الكاتب المقرر للجنة المحلية لتقدير الضريبة.. إشكاليات التعيين والتسمية والإستقلالية

9 يوليو 2022آخر تحديث : السبت 9 يوليو 2022 - 1:07 مساءً
admintest
سلايدرملفات قانونية
الكاتب المقرر للجنة المحلية لتقدير الضريبة.. إشكاليات التعيين والتسمية والإستقلالية

بقلم : المختار السريدي*

لا يمكن للجنة المحلية لتقدير الضريبة أن تمارس عملها بيسر وسهولة واحترافية دون كاتبها المقرر المنتمي للجهاز الضريبي نظرا لما يتمتع به من دراية كبيرة وإلمام واسع بالمقتضيات القانونية ذات الصلة ، بالإضافة إلى خبرته وتجربته التي راكمها في الميدان الضريبي سواء على مستوى المراقبة أو التأسيس أو التحصيل .
ويهدف المشرع المغربي من وراء تعيين كاتب مقرر منتسب لإدارة الضرائب كعضو من أعضاء اللجنة المحلية لتقدير الضريبة ، مساعدة القاضي وبقية أعضاء اللجنة على التعرف عن قرب على الملفات المطعون فيها أثناء دراستها ومناقشتها و البت فيها بسبب ما قد يصادفهم من صعوبات وما قد يعترضهم من إشكالات قد لا يعرفها إلا أهلها والمطَّلعون عليها .
ولعل المهام القوية والوازنة لهذا الكاتب المقرر التي أسنذتها إليه قوانين المالية لسنوات 2016 إلى 2022 تتلخص في كونه هو من يتكلف باستدعاء أعضاء اللجنة المحلية لتقدير الضريبة لحضور اجتماعاتها وجلساتها ، وهو من يتكلف أيضا بإخبار أطراف المنازعة الخاضع للضريبة ومفتش الضرائب بتاريخ انعقاد الإجتماع قصد الدفاع عن مواقفهما وتقديم ما بحوزتهما من وثائق و دلائل ومستنذات ، و هو من يتولى تحرير المقررات الصادرة عن اللجنة و تبليغها إلى الأطراف ، وهذا بخلاف المقررات الصادرة عن اللجنة الوطنية للنظر في الطعون المتعلقة بالضريبة ، حيث أن القاضي – وليس الكاتب المقرر- هو من يتكلف بتبليغها وفقا لما هو منصوص عليه في الفقرة الثالثة من المادة 226 من المدونة العامة للضرائب .
و قد كانت مهمة الكاتب المقرر قبل أن تسنذ إلى ممثل عن الإدارة بمقتضى قانون مالية سنة 2022 ، يتولاها رئيس المصلحة المحلية للضرائب أو ممثله انطلاقا من نص المادة 225 من المدونة العامة للضرائب ، و هو ما لا يستقيم والصحوات الحقوقية والقانونية التي عرفتها البلاد وما تلتها من إصلاحات جبائية مهمة رسمت الحقوق وحددت الواجبات ، فكيف يعقل أن يكون رئيس المصلحة المحلية للضرائب كاتبا مقررا للجنة محلية لتقدير الضريبة مهمتها الفصل بين إدارة الضرائب وخاضع للضريبة يشتكي من تعسفها و ظلمها ؟ وكيف يمكن له أن يتجرد من مهمته الأولى والأساسية كرئيس لمصلحة الضرائب ليمارس مهمة ثانية كعضو قوي باختصاصاته في لجنة محلية مهمتها البت في طعون ضريبية معروضة عليها وهو من ساهم بكيفية مباشرة أو غير مياشرة في صنع الضريبة موضوع الطعن ؟ وكيف يمكن له أن يكون خصما وحكما في نفس الوقت ؟ وقد كنا قبل تعديل النص القانوني وتعويض ” رئيس المصلحة المحلية للضرائب ب ” ممثل عن الإدارة ” نتساءل حول ما العمل إذا كان رئيس المصلحة المحلية للضرائب بصفته كاتبا مقررا للجنة المحلية لتقدير الضريبة ، طرفا في المنازعة كأن يكون هو من قام شخصيا بمراقبة أو تصحيح الضريبة المطعون فيها أو وقَّع أو أمضى على الوثائق المسطرية بصفته رئيسا إداريا لمفتش الضرائب الذي قام بعملية المراقبة أو التصحيح موضوع الطعن ، وفي نفس الوقت يحضر كعضو ضمن أعضاء اللجنة الموكل إليها البت في الطعن و الفصل ما بين الطرفين المتنازعين ؟ ، رغم أنه كان في مثل هذه الحالة يُنيب عنه ممثلا لا صلة له بعملية التصحيح أو المراقبة تلك ولو أن هذا الممثل لا يمكن له أن ينظر في ملف طعنٍ رئيسُه المباشر هو طرف فيه – وهذه أمور قد مارسناها وخبرناها عن كثب وعن قرب – مما قد يضر باستقلالية الكاتب المقرر و يجعل مقرَّر اللجنة غير ذي قيمة أو مشكوكا في صحته أو في التشكيلة التي أصدرته و معرضا بالتالي للبطلان .
هذه التساؤلات جاء قانون مالية سنة 2022 ليضع حدا لبعضها من خلال الحسم في أمر تعيين الكتاب المقررين للجان المحلية لتقدير الضريبة بعيدا عن رؤساء المصالح المحلية للضرائب و إسناده إلى ممثل عن الإدارة دون تحديد لهوية هذه الإدارة هل هي إدارة الضرائب أو أية إدارة عمومية أخرى .
إلا أنه مهما كانت هوية أو انتماء الموظف الإداري الذي أسندت إليه مهمة الكاتب المقرر للجنة المحلية لتقدير الضريبة ، فإننا نتساءل عن مدى استقلاليته في القيام بعمله داخل حظيرة اللجنة ؟
إن الكاتب المقرر للجنة المحلية لتقديرالضريبة الذي يمثل الإدارة والذي يتم تعيينه من بين أطر المديرية العامة للضرائب ، هو بمثابة المِنسأة القوية التي تتوكأ عليها اللجنة ، فهو من يتلقى الطعون و يوجهها إلى القاضي رئيس اللجنة ، وهو من يستدعي أعضاء اللجنة الثلاثة الباقين للإجتماع و هو رابعهم ، وهو من يخبر الطرفين المتنازعين بانعقاد الإجتماع أو بانتهاء المدة المحددة قانونا للبت ، وهو من يحرر المقررات الصادرة عن اللجنة و يبلغها إلى الأطراف كما سلف القول ، وبالتالي فهو عنصر أساسي و فعال ولا يمكن الإستغناء عنه داخل اللجنة ، بحيث لا يمكن تصور تشكيلتها دون حضوره ، بل أن بعض القضاة رؤساء اللجان المحلية من يرفع الجلسة أو يؤجلها إذا تغيب الكاتب المقرر أو تعذر عليه الحضور .
كل هذه الإختصاصات تستدعي أن يتم تعيينه من خيرة وعلِّية الأطر و أن يكون على بينة و دراية تامة بالنصوص القانونية و الجبائية و صاحب تجربة مهمة و كفاءة كبيرة في الميدان تؤهله لأن يكون مستشارا للقاضي و للجنة المحلية ككل قبل أن يكون مقررا و أن يكون حَكما عدلا قبل أن يكون عضوا عاديا يتمتع فقط بصوت تداولي .
و بالرغم من المؤاخذات الكثيرة التي يؤاخد عليها الكاتب المقرر للجنة المحلية لتقدير الضريبة سواء من طرف الخاضعين للضريبة الذين يشكُّون في استقلاليته عن إدارته الأصلية ( المديرية العامة للضرائب ) التي تملك سلطة تعيينه وإعفائه ، و ميوله العفوي إلى ترجيح كفة هاته الإدارة حسب زعم بعض الطاعنين ، أو حتى من طرف بعض مفتشي الضرائب أو رؤسائهم الذين قد يوجهون إليه اللوم و العتاب في حالة عدم صدور مقررات اللجنة لصالحهم حيث يعتبرونه جزءا من الأسرة الضريبية التي يمكن أن يعود إليها متى شاءت الإدارة الضريبية ذلك و بالتالي فهم ينتظرون منه شيئا من ” المحاباة و المساندة ” ، فإنه و مهما كانت من مؤاخذات و مهما حصلت من ميولات فالقانون يبقى هو الفيصل في معالجة الملفات .
