القليعة.. مدينة تنفث غبار “البداوة” في انتظار اللحاق بركب “الحضارة”

25 ديسمبر 2021آخر تحديث : السبت 25 ديسمبر 2021 - 10:52 صباحًا
أشرف كانسي
أخبار سوسسلايدر
القليعة.. مدينة تنفث غبار “البداوة” في انتظار اللحاق بركب “الحضارة”

رشيد بيجيكن

كانت إلى عهد قريب تنعت بـ”عاصمة الإجرام”؛ صفة ظلت لصيقة بالجماعة الترابية القليعة، التابعة لعمالة إنزكان آيت ملول، بالنظر إلى ارتفاع منسوب الجريمة بها الراجع إلى مؤشراتها الديمغرافية؛ إذ ظلت ومازالت منطقة جذب لليد العاملة من مختلف المدن المغربية لما توفره والمناطق المجاورة لها من فرص الشغل في الضيعات الفلاحية ومحطات التلفيف وبالحي الصناعي آيت ملول، غير أنه في السنوات الأخيرة، بذلت مجهودات قلصت مستوى التحديات الأمنية، لتتحول القليعة من عاصمة للإجرام إلى عاصمة للاستثمارات بأكادير الكبير بها مشاريع كبيرة كالمنطقة اللوجستيكية.

commune elkliaa3 - جريدة سوس 24 الإلكترونية

من زار القليعة بالأمس ورجع إليها اليوم، سيلاحظ مستوى التغيير الذي طال هذه الجماعة، على الأقل الشارع الرئيسي الذي كان يشكل نقطة سوداء يضرب لها مستعملو الطريق ألف حساب جراء الاختناق المروري المتواصل، واهتراء الطريق، والعشوائية في ركن السيارات والعربات. أما في فصل الشتاء، فالشارع يتحول إلى برك مائية تعرقل المرور. لكن اليوم، تغيرت معالم هذا المحور، مما يعطي انطباعا أوليا بأن الجماعة حضرية، أو يمكن تسميتها بالمدينة.

محمد أعسري، قاطن بجماعة القليعة طالب مهتم بالشأن المحلي، قال “فعلا، تغير وجه الشارع الرئيسي، لكن بمجرد ولوجك إلى الأحياء المجاورة له، ستجد نفسك غارقا في كل مظاهر العشوائية، أبرز سماتها الخصاص المهول في كل البنى التحتية؛ إذ تشكل الفوضى السمة البارزة لهذه الأحياء: غياب للصرف الصحي، شوارع وأزقة ضيقة وبدون أية تهيئة، تصريف المياه المستعملة بهذه الأزقة، عشوائية تلو الأخرى، فلن يحجب غربال تهيئة الشارع الرئيسي شمس الفوضى والخصاص بالأحياء”.

وأضاف أعسري: “صحيح، الواقع متوارث فرض الكثير من التحديات؛ فقد كانت القليعة إلى وقت قريب مرتعا للمجرمين وتجارة الممنوعات، لكن اليوم، ومع المجهود الأمني لمصالح الدرك الملكي والسلطات المحلية والقوات المساعدة، تغيرت الصورة النمطية التي كانت سائدة لدى الساكنة، كما فرضت الكثافة السكانية ضغطا على الخدمات الاجتماعية أساسا، وعلى وجه الخصوص الصحة والتعليم، فبقدر المجهود في قطاع التعليم، مازالت الساكنة تعاني مع المؤسسات الصحية المتواجدة، مما يدفعها إلى طلب العلاج في المدن المجاورة ضمن رحلات تمزج بين الآلام والفقر”.

commune elkliaa4 - جريدة سوس 24 الإلكترونية

أما على مستوى الخدمات الأخرى، فقد ذكر المتحدث ذاته أن “الساكنة ما زالت تعيش في بعض الأوقات مشكل الانقطاعات المتكررة للماء الشروب، بفعل الضغط على هذه الخدمة ونضوب بعض الآبار المزودة، كما أن غياب الصرف الصحي يجعل إفراغ المطمورات مشهدا مقززا، ناهيك عن غياب الفضاءات الخضراء وفضاءات ممارسة الأنشطة الرياضية والثقافية بهذه الأحياء؛ إذ نلاحظ أنها تمركزت بالشارع الرئيسي الذي استحوذ على حصة الأسد من التهيئة، في حين ظل التهميش لصيقا بالأحياء المجاورة”.

محمد بكيز، رئيس الجماعة الترابية القليعة، قال إن “القليعة ارتقت إلى جماعة حضرية منذ سنة 2009، وكانت تشهد فعلا، وإلى عهد قريب، عشوائية في كل المجالات، إلى جانب تراكم النفايات وارتفاع معدل الجريمة، لكن منذ بداية الولاية الانتدابية السابقة، بذل مجهود كبير ومقدر، بدأ بتهيئة المركز، التي كلفت تمويلات مهمة بشراكة مع عدد من مؤسسات الدولة المنتخبة والمصالح اللاممركزة، حيث تمت تهيئة الشارع الرئيسي، ونعمل حاليا على تهيئة الساحة القديمة والمناطق الخضراء وملاعب القرب”.

