعطوا النساء حقوقهم طيلة السنة وليس في اليوم الثامن مارس من كل سنة . ومن أعظم الهدايا التي قدمت للمرأة قبل الثامن من مارس هذا ، وعبر جميع العصور، هي وضع الاسلام الجنة تحت أقدام الأمهات .
الا أنه للأسف ، بعد أن ابتعدنا عن الاسلام جميعا ، ضاعت الحقوق ، وتاهت النساء بين البحث عن حقوقهن وبين الجري وراء التحرر من كافة الضوابط ، وليست القيود ، التي تعطي لكل ذي حق حقه ،وتكبح كل شخص عن تجاوز حقوقه عندما سيتم الاضرار بحقوق الغير سواء كانت مادية أم معنوية .
فالهوة شاسعة بين الحق وبين التحرر في ممارسة الحق . فبعض المنظمات النسائية المختلة عقليا صارت تطالب بالحقوق بصدور و أجساد عارية كمنظمة” فيمن” العالمية التي انطلقت من أوكرانيا وبلغت بلداننا العربية والاسلامية . وهناك فرق كبير بين ممارسة الحق وبين الانحلال أو الاستغلال الجسدي للمرأة .
واذا ما أمعنا النظر في الحقوق التي تطالب بها المرأة فسنجد أنها بلغتها وتجاوزتها في الكثير من المجتمعات.فلا يوجد مجال الا وتجد فيه المرأة ، بل انها تقلدت كافة و أعلى المناصب و أبدعت في جميع الحقول . وهذا لا يعني أن كل النساء متساويات في الحقوق ، بل هناك نساء مضطهدات ونساء مغلوب على أمرهن يعشن أوضاعا مزرية وقهرية بين براتن الفقر والجهل وبين ظلمات التهميش والاستغلال. وذلك راجع بالخصوص الى الظروف الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي لا ترحم أحيانا الانسان بجنسيه . الأحرى بنا وبالمنظمات النسائية أن نبحث عن هؤلاء ونخلصهم من عالمهم البئيس ذاك ونحسن أوضاعهم الاجتماعية ليتمتعوا بأبسط الحقوق في العيش الكريم . وأكيد أنهن لن يطالبن بأكثر من ذلك .
شعار المساواة الذي ترفعه النساء خطأ فظيع يضر المرأة من حيث لا تدري ، لأن المساواة تقتضي عدم التفريق في الحق وفي الواجب ، وعدم التفريق يقتضي أيضا نفس التكوين الجسمي والعقلي والنفسي، وهذا ضرب من المحال بين جنسين مختلفين . بل كان من المنطقي جدا أن تطالب النساء بالعدل عوض المساواة لأن العدل يقتضي اعطاء كل ذي حق حقه حسب قدرته وتكوينه . وذلك مايفسر عدم تحدث القران الكريم عن المساواة ، بل يتحدث عن العدل لأن العدل أسمى من المساواة.

بقلم الأستاذ: عبد العزيز بوسهماين

الاخبار العاجلة