و مهما كانت التساؤلات والمواقف يبقى الكاتب المقرر مجرد عضو عادي من أعضاء اللجنة المحلية لتقدير الضريبة يتمتعون جميعهم بصوت تداولي لكل عضو مع ترجيح كفة الرئيس في حالة تعادل الأصوات ، ذلك أن تمتعه بصوت واحد ضمن أربعة أصوات مع امتياز لصوت القاضي لا يمكن أن يكون له تأثير كبير على مصير تلك الملفات ، و بالتالي فلا خوف على حقوق الخاضعين للضريبة من أي تحيز أو محاباة .
لكننا مع ذلك نبقى جد متحفظين على بعض الإختصاصات والصلاحيات القوية التي أسندتها قوانين المالية للكاتب المقرر للجنة المحلية لتقدير الضريبة المتمثلة في استدعاء أعضاء اللجنة ومن بينهم الرئيس واستدعاء الأطراف للجلسة وتبليغهم بمقررات اللجنة أو إخبارهم بعدم بت اللجنة داخل الأجل القانوني المحدد لها .
وقد كان من الأفضل إسناد هذه الإختصاصات والصلاحيات للقاضي رئيس اللجنة نظرا لحياده و لإستقلاليته وما يتمتع به من هيبة وسلطة و وقار ، أما الكاتب المقرر الذي هو مفتش ضرائب في الأصل – يعينه المدير الجهوي للضرائب ويفصله متى شاء – فيجب أن يبقى كاتبا للجنة و عضوا فيها ليس إلا ، كما أن انتماؤه للجهاز الجبائي – ولو أن المادة 225 من المدونة العامة للضرائب تحاشت الإشارة إلى ذلك بصريح العبارة – يجعل عمله عرضة للشك و الريبة من طرف بعض الطاعنين في الضريبة .
و كم نتمنى كذلك و حفاظا على استقلالية اللجنة المحلية لتقدير الضريبة أن يتم تعيين الكاتب المقرر الذي هو ” ممثل عن الإدارة représentant de l’administration ” كما ورد في نص المادة 225 المعدل بقانون مالية 2022 ، من بين أطر المديرية العامة للضرائب الحاصلين على تأهيل في الميدان الضريبي و المحاسباتي و القانوني و الإقتصادي و أن تكون له على الأقل رتبة متصرف من الدرجة الثالثة أو تقني من الدرجة الثانية أو محرر من الدرجة الثانية أو ما يعادل ذلك ، كما هو الشأن في تعيين الموظفين في حظيرة اللجنة الوطنية للنظر في الطعون المتعلقة بالضريبة .
ونظرا لجسامة المهمة وثقل المسؤولية التي أصبح يتحملها الكتاب المقررون للجان المحلية لتقديرالضريبة و طريقة تسميتهم و اختيارهم من طرف المديرين الجهويين للضرائب ،فإن مسألة تعيينهم تبقى مثار شكوك حول انتمائهم وارتباطهم بإدارتهم الأصلية ( المديرية العامة للضرائب ) و الضغوط و التأثيرات التي من الممكن أن تمارسها عليهم هذه الإدارة بطريقة أو بأخرى ، خصوصا حينما نجدهم يتبعون إداريا إما للمصالح الجهوية للتحقيقات الضريبية أو للمصالح المحلية للضرائب بحسب موقعهم ، مما قد يضر باستقلاليتهم ويؤثر على سير أعمالهم .
وتطبيقا ل ” قاعدة أخف الضررَين ” فإننا ندعو إلى تبعيتهم المباشرة إلى المديرين الجهويين للضرائب شأنهم شأن المكاتب الجهوية للشؤون القضائية، وهذا أضعف الإيمان.

*باحث في المنازعات الضريبية

الاخبار العاجلة