العنف المضاد

2 فبراير 2020آخر تحديث : الإثنين 24 مايو 2021 - 2:21 مساءً
admintest
كتاب وآراء
العنف المضاد

ذ . عبد العزيز بوسهماين

أسالت قضية “التلميذة والأستاذ ” مدادا اليكترونيا كثيرا ، منه الصافي ومنه الملوث ، منه ما ينبذ العنف ، ومنه ما هو عنف في حد ذاته.

الحقيقة الوحيدة الثابثة في هذا الملف هي أن الطفلة البريئة “مريم” تعرضت للعنف وتستحق كل الدعم النفسي والرعاية الصحية ، والأستاذ الفاضل “بوجمعة ” تعرض هو الآخر لعنف أشد منه ويستحق كل التضامن المادي والمعنوي .

الطفلة تعرضت لعنف جسدي انعكس على عينيها ، وهو يتلاشى تدريجيا، وعنف نفسي سيعيش معها أبدا ، ليس بسبب الضربة التي تلقتها لأننا نسينا أغلب الضربات الموجعة التي تلقيناها ونحن صغار سواء من ذوي القربى أو من أساتذتنا الأفاضل أو أقراننا ” الحكارة ” ، وانما بسبب اقحامها في معركة كبيرة لا يقوى عليها الكبار، وبسبب جعلها ضحية استثنائية كان لها السبق في سجن مدرسها .

الأستاذ مورس عليه عنف جسدي بوضعه خلف القضبان حيث يوضع القاتل والسارق والمجرم المتلبس بجريمته ، ومورس عليه عنف لفظي منذ الوهلة الأولى بتعرضه لبحر من السباب وجبل من الشتائم من طرف جمهور يهوى القذف العشوائي والقصف من بعيد دون ترو ولا تقص ، وعند محاكمته بنعته من طرف محامية حاقدة تبحث عن نفسها ” بالفاشل ” وهو مكبل اليدين واللسان ، ومورس عليه عنف نفسي ومعنوي بالتشهير به وبادانته قبل المحاكمة وبالحط من كرامته أمام تلامذته ـ الذين كان يجاهد من أجل تعليمهم وتربيتهم ـ أثناء المحاكمة ، وبانزال عقوبة قاسية عليه تفوق عقوبة لصوص المال العام ومروجي المخدرات بعد المحاكمة .

اذا كنا ننبذ العنف الذي مورس على الطفلة ، وهذا متفق عليه طبعا ، فكيف نسمح لأنفسنا بأن نعبر عن ذلك بممارسة عنف أقبح على شخص له مكانته الاعتبارية داخل المجتمع دون تردد ودون تمحيص وبشكل يعكس الصورة القاتمة التي استطاعت سياسة ” الدمار الشامل ” التي يتعرض لها التعليم ورجاله ونساؤه أن تغرسها في نفوس الكثيرين ، سواء في صفوف بعض الفاشلين دراسيا أو حتى في صفوف الذين تمكنوا عبر نساء ورجال التعليم أن يتبوؤوا مناصب في الوظيفة العمومية أو يتقلدوا مسؤوليات مكنتهم من سن قوانين مجحفة في حقهم أو مناصب تعطيهم الحق في متابعة وانزال أحكام قضائية قاسية عليهم .

العنف واقع ومتعدد في هذه القضية ، الا أن الحقيقة تبقى غامضة لحد الساعة لأن ظلاما دامسا مازال يكسو القضية ـ التي تحركها أطراف لا تهمها الطفولة في شيء وانما ترنو للشهرة أوالانتقام أوتبحث عن الملايير التي يتجنب الأستاذ حتى الحديث عنها في العمليات الرياضية ـ ولا يمكن اعتبار الحكم الابتدائي الصادر عنوانا للحقيقة والا لماذا يجوز للأطراف الطعن فيه ؟ ولماذا جعل المشرع من التقاضي ثلاث درجات ؟ واذا كنا نؤمن فعلا بأن المتهم بريء حتى تثبت ادانته ، فالأستاذ بوجمعة مازال بريئا في نظرنا وفي نظر القانون وان وضعه هذا الأخير خلف القضبان التي تأبى أن يظل خلفها مغتصبي أطفالنا ومنتهكي أعراض الطفولة دون أن تحرك محامية العشرين مليار وجمعيات الطفولة ساكنا .

الاخبار العاجلة