وفي مجال الصرف الصحي، قال رئيس المجلس الجماعي: “لقد وجدنا اتفاقية وقعت سنة 2013 بغلاف مالي يصل إلى ما يناهز 260 مليون درهم، لكن اليوم تشمل خدمة الصرف الصحي ما يقارب 60 في المائة من تراب جماعة القليعة، بغلاف مالي وصل إلى 340 مليون درهم، يشمل محطة للتصفية. ورغم ذلك، فهذا لا يلبي طلب الساكنة طبعا، ونحتاج اليوم إلى ما يقارب 100 مليون درهم لاستكمال أشغال الصرف الصحي ليعم كافة أحياء المدينة”.

commune elkliaa5 - جريدة سوس 24 الإلكترونية

ووفقا للمسؤول المنتخب ذاته، فجماعة القليعة “تعد منطقة استقطاب واستقرار للساكنة من مختلف مناطق المغرب، وما يدل على ذلك كون بداية الموسم الدراسي الجاري عرفت توافد نحو 850 أسرة، أي ما يزيد عن 2600 تلميذة وتلميذ وافدين التحقوا بمختلف المؤسسات التعليمية بهذه الجماعة، وهو عدد يتم تسجيله بشكل سنوي، مما يبرهن على كون الجماعة منطقة استقطاب، وتتميز بشعبيتها حيث تتوفر فيها كل ظروف العيش لفئات عريضة من مكونات النسيج الديمغرافي”.

وإذا كان مركز جماعة القليعة يبدو للزائر مؤهلا بالشكل المطلوب، فإن زيارة الأحياء المجاورة لهذا المركز تبرز عددا من النقائص التنموية والتجهيزات والبنيات الأساسية، وهو ما لم ينفه رئيس الجماعة في تصريحه لهسبريس؛ إذ قال في هذا الصدد: “رغم المجهود المبذول، هناك خصاص داخل الأحياء، مثل حي بنعنفر وحي الخمايس، ولدينا مشروع منتزهين، علاوة على المنتزه بالشارع الرئيسي، لتكون هذه المنتزهات متنفسا للساكنة التي تعيش في مساكن وأزقة ضيقة جدا تتميز بالطابع القروي وتفتقد للربط بالصرف الصحي، والمياه العادمة تصرف في الأزقة بما لذلك من مضار بيئية وصحية”.

commune elkliaa - جريدة سوس 24 الإلكترونية

أما بخصوص تسهيل الولوج إلى الأحياء عبر مسالك وشوارع وطرق مهيأة، فقد أوضح محمد بكيز أن الجماعة شرعت في تنفيذ الشطر الأول بتكلفة مالية تصل إلى 6 ملايين درهم، “يهم طريقين قديمين في القليعة، هما طريق بنعنفر وطريق الخمايس. وهناك شطر ثان سيشمل الجانب الأيمن للطريق في اتجاه إنزكان بمبلغ مالي يناهز 19 مليون درهم. أما الشطر الثالث فمخصص للجانب الأيسر للشارع الرئيسي باتجاه إنزكان ويهم حي العزيب، دوار زرق، حي النجمة والقليعة الفوقانية، بمبلغ 18 مليون درهم، وكلها طرق تربط الطريق الرئيسية بالأحياء الداخلية. ورغم كل ذلك، فهذا غير كاف، نحتاج إلى تمويلات أخرى وتدخل كل المصالح الخارجية”.

كثافة سكانية وتحديات كبرى يقول بشأنها رئيس جماعة القليعة: “نريد بناء القليعة كمدينة للمستقبل، للأجيال الصاعدة، نبدأ بتصميم التهيئة، ندرس اليوم شكايات وتعرضات المواطنين. وفي جانب آخر، نتوجه بالشكر الجزيل للسلطات المحلية والإقليمية لتصديها الصارم للبناء غير القانوني، مما جعلنا اليوم نحقق التغطية الشاملة بالماء والكهرباء، ونفكر في تهيئة الأحياء الحالية في مختلف المجالات، كما ترافعنا في مجال التعليم والصحة، وهناك عدة مؤسسات تعليمية جديدة سترى النور، ومستشفى القرب في الطريق؛ إذ ستشيده مؤسسة محمد الخامس للتضامن، كما ننتظر إحداث مفوضية للأمن لتجاوز بعض الإكراهات في هذا الجانب”.

commune elkliaa6 - جريدة سوس 24 الإلكترونية

تحديات كبرى إذن تنتظر مدينة القليعة من أجل رفعها وتحقيق التنمية المنشودة؛ تنمية محورها العنصر البشري التواق في هذه المدينة إلى العيش في ظروف مثلى تتجاوز الطابع القروي إلى طابع حضري بما يوفره من إمكانيات تروم تحسين ظروف الإنسان في مسكنه وخارجه، وكل ذلك لا يمكن تحقيقه إلا بمواصلة تضافر جهود الجميع؛ سلطات إقليمية ومحلية ومصالح خارجية للدولة وقطاعات وزارية معنية، لأجل الدفع بهذه المدينة للحاق بمصاف المدن الصاعدة، أي بـ”الحضارة” في أسمى تجلياتها.

الاخبار العاجلة